القرآن الكريم كتاب حركة اجتماعيّة دينامكيّة
يبدو أنّ المنهجية الثابتة الراكدة، والأسلوب الميكانيكي الّذي يستخدمه الكثير من الدّعاة والخطباء، في تفسير الدّين، وعدم الترّكيز على الجانب الديناميكي عند تناول تفسير القرآن الكريم، هو الذي جعل الفرد في المجتمع الاسلامي، وحتّى غير المسلم يعتقد بأنّ (القرآن الكريم) كتاب يختصّ بالحرام والحرام ، بالجائز والممنوع ، بالمندوب والمكروه، بالتبشر بالجنّة والتنذير من النار فحسب . أكيد أنّ القرآن الكريم تناول قضايا الحلال والحرام بشكل واسع، لأنّه يمثّل ( دستورا للمسلمين) الذي يشرع ويجرم (للانسان المسلم ) لكن عندما نمعن النظر، ونعيد قراءة صفحاته المقدّسة، التي يتدفّق منها نور وهدى ، وعي وفكر ، نجد أنّه ليس مجرد كتاب فحسب، بل إنّه (منهج حياة) كما يراه السيد قطب رحمه الله تعالى . إنّه ( القرآن الكريم ) بوصلة للبشرية ونور للآدمية ؛ بل إنّه حركة اجتماعيّة دينامكيّة يعالج جميع القضايا الانسانيّة ( الحياة ، الانسان ، التاريخ ، الحضارة ، الاقتصاد ، الحرب ، العدالة )
فالله عزّ وجلّ عندما يسرد لنا قصّة موسى وفرعون؛ لا يريد منّا أن نركّز فقط على عصا موسى العجيبة ولا أن نضحك على فرعون الذي غرق في النّهر الذي كان يدّعي بملكيته ( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار…) بل يريد أن يبيّن للانسانية الصّراع القديم الطويل بين السياسي ورجل الدين ؛ الصّراع بين الطغاة ودعاة الاصلاح والتنوي ؛ وكيف أنّ هؤلاء الطغاة يراهنون بكلّ شيء، لأجل البقاء في السلطة، ويصل بهم الحال إلى استخدام ( السّلطة القضائية ) لشرعنة قوانين خارجة عن مألوف البشر ، لأجل تصدّي وتوقيف كلّ قوّة تأتي لهدم مصالهم الشخصية ( قانون تشريع قتل مواليد الذّكور في دستور فرعون نموذجا)
وعندما يسرد لنا في (آل عمران) مرارة الهزيمة والقرح، في غزوة أحد، لا يريد منّا أن نبكي ونحزن على ما حلّ بالمعسكر الاسلامي هناك في جانب الجبل ؛ بل يريد أن يعطي للجمعيات والحركات الاسلامية رسالة تقول ( أنّ كلّ جماعة أو جمعيّة أو حركة دينية اسلامية تجري وراء الدنّيا، وتهتمّ بالمادّة أكثر ممّا تركزّ بالوعي الفكري ، وتنسى أصل قضيّتها وتتحرك حركة عمياء دون الاتكاء بالخطط الاستراتيجية المحكّمة ، ستهزم من قبل الأعداء واللوبيات وقوى الظلام البعيدة عن ينبوع الخير والنّور ؛ ولو كان في داخلهم أولياء الله عزّ وجلّ
يريد منّا الله عزّ وجلّ أن نربي نفوسنا وأرواحنا في كلّ الجوانب بحيث لا يمكن اختراقنا، ولا يمكن للشيطان أن يغرينا بالدنيا ومتاعها، قبل أن نخسر القضايا المقدسة التي ندافع عنها، يعني أنّ القرآن الكريم يذكر لنا التاريخ والحضارة ، ونتائجهما لنستطيع توظيفها في المستقبل
فيجب علينا أن ننطلق في تناول قراءة (القرآن الكريم )من استشعارنا واستحضارنا لكون الله عزّ وجلّ منزل هذا الكتاب العظيم من مكان علويّ طاهر مبارك وصف ( القرآن الكريم ) بالنّور، والهدى والرّوح، والشّفاء ؛ فهو خالق هذا الكون وخالق النّاس الذين يعانون من المشاكل النّفسية والاجتماعية، والتربويّة، والأزمات ؛ وبرحمته الواسعة؛ جعل حلول كلّ هذه المشاكل الانسانيّة في هذا الكتاب العظيم ( ما فرّطنا في الكتاب من شيء) فهو كتاب يهذّب النفس البشري ليزيل منه القلق والخوف ؛ ويخاطب الوجدان ليكون قنديلا للانسان التائه ؛ ويربيّ الروح الآدمية ليصنع منها أسطورة ومعجزة ؛ ويهمس في أذان عشّاق التفكير والتدبير ليعالج لهم قضاياهم ؛ ولهذا فكلّما حسُن وارتقى (منهج التلقّي) لنبرات القرآن المجيد ونستطيع استحضار همسات الله عزّ وجلّ خلف هذه الآيات التي يخاطبنا عبرها بكلّ شفافية ووضوح ، كان الانتفاع به أعظم ، وفهمنا للحياة أدقّ
السّماوي