السلطة السنغالية الجديدة وضرورة تفعيل الشراكة الإقتصادية مع العالم العربي
فاضل غِي
وصل تحالف “جوماي رئيس الجمهورية ” إلى سدة الحكم وسط رغبة جامحة من جل أبناء الشعب السنغالي مما دفعهم إلى الخروج بكثافة إلى صناديق الاقتراع تلبية لخطاب حزب باستيف الوطني المناهض للتبعية السياسية والهيمنة الغربية التي ظلت بلادنا تتضرر بويلاتها لفرط طمع الغرب ، وعلى رأسه فرنسا في ثرواتنا الطبيعية وتصديره لكل أنواع المجون والشذوذ إلى مجتمعنا المؤمن بمسلميه ومسيحييه ، فلما وصل حزب باستيف إلى سدة الحكم تنفس المواطنون الصعداء وانشرحت صدورهم ، و بلا جدال عاد الهدوء والأمان إلى الشارع السنغالي منذ 2 أبريل تاريخ التسلم والتسليم بين الرئيس سال وفاي ، كما أن الخطوات التي خطاها الرئيس بشير جوماي على المستويين الإقليمي والدولي تبشر بخير كثير ، وتدل على أن القيادة الجديدة على الطريق الصحيح .
وعلى الصعيد الإقتصادي أعلن فخامة الرئيس في أول خطاب له إنفتاح السلطة الجديدة على جميع شركائها في المجال الإقتصادي عل أساس الندية والاحترام المتبادل في التعامل ، وواضح أن الرسالة وصلت إلى شركائنا التقليديين .
ولكي تنجح الحكومة في خطتها الجيوستراتيجية نرى أن تتبنى قيادتنا مبدأ التنوع في علاقاتها الاقتصادية مع الدول في ظل مساعيها إلى إعادة النظر في طبيعة علاقات الشراكة مع دولة كفرنسا وغيرها من البلدان ذات الوزن الثقيل والطمع اللامحدود ، لذلك استغربت موقف وزير المياه من مشروع محطة تحلية المياه وهو الاتفاقية الموقعة بين شركة المياه “سونس ” وشركة أكرا باور السعودية في نهاية مارس الماضي ،وكان من المنتظر أن تستثمر “أكوا باور ” مبلغا قيمته 459 مليار فرنك سيفا ،لبناء وتشغيل ثاني محطة لتحلية مياه البحر في البلاد ،وهذا المشروع يُمكن السنغال من ضمان المياه لتسد حاجة المواطنين ، ولا سيما سكان العاصمة دكار وما حولها مع النمو الديمغرافي المتزايد ، وكان من المقرر أن ينتج 400 ألف متر مكعب يوميا ، و يمكن بلادنا من انتاج وتصدير المياه إلى دول المنطقة ، زد على ذلك العدد الكبير من التوظيف في هذا المشروع محليا.
وربما من المهم أن نقدم هنا تعريفا موجزا بشركة “إكوا باور ” فهي مطوّر ومستثمر ومشغل لمجموعة من محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه ،وتشمل محفظة أعمالها حاليًا 90 محطة قيد التشغيل والبناء ،أو في مراحل متقدمة من التطوير ،ويعمل لدى الشركة أكثر من 4000 موظف ،ما يشكل 60 في المائة من التوظيف المحلي في 13 دولة في مناطق الشرق الأوسط وشمال وجنوب افريقيا ،وجنوب شرق آسيا ، وتبلغ القيمة الاستثمارية لمحفظة مشاريع الشركة 94 مليار دولار أمريكي ،تنتج.6 65 جيجاوات من الكهرباء ، و 8.0 مليون متر مكعب من المياه المحلاة يوميا .”
ولست أعرف أسباب وملابسات تحفظ الحكومة على تنفيذ هذه الإتفاقية ، لكن الذي يمكنني البت فيه أن دول غرب إفريقيا هي المستفيدة دائما من علاقاتها الإقتصادية والاستثمارية مع أشقائنا العرب عبر تاريخ هذه العلاقات .
وجلي أن الصناديق العربية ساهمت ولا تزال تساهم في تنمية بلادنا في مجال البنى التحتية ،من طرق وسدود “سد ماننتالي ” و ” سد جاما “وغيرها من المرافق التي لا يستغني عنها بلد في خطته التنموية والعمرانية ، وكم قدم الصندوق الكويتي للتنمية والصندوق السعودي و صندوق أبو ظبي ، بل والبنك الإسلامي للتنمية ، قروضا ميسرة تسدد بالتقسيط على المدى البعيد ( ثلاثين سنة أو أربعين سنة ) وفي أغلب الأحيان تتنازل هذه الصناديق العربية عن بقية القروض ،لأن الأصل في هذا التعاون مع الدول الأفريقية ليس للربح والخسارة ،إنما هو الإسهام في كل ما من شأنه تطوير دولنا والعمل على تنميتها ،لذلك لا نرى شركاء إقتصاديين للسنغال أرحم ولا أكثر ضمانا من شركائنا العرب ، والخليجيين منهم بصفة خاصة ، وهذا ما فهمه الرئيس عبد الله واد مبكرا لما وصل إلى السلطة وفتح قنوات التواصل الاقتصادي والتجاري مع العالم العربي ومع بعض الدول الآسيوية ، فحقق خلال عشر سنوات من المشاريع في مجال البنية التحتية الشيء الكثير ، لذلك في مقابلة للرئيس واد مع الصحافة السعودية في جدة بحضوري عام 2001, أوضح في إجاباته أن ” المملكة العربية السعودية أكبر دولة مانحة للسنغال “
في الخطط الجيوستراتيجية تركز كل دولة على مصالحها ،وأرجح أنه من الأهمية بمكان تفعيل الشراكة الإقتصادية بين قيادتنا الجديدة وبين دول العالم العربي والإسلامي.
السنغال بعد الانتخابات الرئاسية التي برهنت من جديد النضج السياسي والتجربة الديمقراطية الواعية باتت محور اهتمام المستثمرين ، في مختلف الدول ، فهناك في السودان ،وفي السعودية ،وقطر ، ودولة الإمارات ، ومصر ، والمغرب ،والجزائر ،وموريتانيا حكومات حريصة على استقرار وأمن السنغال لمكانة بلادنا الدينية وعلاقاتها الأخوية التاريخية مع هذه الدول الشقيقة ..كما أن هذه الدول تحتضن شركات استثمارية كبرى تبدي رغبتها في ضخ أموالها في السنغال للاستثمار في مختلف المجالات ، فلتعر السلطة الجديدة اهتمامًا بهذه الفرص ، مع وضع الآليات المناسبة والشروط المطلوبة ،ففي فتح أسواق وشراكات مع هذه الدول الشقيقة فوائد جمة للبلاد .