actualite

البيان العالمي للأمم من على عرفات

د.عبد اللطيف طلحة

بينما جبل الرحمة بصعيد عرفات يستعد لحدث لن يتكرر ، وقوف سيد ولد أدم ورحمة الله الى العالمين رسول الله صل الله عليه وسلم ليلقي بيانا هاماً أمام من جاءوا من أصقاع الأرض ليُنير لهم الطريق ويوضح ما لهم وما عليهم ، ليكمل للحاضرين دينهم، في مشهد استثنائي ولحظات فارقة نزل أمين الوحي جبريل بأخر أية على الحبيب محمد وهي ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا.. ) على جبل الرحمة ، على ذلكم الجيل سيلقي أفضل من خطت قدمه الأرض بياناً هاماً إلى الامة ، حاضرها وغائبها ، البيان نذكر منه الآتي :
أولاً :ترسيخ مبدأ المساواة والكرامة الإنسانيّة
قرّر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في خُطبة الوداع مبدأ المساواة بين الناس، دون التفريق بينهم على أيّ أساسٍ؛ سواء اللون، أو العِرْق، أو المكانة الاجتماعية؛ فالكلّ في ميزان الإسلام سواءٌ، لا تفرقة ولا تفاضُل بينهم إلّا بمعيارٍ واحدٍ؛ ألا وهو التقوى، وهو الذي أكّد عليه الله -تعالى- بقَوْله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، فالتقوى سبب الفلاح في الدُّنيا والأخرة .
ثانيا :تحريم القتل وانتهاك الأعراض
أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤديها إلى من ائتمنه عليها.
ثالثا: المُعامَلة الحسَنة مع النساء:
يقول النبي – صل الله عليه وسلم -: ((فاتَّقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتُم فروجهنَّ بكلمة الله))، فأمرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – بتقوى الله تعالى في النساء، وعلَّمنا أن نؤدي الحقوق التي علَينا قِبَل النساء، وبيَّن لنا – عليه الصلاة والسلام – أن أصل الفروج حرام بقوله: ((واستحللتُم))، فالأصل أن الفروج حرام، ولا يحلُّ منها إلا ما أحله الله – تعالى – وقد أمَرنا الله – تعالى – بغضِّ الأبصار؛ فقال – عزَّ وجل -: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ …..)
رابعا :تحريم الربا
فأحل الله البيع وسائر المعاملات المشروعة، وحرم الربا وكان آخر الآيات نزولًا من القرآن الكريم الآيات التي تتعلق بتحريم الربا، فيقول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَـانُ مِنَ الْمَسّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَاْ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرّبَا}. ويقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} ، روى الطبراني عن البراء: «الربا اثنان وسبعين بابا، أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه»، وقد حرم الإسلام الربا هذا التحريم الشديد لتأثيره القوي على إهلاك الأموال، وتخريب الاقتصاد.
خامساً : الابتعاد عن عادات الجاهلية
إن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
سادسا :الابتعاد عن طريق الشيطان
من جمال قوله (إنَّ الشيطانَ قد يَئِسَ أن يُعبَدَ بأرضِكم ، و لكن رضِيَ أن يُطاعَ فيما سِوى ذلك مما تُحاقِرون من أعمالِكم ، فاحْذَروا ، إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبدًا ، كتابَ اللهِ ، و سُنَّةَ نبيِّه ، أيها الناس إنما النسئ زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله).
سابعا : النهى عن السرقة
أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لا مرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
ثامنا :أهمّية البلاغ
تضمّنت خُطبة الوداع تأكيداً على أهميّة التبليغ؛ كوسيلةٍ من وسائل نَشر الدعوة الإسلاميّة، وقد بيّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- تلك الأهميّة؛ حينما أمر مَن شَهِد خطبته، وسَمِع كلامه بتبليغ مَن كان غائباً عنها؛ فلعلّ المُبلَّغَ يكون أوعى من السامع.
تاسعاً: الاعتصام بالقرآن والسنة:
فقد بيَّن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن اعتصامنا بالكتاب والسنَّة فيه النجاة مِن كل شرٍّ وسوء، فإذا أراد المسلمون الثبات على الهداية، فعليهم أن يتمسَّكوا بالقرآن والسنَّة، والقرآنُ الكريم والسنَّة المشرَّفة فيهما سعادة مَن تمسَّك بهما في الدارَين الدنيا والآخِرة.

لتعلم أيها القارئ الكريم أننا أمام حدث جلل ، إذ فيه يضع المصطفي عليه الصلاة والسلام النقاط على الحروف بكلمات لا لبس فيها ولا تحتمل معنيين ، يضع دستوراً يحفظ حقوق الأكثرية الأقلية ، يضع خطوطا فاصلة بين المباح ونقيضه والحقوق والواجبات، عندما يحرم الدماء بصفة عامة فانه لا يفرق بين المسلم وغيره، وهي رسالة إلى المتشددين والمتشدقين الذين وصموا الإسلام بفوبيا الخوف والقتل والتدمير ، عندما يوصينا بالنساء خيراً فإن في ذلك أبلغ رد على من وصفوا أنفسهم بالمدافعين عن حقوق المرأة وهم لا يعلمون عنها شيئاً، عندما يُرسي النبي الأعظم مبدأ عظيماً أن الكل سواسية فهذا أبلغ رد على المتغطرسين بأموالهم ومناصبهم الذين يستعبدون الضعفاء والمحتاجين ، عندما ينهانا عن السرقة فإن ذلك أبلغ رد عن من سرقوا أقوات الشعوب وتركوهم بلا مأوى يقتاتون من صناديق القمامة ونحن أمة أتاها المولى كل أنواع الخيرات فذهبت خيرات أمتنا للمعتوهين ، عندما ينبهنا عن ضرورة اللجوء بل الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله إنما ينهانا عن غير شرع الله فما المخلوق أعلم من خالقه بما يصلحه ،فهل ترجع الأمة إلى صوابها ؟؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى