actualite

حينما يدفع الصغار ثمن أخطاء الكبار

ياسمين المحمد

الزواج مظلة الأسرة الناجحة، ونواة المجتمع السليم المعافى.. أوصاف نسمعها كثيرًا، ولا تفارق أذهان الشاب أو الفتاة، وتُشكِّل جزءًا من وجدانهم.

وتظل هذه الصورة الوردية متأصلة في نفوسهم حتى يدخل كل منهم القفص الذهبي -كما يقولون- ويعيشون الحياة على حقيقتها بعيدًا عن التصورات الذهنية والأفكار المسبقة المفعمة بالتفاؤل.

البعض يكون حليفه التوفيق، ويجد ضالته في مَن اختاره شريكًا لحياته، وتمضي به الأيام هانئة سعيدة.. وآخرون يكتشفون أنهم أخطؤوا الاختيار، وتسرعوا في قرار الارتباط، ولا يستطيعون استكمال المسيرة؛ إما لأسباب شخصية، أو لمشاكل اجتماعية؛ وسرعان ما تنشب بينهم الخلافات والنزاعات التي يصل بعضها إلى حد الطلاق والانفصال. وهنا تتفاقم المشكلة إذا كان هناك أطفال؛ لأنهم سيدفعون عاجلاً أو آجلاً ثمن هذا الانفصال.

ومع أن الطلاق هو “أبغض الحلال” -كما يقولون- إلا أنه قد يكون أحيانًا الحل الذي لا بد منه إذا وصل الطرفان إلى نقطة يستحيل معها التفاهم؛ فعند ذلك يكون شرًّا لا بد منه لإيقاف المشاكل في الأسرة؛ حتى يستطيع الطرفان بدء حياتَيْهما من جديد.

إلى هنا والأمر عادي، لكن المؤسف هو أن بعض الآباء والأمهات يميلون إلى استخدام الأطفال كسلاح في المعركة ضد الآخر – إن جاز التعبير – في حالة وجود نزاعات ومشاكل، وخصوصًا إذا كانت قد وصلت إلى المحاكم؛ ففي هذه الحالة يتنازع الطرفان حول الحضانة، ويميل كثير من الآباء إلى مضايقة الأم بتأخير إرسال النفقة الشهرية، أو التهرب من تسديدها، فيما تميل الأمهات إلى التضييق على الآباء فيما يتعلق برؤيتهم الأبناء.

ومن التصرفات الخاطئة التي يقوم بها كلا الطرفان أنهما يستخدمان الأبناء لإيصال الرسائل السالبة، كأن تطلب الأم من ابنها أو ابنتها حث الوالد على زيادة المبلغ الذي يرسله شهريًّا، أو أن يطلب منهما الوالد إقناع الوالدة بإطالة مدة بقائهما معه خلال نهاية الأسبوع.

وليت الأمر يقف عند هذا الحد؛ فبعضهم قد يجنح في سياق بحثه عن تصفية الحسابات، أو ممارسة الابتزاز العاطفي، إلى إساءة صورة الطرف الآخر، أو استخدام الأبناء للتجسس ونقل الأخبار.

قبل فترة قليلة التقيتُ إحدى صديقاتي التي افترقت عن زوجها بعد خلافات مريرة وطويلة. سألتها عن أخبارها، وأبنائها، وما إذا كانوا قد تأثروا بالطلاق، فحدثتني عن مآسٍ لم تكن تخطر على بالي. روت لي كيف أن طليقها يتحدث عنها أمام أطفالها، الذين لم تتجاوز سن أكبرهم خمس سنوات، بصورة سيئة، وكيف يحاول أن يعرف منهم تفاصيل حياتها وأسرارها.. ولم تستطع أن تكمل حديثها؛ فقد خنقتها العبرات، وسالت دموعها غزيرة، تجسِّد مأساة امرأة، كل ذنبها أنها أساءت اختيار مَن ظنت أنه سيكون شريكًا لحياتها.

هذه الصور القاتمة كثيرًا ما تتكرر في مجتمعنا، وغالبية المجتمعات العربية، نتيجة للرغبة في التشفي والانتقام.. لكن أمثال هؤلاء الآباء والأمهات يجهلون أنهم يُدمِّرون نفسيات أبنائهم، ويُسبِّبون لهم ضغطًا عصبيًّا عنيفًا، يكون في كثير من الأحيان سببًا رئيسيًّا في فشلهم الدراسي، بل قد يدفعهم إلى طريق الانحراف وتعاطي المخدرات رغبة في الهروب من الواقع المأساوي الذي يعيشونه.

لهؤلاء الذين تملَّكهم الغضب، واشتعلت في صدورهم نيران الرغبة في الانتقام، أقول: إنكم تدفعون أبناءكم نحو الفشل، وتُحمِّلونهم ثمن أخطائكم، وتريدون منهم أن يتحملوا فاتورة إخفاقاتكم.. رفقا بأبنائكم الذين وإن كانوا صغارًا اليوم فإنهم سيكبرون غدًا، ولن يغفروا لكم ما اقترفتموه من ذنب في حقهم.

وما دمتم ارتضيتم لأنفسكم حياة جديدة بمحض إرادتكم فلا ضير من أن تتظاهروا أمام صغاركم بالتوافق فيما يتعلق بمستقبلهم، وأن كلاكما يريد لهم حياة مستقرة، ومستقبلاً زاهرًا.

انتصروا لأطفالكم، وتجاهلوا أحقادكم، واحذروا من هذه الأجيال الجديدة التي ليست كالأجيال السابقة؛ فهم أكثر اطلاعًا على ما يجري حولهم؛ لأنهم يحملون العالم بين أيديهم، ويتجولون بين ربوعه بضغطة زر.

تجاوزوا مراراتكم والأحاسيس السالبة، وإن لم تستطيعوا أن تكونوا أزواجًا سعداء فكونوا على الأقل آباء صالحين وأمهات قدوات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى