
مقال: الشيخ أحمد الصغير لوح الشخصية القرآنية الخالدة !
بقلم/ أحمد البشير جانج
لم يكتف الشيخ أحمد الصغير فقط بأن يصب حروف كتاب الله في صدور الأطفال صبا ، أو يرسمه في أذهانهم رسما، وإنما مزج الحرف بالسلوك الجميل ، والثقة بالنفس وعدم الاعتماد على الغير ، وغرس روح التضحية والفداء فيهم والخدمة لأجل الإنسانية الجامعة ، فحاول بناء إنسان يستحق لقب الإنسان فنجح في محاولته !
فأنشأ مدرسته العريقة وأتى بمنهجه الواضح وأسلوبه السليم لتحقيق غاياته المنشودة ، وبأسس قوية و رؤية واضحة لنصرة هذا الدين الحنيف و إنقاذ هذا الشعب من ويلات الجهل ، ثم جاهد بل وكافح لتحقيق هذه الأهداف الشاملة السامية !
شاء الله أن يبدأ رحلته الطويلة المفعمة بإنجازات كبيرة في أزمنة صعبة ؛ حين كانت صدور الناس مكتظة بالحزن والهلع ، والتور الشديد يعمّ كلّ مكان ، و هكذا حال الرجال يمسكون زمام الثقة واليقين حين يفقده الناس ، و يجدون قوة الإيمان و لذتها في قلوبهم حين كادت حوادث الدهر أن تمسحها في قلوب غيرهم .
إذن لا غرو أن يصادف مع بداية رحلته تلك الحربَ التي تأججت نارها ثم تزيد شيئا فشيئا إلى أن اقتحمت الحدود ليذوق جميع القارات من لهيبها ومن طعمها المرّ .
و الشيخ بالرغم من تلك الأيام العبوس ، و بالرغم من تصادف مسيرته بأزمة اقتصادية واجتماعية ، إضافة إلى كون السنغال في تلك الفترة تحت ضغوط الاستعمار وعانت ما عانت ، إلا أن ذلك كله لم يمنعه من أن يستمر ويواصل ليبقى أعظم أهل زمانه وخير قدوة للأجيال الصاعدة .
وخدم لشعبه خدمة لا ينساه التاريخ ، وترك لنا دروسا لا تعد ولا تحصى ، من بينها درس مهم جدا وجب علينا أن نقف عليه وفقة تأمل وهو حرصه الشديد على توحيد كلمة المسلمين و صفهم ، ومعهده المبارك الذي أصبح منارا للحيارى ومنقذا للأجيال خير دليل على ذلك حيث يستقبل آلافا من أبناء المسلمين يتولى تدريسهم وتربيتهم و إسكانهم وعلاجهم مجانا مع غض النظر عن انتماءاتهم الطافية والعرقية والطبقية المتابنية ، إنما يهممه خدمة المسلمين لا غير .
يكفيه الإسلام انتماء و انتسابا دون التدخل في الخيارات الفكرية والتربوية أو في تفاصيل أخرى …
“ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين” !
فكان رحمه الله يركز في كل ما فيه وحدة المسلمين و يجتنب العكس أيما اجتناب ، و يجيب كلما سأله سائل عن طريقه : أنا محمدي ، أي سني أقتدي بهدي رسول الله مع ترك جميع ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم !
وهذه الصفة الجليلة – أي حبه وحرصه على اتباع السنة – كانت تتجلى في قوله وعمله ، و كونه مثاليا في التقوى والورع وأما زهده في متاع هذه الدنيا الفانية وتفانيه في خدمة المسلمين فحدّث ولا حرج ، ولقد أحسن تلميذه الشيخ المقرئ المتمكن والإمام الخطيب المفوّه إبراهيم لوح – حفظه الله- حين يصفه قائلا :
” كان الشيخ غاية في التقوى والورع، زاهدا في متاع الدنيا و حطامها ، وقدوة حسنة في التفاني والتضحية ، واقفا حياته كلّها لخدمة الإسلام والمسلمين ، أسوة للأجيال في مجال تحفيظ القرآن وتدريس الشريعة الإسلامية، سنيا في عقيدته وعبادته ، غيورا على دينه محترما لنصوص شريعته : لا يحيد عنها قيد أنملة ، سريع البيان عند الحاجة : لا يداهن أحدا ، ورعا تقيا ، لينا في شدة ، متواضعا في عزة .” ١
هذا هو الشيخ أحمد الصغير لوح – رحمه الله – رجل بألف رجل ، شخصية خالدة إلى قيام الساعة ، مجاهد كبير ظلّ يجاهد طول حياته حتى أتاه اليقين فما تراجع قط ولا توانى بل كان بطلا مقداما جعل أعماره وقفا للإسلام ، حتى قدّم أمامنا هذه الإنجازات الهائلة التى كانت الأماني تصورها في عالم الخيال ، لكنه هو بجهده وعلو همته وشدة عزمه و حزمه جسّدها في أرض الواقع .
مازالت عبارته تلك عالقة في ذهني ، وهي قوله العظيم الذي يلخّص لنا صدق نيته وعظمته في أبناء المسلمين :
“نيتي تعليم الطالب كتاب الله إلى أن يحفظه مع القيام بمكافأته ووالديه ثمّ لا نلتقي أبدا إلى يوم القيامة”
رحمه الله تعالى .