Articles

كان الله لأهلنا في السودان ..

د. محمد موسى كمارا

في أحد أمسية عام 2012م، وبعد صلاة المغرب، كنت جالسًا أحادث بعض أهل الدَّار، فجاءني اتَّصالٌ من قريبٍ كان يعرف أنّني أجيد العربيَّة، أخبرني بأنَّ إخوةً من السُّودانيِّين قد حلُّوا ضيوفًا عندنا في (غينيا)، ويريدون من يترجم لهم، ويكون همزة وصلٍ بينهم وبين الغينيِّين، فقابلتُ هذا الطَّلب بالإيجاب، وما لبثتُ غير دقائق حتَّى وقفت سيَّارةٌ فارهةٌ على مدخل منزلنا، ثمَّ جاءني اتّصالٌ كان هذه المرَّة من السّائق، يطلب منّي دخول السّيَّارة؛ لنتوجَّه إلى بيت أولئك الإخوة السُّودانيّين، فلمَّا دخلناه رأيتُ كرمًا عجيبًا في صنع الطّعام وتهيئة المكان؛ استقبالًا للمترجم المنتظر! فكان ذلك أوَّل علامةٍ دلّتني على طبيعة السُّوادنيّين، وسعة كرمهم، ومبالغتهم في الضّيافة والإحسان.
وقد عملتُ لهم مترجمًا خلال ما يقرب من أربع سنوات، وظلُّوا على ما استقبلوني به من سعة الكرم منذ أوّل يومٍ، بل لم أر منهم تمييزًا في المجلس، ولا تفريقًا في المأكل والمشرب، ولا تفضيلًا لأحدٍ على أحدٍ في الرُّتبة والمقام، وأذكر أنَّ أحد أغنياء السُّودان زارنا في غينيا في ذلك الوقت، فأحبَّني حبًّا شديدًا، وأعجب باللّسان العربيّ الذي كنت أترجم به بينه وبين الزّوَّار، فألحَّ عليّ أن أرافقه إلى ساحل العاج حيث يركب الطّائرة إلى السُّودان، فاعتذرتُ عن ذلك بسبب التزاماتي الدّراسيَّة آنذاك.
ولـمَّا فارقتُ غينيا في سبيل طلب العلم، لم أر سودانيًّا من الأساتذة والطّلبة يوصم بضيق الصّدر وسوء المعاملة، بل كلُّ من لقيتُه منهم كان ليّن الجانب، رضيَّ الخلق، نبيل النّفس، محبًّا للعلم وأهله.
كان الله لأهلنا في السّودان؛ فإنَّهم أطيب وأعزّ من أن تحلّ بهم حربٌ حمقاء طائشة، لا يوقد نارها إلّا طمعٌ جامحٌ، وجشعٌ قبيح.

كاتب وباحث من غينيا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. جزاك الله كل خير أخي الدكتور محمد كمارا فيما سردت من طيب الكلم وصدق المشاعر نحو أخوتك دوما في السودان جعلنا الله أخوة متحابين فيه متكاتفين نشد أزر بعضنا البعض فالمحبة الصادقة هي وقود السلم والأمان .. اللهم أحفظ السودان من الفتن ماظهر منها ومابطن وأجعل الخير في ولاة يعرفون قدره .،،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى