Articles

غزة : قراءة في الظاهرة و المآلات ..!

د.عبد الله الغيلاني

قطعة من الأرض لا تجاوز مساحتها 380 كيلومتر مربع، يقطنها نحو مليوني إنسان، و قد ضرب عليها حصار شامل، يعيش أهلها حالة ترقب دائم، فالعدو يتربص بهم و لا يكف عن التهديد بالقصف ثم لا يلبث أن يقصف فيقتل و يدمر و يهدم و يستمر في جرائمه تلك لا يلوي على شيئ و لا يكترث بأي معايير سياسية أو إنسانية !
تلك ظاهرة فريدة في التاريخ ، و لهذا التفرد دلالات سننية و إستراتيجية ينبغي للعقل المسلم أن يتأملها بعمق. لقد شاء الله لهذه القطعة البالغة الصغر في مساحتها و الشديدة الاكتظاظ بسكانها و الواقعة تحت حصار صهيو-عربي أن تكون تجسيداً لجملة من الدلالات الكبرى التي هي بدورها مقدمات لمآلات قادمة لا محالة، و لعلي أكتفي في هذا المقام بثلاث منها : فهي :
أولاً: تمثل حالة إستعصاء إستراتيجي على كل مساعي الاختراق التي يقودها الصهاينة و من ورائهم النظام الاقليمي العربي. لقد تكسرت كل النصال و صدئت كل السيوف و بقيت غزة عنوانا للإستعصاء و مقاومة الانكسار …. و تلك ظاهرة تستدعي تحليلاً موضوعياً ….
ثانياً: رغم تلقيها الضربات الموجعة، فما فتئت ظاهرة غزة تبهر العالم بصمودها ، فمع كل غارة غادرة تنتج غزة لوناً من الثبات و درجة عالية من العزم و حسن البلاء ، و تلك روح عامة تسري في كل أهل القطاع و لا يقتصر الأمر على المجاهدين من كتائب القسام و سرايا القدس. إنتاج الصمود و مراكمة الثبات عملية بالغة التعقيد، شديدة الكلفة ، خاصة في زمن العسرة ، فأنى تأتى لغزة أن تتحول الى منجم لإنتاج نماذج من الصمود و الجسارة و الصبر الاستراتيجي ، تراها في عيون اليتامى و تلهج بها ألسنة الثكالى و يعبر عنها صبر الارامل .
ثالثا: لا ريب أن غزة اليوم هي الرقم الصعب ليس في المعادلة الفلسطينية فحسب، بل في المعادلة الاقليمية برمتها . فهي بروحها النضالية المتوهجة و صمودها اللامحدود تشكل أحد أضلاع مربعات القوة التي لا يمكن تجاوزها في الحسابات الاستراتيجية، ذلك رغم ضآلتها الجغرافية و بؤسها الاقتصادي و عزلها السياسي !!
تلك الدلالات لها ما بعدها ، فما خلقها الله عبثاً . و يظهر لي أن غزة تصنع على عين الله و منها ستخرج مشاعل التحرير . ما يجري في غزة منذ عقدين من الزمن هو خارج الاستشراف البشري. و على الأمة بكل فئاتها أن ترعى هذه النبتة المباركة و أن تتعهدها بكل صنوف الاسناد، فذاك من أوجب واجبات الوقت .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى