actualite

عن “ملتقى الشعر العربي الأول في جمهورية مالي”

إنها القصيدة السمراء تسافر بالمحبيين عبر فضاءات الجمال في صباح مليء بزغردات الحروف الرنانة، حيث تلتقي الكلمات بظلالها، والمعاني ترقص في أحضان أجراسها، والأساليب المبتكرة المتباينة تسيل من عبق الشعراء، نعم إنه اندلاع حرب دائمة بين الجمهور والفنان الشاعر في ميدان الدهشة، نجوم أمطروا على المتابعين غيمات الإبداع، و تحلقوا على أفق القصيدة ملائكة سمراً، نجوم قادمون من أرض الطبيعة والإنسانية، سحَرةٌ أرقصوا الأوزانَ وأطربوا الأسماع، كوكبة لوّنوا سماءنا بالأشعار المطرزة من حرير البلاغة، قامات شعرية أدبية أتقنوا فنّ التلاعب بالكلمات حتى لتكاد تجد كلّ فرد منهم جنيا أزرق من أودية عبقر الأسطوري، لا غرو إنها دولة مالي أحفاد مانسا موسى، حيث احتضنت اليوم بين ذراعيها الدافئة ملتقى الشعر العربي الأول الذي انطلق صباح يوم الخميس في ظل أجواء ساحرة، مع نسمات عاطرة، وعلائل آسرة، بحضرة عمالق وفحول وكبار شعراء وأدباء ونقاد مالي في بقعة تقول عن نفسها؛ لو كانت القصيدة وطنا لاستعمرتها، لكنها أنثى الجمال والروعة فهي التي تُملّكك وتأسرك وتكبل كل ما فيك من وعي إلى اللاوعي، وكان الملتقى بتنظيم جمعية سحرة البيان التي أسميتها المهرة الشعرية الشابة الفتية، التي لم تزل تسعى لاكتشاف وجوه براقة في عالم الشعر الأصيل، تحت إشراف دائرة الثقافة في حكومة الشارقة.

وانطلقت فعالية الأمسية بالذي إذا قُرئ سمع، وإذا رُتّل أنصت له، واذا انجلى اختفت دونه كافة الأقوال، إنه كلام رب العالمين مع فتى يتلو بقلبه، ويقرأ بشعوره، رغم صغر سنه، القارئ أحمد سيسي.

إنه المقدمان يسلتمان الميكروفون من جديد لأنهما على موعد مع القصيدة
سلمى مسعود هي تلك الأنثى في قارعة الإبداع تلتقط للحضور أجمل الألوان الكلماتية في أحلى مناظر الطبيعة الخلابة، لتزور بها عواصم الجمال، بينما الأستاذ المقدم الشاعر علي كونتا، الذي يعشق الكلمات الهادئة المرسومة في خصر اللوحة البكر، ويحدق في المعاني طويلا عله يجد في جذر المعنى ذلك الاحساس العابق عطرا وطنيا.

وأكد لنا البروفيسور هارون المهدي ميغا خلال مداخلته؛ أن للشعر في مالي جذورا عميقة وهي قديمة عتيقة، وقد أهدى للجمهور كتابه مجانا على صيغة pdf حول تلك القضايا الشعرية المالية.

بينما نديم الشعراء إبراهيم كالي كعادته نديما وحبيبا لهؤلاء الفنانين، يقدم كلمات تشجيعية كلمات تحمل في طياتها درر الحِكم، ورونقها.

ولم يزل يرفرف الجمالُ أجنحته على لسان البروفيسور عبد القادر عندما ألقى كلماته الحيية ذات صدى تعانق وتلامس كل أرواح تسكن فيها تلك المرأة التي لم تتسع لها مرآة هذا الوجود فانعكست على جبين القصائد أغنية سلام.
لكن الفيلسوف المفكر، والشاعر الأديب رئيس جمعية سحرة أقسم على أن يسحر الحضور لأنه هو الذي إذا نطق بهر، وإذا ألقى أسكتَ الفحول، وإن أجاب أصاب، وإن قال أدهش من سمع، وإن فعل أتقن، إنه هو الساحر الذي يملك عصا موسى ليؤمن به جمهور السحر، ساحرٌ شاعرٌ وكفى (عبد الصمد ميغا)

وما لبث أن أشرقت أقمار الشعراء على ضفاف نهر جوليبا حاملةً معها زغردات تلك العصافير السمراوات المتمثلة في ولادة فجر جديد على لسان ذلك الشاعر الرقيق إلقاءً، و الأصيل لغةً معجميةً آدم توغورا حيث يقول:
أ( مالي) لَكَ الْمَرْمَى، فَسَجِّلْ تَقَدُّمًا
مَضَاؤُكَ فِي شَطْرِ العَدُوِّ مُهَاجِمُ

نُؤسِّسُ مُلْكًا أَوْ نَمُوتُ شَهَادَةً
فَعَيْشُ هَوَانٍ تَرْتَضِيهِ الْبَهَائِمُ

ثم أتى ذلك الفتى (الفلاح الأسمر) الذي يعزف على أوتار القصيدة، ويرقص على عباب الكلمات، ويجمع بين ضدين في ذاته الرقص والغناء في الآن نفسه، حيث من شدة الفرح رقص النهارُ على أكتافه هو وأصحابه يقول :

وجاء في منبع الأفكار منفلقا شعرا
كبحر رمى موسى عليه عصى

هو لم يكن متنبيا ليقول لي
أرق على أرق ومثلي يارق

هو آخر الشعراء خير جماعة
جاء القصيدةَ وهي باسمه تغلق

ثم اعتلى المنصة الشاعر الحصيف محمد جاكيتي ليمزج بين الدقة واللياقة المعنوية العفيفة في قصيدة مليئة بعاطفة صادقة حيث يقول
فكُلُّ مُبتدَإٍ نحــــــوًا، لـه خَـــــــبَرٌ
الْعلمُ مُبتَـــدأٌ إفريقـــــيا خَـــــبَــرُ

نَخْلُ المَعارفِ والآدَابِ قدْ غُرِسَتْ
في أرضِ أفْرِيقِ حتَّى طابَتِ الثُّمُرُ

من جاءَ يقْطِفُ قِطفًا إثرَ مسغبَةٍ
يَعُدْ وقدْ نِيلَتِ الأهْدافُ والوَطَرُ

قالُوا: مُحمَّدُ، فَلْتَـــضْرِبْ لنَا مَثَلًا
فقُلتُ: تُمْبُكْتُ، قالُوا: نِعْمَ مُفتَخَرُ

وبعد برهة انداح صوت أنثوي مرة أخرى عفيفاً راقيا يوحي للسامع إن نبيّة قادمة من عصر المجاز حاملة معها رسالتها التليدة إلى أمة الشعر في مالي، تلك الشاعرة الوحيدة التي وثّقَ بشاعريتها في مالي، وقد أطلقت عليها اليوم شاعرة مالي وخنساءها فإنها بالشعر ترتوي، ، وبالجمال تتزين وبالنقاء تتجمل، شاعرة تحمل في صحن قلبها همَّ الإنسانية المالية، شاعرة تثور خلفها المحبةُ والإخاء وهي التي تقول:

في (مُبْتِ)لي أخــواتُ حبٍّ والوَفَا
و صديقتي في(كاي)و هي تُعضِّدُ

لِي عَـمَّـةٌ قدْ زُوِّجَــتْ من(كيدليٍّ)
و سعــيدةٌ في بَــيتهــا تَــتَـرغَّــدُ

خــالــي تَـــزوَّجَ من (كُـليـكوريَّةٌ)
عَــظِّـمْ بِــرابـطةِ الإخــاء ستُرشَدُ

ثم اقتحم خلوةَ الهدوء أبو المواهب سيميغا أبوبكر بعناوينه المبتكرة ماذا جرى، لا تقلقي، لقد سافر بالمتلقي إلى عالم خال ومكتظ بضجيج عابر، هو الذي أعطى للقصيدة المالية حقها وللوطن الجميل مكانته حيث يقول:
الأرض تزهو لدى الأمطار زهرتها
والشعر يزهو بمالي عند ذكراها.

ثم جاءنا ذلك العاشق الولهان المصاب بعدوى حب وطنه الجميل، الشاعر الأستاذ د يوسف ماريكو بقصيدته بلبل الشوق، ذلك البلبل الذي ظل مغردا نحو عشرين عاما دون كل وملل، ولا يزال يحمل في عاتقه عشق وطنه البيعد القريب.

وما لبث أن قفز عبر نوافذ الكلمات النرجسية، شاعر شاب يرى نفسه نرجسي الفكرة وهو الذي أضاع بوصلته في خضم العشق، واله مجنون يرى العشق طلاسم وأشياء مبهمة لا توجد لهذه المبهمات المدلهمات حلول الشاعر داود تونكارا:

كبذرة تحت عمق الأرض تختبئُ
وزهرة في العرى أودى بها الظمأ

ضيعتني في متاهات الهوى زمنا
والفكر لا منتهى فيه ومبتدأ

ثم حن جزع المنصة إلى ذلك الذي اكتشف القصيدة وأنار لها الوجود، شاعر يملك صوتا عالميا شاعر لا يشبهه أحد سوى صدى نفسه هو الشاعر الكبير الرائع العملاق الغني عن التعريف ضيف الشرف للملتقى عبد المنعم حسن القائل:

أتصحو
والسمروات ساحرة الربى كواعب
ما للقلب منهن مهرب

بريق عيون
آسر ومفاتن إلى سمر
في جنة الحور تنسب.

منى النفس أفريقية
من سوارها تطير فراشات ويبزغ كوكب

وقالت المنصة إنني مازلت بحاجة إلى مزيد من الإدهاش والعجائز، فنودي ذلك الشاعر الثوري الأخّاذ النحرير الخطيب الرائع البليغ الذي طرزتُه في قائمة الشعراء الذين يحملون الوطنَ على عاتق حروفهم ليزهوا بها أمام هذه الدنيا، إنه شاعر ملحمي قريحته فواحة ببيان العطر، وسماحة المعاني، ونسّاجة البديع، الشاعر السنغاوي خالد شعيب ميغا كل ماقاله بديع، وكل بيت له تحفة فنية راقية، (حرية الشعب) هكذا يراها.

ثم تغيرت الأجواء من إلقاء إلى نغمة مالية عتيقة حيث اكتظت القاعات بالتصفيقات غير المنقطعة ،مع مطرب بلبل صداح أستاذ داود تروري الشاعر الذي يتكئ على بساطة الكلمة في عمق المعنى، في أبيات شعرية طويلة وجميلة في مدح حاكم الشارقة، وهي قصيدة تستحق أن تكتب بماء من عيون مياه الفلاح الأسمر في مزرعة حديثة مطلة على أبواب الجمال داخل قارة افتراضية في جغرافية الإبداع.

وقال الشاعر محمد أغ محمدو كلاّ إن الشعر لن ينام بهدوء الليلة ما لم أتدخل وأنقذه من هذا الغرق الذي سوف يحدث مع هذا الجمع المصاب بفيروس النغمة المالية العتيقة الجميلة، فأتى ومعه جمال آخَر بحجم طوفان نوح يسحق كل ما هو له أثر من سكتة شعرية نغمية تركها الشاعر داود تروري، إن الأمر أشبه بمنافسة وتلاعب وتفنن بين الإلقاء والنغمة، وكلٌّ على صخرته يتكئ.

ولكن الجسارة التي تجعل المرء يقول؛ إن ذلك الفتى الشاعر القادم من رحم الإبداع كان صناجةَ ذلك الملتقى وابنه البكر، وهو المتحلق شعرا وإلقاء ولغة خاصة، الفتى الذي يمزج الشعر بالفلسفة ورؤاه النادرة في قصيدته التائية التي لم أزل أكرر أبياتها وكل بيت من أبيات القصيدة قطعة حلوة في فم فتاة حلوة في يوم أحلى بمكان أحلى وأحلى ، الشاعر الشاب الجميل عبد الله كوني، كونيّ الشعر، والمكانة والمتانة والجدارة.

ثم صرخ المنبر أين حبيبي الذي لا يرحم جماهيره، المسافر بهم إلى صحراء الجمال ليقول لهم إن الإلقاء بدوني لا توجد له متعة، والمناسبة الشعرية بلا مارشال سعيد سانوغو كمن جمع الصم والبكم تحت ميكروفون لينشدوا لحاضرين أغنية هدوء، وهو القائل:
أحرقت كل حقيقة بمجازي
و أتيت باسم الشاعر الممتاز.

ومن ثم رست سفينة الملتقى على مجاريها محفوفة بالرعشة الشعرية الأبدية التي يعيشها الجمهور بتكريم الشعراء الشببة.

واللقاء. يتجدد حيث الشعر يرقص على شفاه الشعراء، وإلى ملتقى شعري قادم إن شاء الله

والشكر الكبير للأساتذة الأجلاء، ونقادنا وأدبائنا الكبار وكل من حضر معنا في هذا الملتقى فالكلمات لا تكفي والله، لقد عجز القلم عن مدحكم، وتحير عن وصف شعور جمعية سحرة البيان، فمحبتها الدائمة تليق بكم أجمعين

الكاتب:
الفلاح الأسمر (بكري سيسي)
تقرير (جمعية سحرة البيان)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى