actualiteArticles

ماذا لو نفذ عبد جوف الرئيس السنغالي السابق فكرة ضم غامبيا للسنغال في 1981 ؟

أحمد التجاني باه الفاسي

سنغال وغامبيا شعب واحد، لافرق بينهما، إنها أسرة واحدة ببطون شتى، لم تنجح حدود الاستعمار تفريق الشعبين الشقيقين، مع كل اختلاف الموجود في الثقافتين الإنجليزية والفرنسية، إلا أن الروابط الأخوية تبقى كما هي… لذا، لستُ عبر هذه المقالة في صدد تقليل قيمة غمبيا🇬🇲 أو السخرية أو المساس بسيادتها الوطنية، ولكن فقط إشارة إلى مرحلة مهمة في تاريخ المنطقة كانت تكفي لضمها🇬🇲 وتأسيس فكرة سِِنَغَمْبِِيَا العظمى في الواقع -التي أصبحت بعد ذالك مجرد فكرة اجتماعية واقتصادية إلى حد ما- ولكن لم تحظ بتأطيرها السياسي في الميدان، لا يخفى علينا (المطلعون على تاريخ المنطقة وحيثيات تأسيس دولة غمبيا) أنها مجرد إقليم من أقاليم السنغال تم إعطائها للمستعمر الإنجليزي وجعلها بعد ذالك دولة مستقلة، والمضحك في الأمر أن أهل كازماس عندما يتوغلون داخل الوطن🇸🇳 يضطرون أحيانا لعبور غمبيا.

في 29 يوليو 1981 عندما كان الرئيس الغامبي سير جوارا في بريطانيا لحضور زفاف أحد أفراد أسرة الملك، وقع انقلاب عسكري مباغت في العاصمة بانجول على يد متمردين، اضطر الرئيس المخلوع للرجوع ولكن مباشرة لدكار عاصمة السنغال، وهناك طلب مساعدة واستنجاد من الرئيس السابق عبد جوف للتدخل وإعادة السيطرة، وعبد جوف تناول القضية في مذكراته قائلا بما هو معناه: “أنه كان مضطرا للتدخل ليس فقط أن الرئيس المخلوع جوارا طلب المساعدة، ولكن المتمردين الذي سيطروا على السلطة في العاصمة كانوا يشكلون خطرا جسيما على الأمن القومي الوطني🇸🇳 وخاصة في حرب كازماس حينئذ ضد عصابة سالف ساجو وأعوانه المتمردين.”

وصول الديكتاتوري يحيى جامي للسلطة بعد ذالك يوضح الفكرة، لكونه أحد أبرز مساندي متمردي كازماس، وكان يناصب العداء للسنغال بلا مواربة، لذالك لعب الرئيس السنغالي الحالي فخامة الرئيس ماكي صال دورا كبيرا في إطاحته، والتاريخ يكرر نفسه عندما رفض يحيى جامي تسليم السلطة إثر خسارته الانتخابات، كانت القوات السنغالية هي التي ستشن الهجوم عليه باسم CEDEAO لو لم يقبل التنحي، وأصبحت القوات نفسها بعد ذالك تعتني بالأمن الخاص للرئيس آدم بارو هناك، وكذالك تدخل الجيش السنغالي في غينيا بساوو 1998🇬🇼 في عملية غابو ( كان تدخل الجيش السنغالي وغينيا كوناكري في غينيا بساو لمحاربة متمردي “أنسومانا ماني” ضد رئيس الدولة السابق “جواو برناردو فييرا” المعروف باسم “نينو” في يونيو 1998 وكانت حربًا دموية آنذاك) كل تلك المعطيات تشير إلى حساسية فكرة الأمن القومي الوطني🇸🇳التي تكلم عنها عبد جوف حين تدخل في غمبيا، إذاً، إن عملية إعادة السلطة في غمبيا وقتئذ كان بكل بساطة ضربة استباقية للسنغال ولأمنها القومي قبل كل شيئ.

بعد التشاور من الجميع، أخذ عبد جوف قرار شن الهجوم ونجحت القوات السنغالية في إعادة السيطرة وطرد المتمردين بعد عملية معقدة جدا، ومما زاد تعقيد العملية، أنه تم حجز زوجة الرئيس (المخلوع) جوارا على يد المتمردين وهددوا بقتلها إن لم تتراجع قوات السنغال عن الهجوم، إلا أن عبد جوف والمخابرات الأمنية لم تثبطهم تلك التهديدات، بل تمادوا في العملية حتى النجاح لأسباب أمنية.

والآن، بعد أن تم إعادة السلطة ورجعت المياه لمجاريها، وأصبحت القوات الخاصة من السنغال هي التي تسير الأمن داخل البلد وتعتني بالأمن الخاص للرئيس والقصر بصفة عامة، كثير من الناس نصحوا عبد جوف آنذاك بضم غمبيا نهائيا، إلا أنه حسب كلامه لم يتسرع في القضية، بل يقول: “لو أردتُّ ذالك لفعلتُ، لأن المجتمع الدولي حينئذ لم يكن يعير اهتماما كبيرا بما يجري في المنطقة، علاوة على ذالك، كثير من المسؤولين الكبار في الغرب وفي المنطقة وافقوا تحت الطاولة معي على الخطوة، وكان لدي أيضا ورقة ربح وضغط في نفس الوقت وتبربرات كافية للإقناع لو اخترتُ ضم غمبيا، إلا أني لم أتسرع، بل كنتُ دائما أنتظر المبادرة من الرئيس جوارا لتشكيل كونفدرالية على الأقل.”

وعليه، كان الرئيس السنغالي ينتظر بفارغ الصبر المبادرة من نظيره جوارا، بعد ذالك حسب مذكرات عبد جوف، اتفق مع نظيره جوارا على تأطير الفكرة وتأسيسها في أرض الواقع، وتكون فكرة سِِنَغَمْبِِيَا بمثابة كونفدارلية بين البلدين قد تصبح بعد ذالك فدرالية تامة، ولكن للأسف الشديد بعد أن حصل جوارا على الخدمة العظيمة من السنغال وتم إعادة سلطته واستتب له الأمن، وحصل على كل الضمانات من نظيره السنغالي فيما يتعلق بتأسيس فكرة سِِنَغَمْبِيَا🇸🇳🇬🇲، بدأ يراوغ ويخلط الأوراق حتى أصبح بمثابة صديق مزيف أو متملق لعبد جوف، ولم يف بوعوده، ولم تزل حفرة التباعد بينها في التعمق حتى ذهبت الفكرة أدراج الرياح، وهكذا أصبحت فكرة سِِنَغَمْبِيَا مجردة رواية تتناوله ألسنة أبناء شعب الدولتين الشقيقتين.

ختاما:
عبد جوف، كان بإمكانه القيام بذالك بكل سهولة، إلا أنه كان رجل دولة بكل معنى الكلمة، لم يكن يتهور، بل كل قراراته كانت تُدرس جيدا قبل التنفيذ، لذالك نتفهم عدم تنفيذه الفكرة آنذاك، ولكن بطبيعية الحال -حسب نظري- كانت فرصة تاريخية ضاعت للشعبين معا لإزالة الحدود الاستعمارية، وتكون دولة واحدة للأبد، ومع كل ذالك، سنغال وغمبيا شعب واحد، لافرق بينهما إنها أسرة واحدة يبطون شتى، لم تنجح حدود الاستعمار تفريق الشعبين، مع كل اختلاف الموجود في الثقافتين الإنجليزية والفرنسية، إلا أن الروابط الأخوية تبقى كما هي… الخريطة تكفي مثالا لذالك.
حفظ الله البلدين من كل مكروه.

كلية العلوم السياسية في جامعة بومرداس بالجزائر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى