Articles

الاتفاقُ على الاحتفالِ، وترائِي الهلال، حُلم مِلياريْنِ من المسلمين

فاضل-المأمون

إنَّ قضية اتَّحاد المسلمين في السِّنغال على صومِ يوم واحدٍ متَّفق عليه أو احتفالهم فيه لا تزالُ لحدِّ الآن حُلما لكلِّ مسلمٍ يأمل أن يرى المسلمين متَّفقين على كلمة واحدةٍ، وتؤكِّد هذا الحلمَ تلك البسمةُ التي ترتسمُ على وجوههم عندما يتَّفقون في صومِ يومٍ واحدٍ، أو الاحتفال بيوم موحَّد، وهذا الشُّعور يكفي برهاناً للدلالة على أنَّ الأمَّة لا تزال بالخير، وأنَّ رباط المحبَّة والألفة لا يزال يجمع بين أفراد الأمة الإسلامية، أياّ كانت مناهجهم، ومهما كانت اتجاهاتهم.

  • وإنَّ أوَّل شيءٍ يجبُ علينا إدراكه هُو أنَّ اجتماع المسلمين على الاحتفال بيومٍ محدَّدٍ، أو صومهم عليه ليس قضيةً أساسية ولا ضرورةً في الدين، إذْ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلًَم أمرَ بالصوم لرؤية الهلال والإفطار للرؤية، ثمَّ أمرَ بإكمال الثلاثين عندما يحجبهُ الغمام عنَّـا، بغضِّ النظر عن ظهوره أم عدم ظهوره، فهو نبي الرحمة أول من فتح باب تعدُّدية الاحتمالات، كما أنَّ تصديق الأخ المسلم الذي أخبرَ برؤية الهلال ليس أمراً إجبارياً، إذْ إنَّ “قضية الثِّقة” من الأمور التي لا يمكنُ إجبارها على أحدٍ، مثلها مثل الدين، والحبُّ، والرضَا، والاعتناق… وجلَّ من هو أدرى بمباطن الأسرار والنفوس حين قال: “لا إكراهَ في الدِين”.
    والسبب الأساسي الذي يجعلُ المسلمين يختلفون في أيام الصوم أو الاحتفال هو اختلافهم في المناهج المتَّبعة لتحديد رؤية الهلال أو عدمه، وكذلك اختلافهم في معنى الرؤية في الحديث النبي المشهور، إذا ما كانت الرؤية بالعين المجرّد أو أن الرؤية بآلة التلسكوب أيضاً تعتبر نوعاً من أنواع الرؤية، حيث نجد في ذلك ثلاثة اتجاهات:
    1- اتجاه “اختلاف المطالع”: وهو الذي يرى أنَّ كلَّ منطقةٍ تعتمد على ظهور الهلال في منطقتها، دون التركيز على ما لدى المناطق الأخرى النائية، وهذا المنهج كان أكثر مناسبة في العصور القديمة بسبب صعوبة إدراك ما لدى الآخرين من الأخبار، وهو اتجاه الغالبية العُظمى من لجان ترائي الهلال في العالم، إذ بات لكل دولةٍ لجنة وطنية خاصة لتحديد ذلك.
    2- اتَّجاه “اتِّحاد المطالع”: وهو الذي يرى حتمية الاعتبار بمجرَّد طلوع الهلال على كوكب الأرض، أياّ كان موقعه، ولقد بات هذا الاتجاه في عصر التكنولوجيا قابلة للتطبيق من الجانب النظري، وهو اتجاه بعض اللجان غير الوطنية في بعض الدول الإسلامية نذكر منها CMS في السنغال.
    3- اتجاه “الاعتماد على العلوم الفلكية”: وهو اتجاه العديد من الدول الأوروبية، الأمر الذي يجعلهم يحدِّدون يوم الصوم أو الاحتفال بأيامٍ قبل قدومه، وهذا الاتجاه أيضاً باتَ أكثر دقَّة وعلمية مع القفزة العلمية التي أصابت العالم في العصر الحديث.
    وعندمَا نرجع إلى السنغال نجدُ ثمَّة أسباباً أخرى قد لا تسلَم منها بقية الدول الإسلامية أبرزها:
    1- عدم تدخُّل الدولة في القضية بحلِّها نهائيا، رغم وجود لجنة رسمية ذات ميزانية مخصَّصة من الدولة للقيام بمهمة تحرّى الهلال.
    2- اختلاف الطوائف الدينية والمؤسسات في السنغال، فعند المتصوِّفة تجدُ المريدية والتيجانية والأسرة العمرية مثلاً، وعند السلفية تجد حركة عباد الرحمن وحركة الفلاح ودار الإيمان… ولكل طائفة أو حركة لجنتها الخاصة لتحرِّي الهلال، وإعلانها الخاص لتحديد ظهور الهلال من عدمه.
    الأمر الذي زادَ في الطين بلَّة بنسبة لدولتنا.
    وما يجبُ على المسلمين حالياً هو التسامح فيما بيننا، وأن يعترفَ كل اتجاهٍ ما لدى الآخرين، عارفين أن قضية الاتفاق على يوم واحدٍ لا تعدو كونها مسألة ثانوية، وأنَّ القضية الأساسية تكمنُ في محبة المسلمين بعضهم بعضاً، وتحقيق الألفة فيما بينهم، ونبذ الملاسنات والطعنات في قضايا ثانوية.
    وما أراهُ -شخصياً- أكثر مناسبة كحلٍّ آنِيٍّ، في عصرنا الحالي، هو اعتبار طلُوع الهلال بتحقُّق واحدٍ من هذه الأمور الثلاثة:
    1- رؤية الهلال بأمَّ العين: إذْ أنَّ الإنسان أدرى من نفسِه، ولا يمكنُ أن يخضع نفسهُ، وحتى لو أتمَّ العالم الإسلامي بأكمله الثلاثين فلكَ الحقَّ في أنْ تفطرَ إن أنت رأيتَ الهلال شخصيًا، وأحبِّذ أن تؤخِّر الاحتفال بالعيد لتقوم به مع الجماعة.

2- صدُور بيان رسميٍّ من اللجنة الوطنية لترائي الهلال (CONACOC)، صحيحٌ أنَّ في هذه اللجنة جوانبَ كثيرةً تحتاجُ إلى الإصلاحِ والتطوير، مثلُ غياب كفاءة بعض قادتهِا، وتدنِّي مستوى بعضهم فيما يتعلَّق بالدراسَات الشرعيةِ، وعدم محاولتها للمِّ كلمة جميع المسلمين في الدولة، بتركيزِها على اتجاه الأغلبية، إلاَّ أنَّها نقائصُ يمكنُ إصلاحُها مع مرورِ الوقت، كما يمكنُ تفادي بعضها، إذْ هي في النهاية لا تعدُو كونَها عملاً بشريًا لا يخلو من أخطاء وعيوبٍ، كما تبقى هذه اللجنة تتمتَّعُ بميزات عديدة أبرزها: أولاً: أنَّها هي اللجنة الوحيدة الرسمية الوطنية المعترفة لدى الدولة، ولها ميزانيتها الخاصة، وتنشرُ نتائجها في القناة الوطنية للدولة RTS، ثانيا: نجاحها في حلِّ النزاع الذي كان حاصلاً بين أكبر طائفتين في السنغال في مسألة ترائي الهلال، الطائفة المريدية والطائفة التيجانية، ثالثاً: اعتمادها على منهج اختلاف المطالع: إذْ إنَّ هذا المنهج -رغم قِدمِه- هو المتَّبع لدى الغالبية العُظمى من الدول الإسلامية، بدليل أنَّ لكل دولة لجنتَها الخاصة لتحرِّي رؤية الهلال، ولم أقفْ على اعتبار أي دولةٍ طلوعَ الهلال في دولة أخرى خارج نطاق أراضيها، رابعاً: كونها مذهب الغالبية في السنغال، لكونِها تضمُّ أكبر طائفتين في الوطن، وبما أنَّ الخلاف الحاصل في مسألة ترائي الهلال خلافٌ ثانوي- إذ لا يمسُّ كون فريق ما على الحقِّ والآخر على الضلال- فأرى أنَّ الأولى الانضمام مع الجماعة، لندركَ في النهاية “أنَّ اجتماع الأمة ولو خطإً على يومِ التاسع والعشرين أو الثلاثين خيرٌ من انشقاقهم بين هذا وذاك، ما دام ذاك الخطأ بعيدًا عن الهوى والنفس” كما أنَّ “يدَ الله مع الجماعة”، خاصةً في أمورٍ ثانوية كهذه.

2- إخبارِ شخصٍ معروفٍ وثقة بطلوع الهلال: فكما هو معلوم في علم “الجرح والتعديل” أنَّ خبر مجهولٍ لا يمكنُ أن يكون أقوى من خبرِ غير ثقة، ففي العصور القديمة كان خبر واحدٍ أو اثنين بالكاد أن يكون كافيا لصعوبة تداول الأخبار بين الناس، فما يراهُ شخصٌ واحدٌ قد يكون هناك آلاف من أناس غيره قد رأوهُ دون معرفة الآخرين، لصعوبة نقل الأخبار وتداوُلها وقتئذ، أمّا في العصر الحديث، حيث تنتقل الأخبار في غضون ثوانٍ معدودةٍ فمن غير معقول الاكتفاء بشخصٍ أو شخصين من بين ملايين أشخاص، في حدودِ الأراضي الوطنية، كما أنَّه من غير معقول أن تقوم لجنةٌ رسمية ومتخصصة في ترائي الهلال بتتبُّع الهلال في جميع أقاليم الوطن، مستعينا في بعض الأحيان بأجهزة علمية حديثة (بمساعدة فريق مرَم كيري الفلكي المشهور)، ثمَّ يخرجُ شخصٌ ويروي برؤية الهلال، دون غيرهِ، ولهذا ما أراه صحيحاً أنَّه يمكن الأخذ بخبر الواحد عندما يكون معروفاً وجديراً بالثقة.

وهناكَ خطة مستقبلية للأمة الإسلامية، وتكون بتوحيد اللجان الوطنية في العالم الإسلامي، ومحاولة الاتفاق على مناهج موحَّدة لتصير الأمة الإسلامية متفقة على يوم واحد في الصوم والاحتفال، بل وفي التقويم السنوي للتاريخ الهجري، ولا تتحقَّق هذه الخطة إلاَّ باتحاد كل وطن في لجنة موحَّدة تكون في آن ذاته ممثِّلة للجنة الأممية في تلك الدولة، وما تحققتْ المنظمات الكبرى والدول العظمى إلاَّ بهذه الطريقة من منظمة الأممة المتحدة وحلف الأطلسي OTAN، والولايات المتحدة الأمريكية، واتحاد الدول الإفريقي والأوروبي وغيرها من المنظمات والكنفدرايات.
وحين يتحَقَّق ذاك الحلم يجب أن نحتفظ بأواصر المحبَّة والألفة، والرغبة في الاتفاق، ونبذ الاختلاف، والبعد من اتِّهام الآخرين، والطعن في نواياهم التي لا يعلمها إلاَّ الله قال تعالى: ” وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ”

الجمعة 21 أبريل 2023
تياس_السنغال

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى