
(المجالس العلمية وتحدياتها الراهنة)
مستعين محمد انجاي الطوباوي
تعد المجالس العلمية مؤسسات تعليمية أصيلة غير ربحية تهدف إلى تكوين عالم ربّاني يسهم بدور فعّال في خدمة مجتمعه، وقد تمكّنت على مدى تاريخها الطويل من تحقيق أهدافها وغاياتها؛ إذ خرّجتْ لنا كوكبة نيّرة من العلماء البارزين الذين أسهموا في شتى المجالات التي تخدم المجتمع السنغالي.
بيد أن الناظر إلى المجالس العلمية في واقعها الحالي يرى أنها لم تعد تُحقّق أهدافها كما كانت؛ لأنها محفوفة الان بمجموعة من العقبات والتحديات التي تعيق عملها، ويمكن إجمالها فيما يلي:
أولا: تَعَقُّدُ المتون العلمية وصعوبتها إلى حد يصعب وصفه؛ ولأجل ذلك يتخرَّج فيها الطالب أحيانا دون أن يفهم شيئا مما درسه فيها من المتون، وإنما نصيبه من سنواته الدراسية كلها مجرد حفظ المتون لاغير.
ثانيا: خلوها من الشهادات المعتمدة دوليا وحكوميا؛ ولذلك يواجه المتخرّج فيها مشكلات عديدة حين يريد مواصلة دراسته الجامعية.
ثالثا: خلوها من المواد الإنسانية والاجتماعية التي تُعين العالِمَ على إدراك الواقع إدراكا صحيحا؛ وذلك مثل علم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسفة، والتاريخ، والجغرافيا، والاقتصاد، وغيرها من العلوم الإنسانية والاجتماعية؛ ومن أجل هذا يتخرَّج فيها الطالب أحيانا ضيّق الأفق غير قادر على المشاركة الفعَّالة في حلِّ مشكلات عصره وبيئته.
رابعا: اعتماد أساتذتها على أسلوب التلقين بدل المناقشة، مما يجعل خرّيجها مُقلّدًا صرفا جامدًا عاجزا عن البحث العلمي.
بعد تشخيص العقبات والتحدّيات التي تهدّد مستقبل المجالس العلمية، فمن الأهمية بمكان أن نقدم جملة من المقترحات التي نراها قادرة على معالجة مشكلاتها الراهنة، وهي كالتالي:
إعادة النظر في مناهجها التعليمية العتيقة من أجل تقويمها وتطويرها من خلال استخدام أساليب تطوير المناهج القديمة والحديثة.
عقد الشراكات مع مؤسسات التعليم العالي في الدول العربية؛ ليتمكن خريج المجالس من مواصلة دراسته الجامعية بكل يسر وسهولة.
فبهذا تستطيع المجالس العلمية الطوبوية أن تحافظ على بقائها وتحقّق أهدافها التعليمية في ظل التقدم التكنولوجي والتقدم المعرفي، وأما إبقاؤها على ما كانت عليه منذ نشأتها إلى الان دون تجديد ادّعاءً أنها إرثٌ ثقافي مُقَدَّسٌ لايجوز أن يحوم أحد حول حريمه، فإن ذلك يُفقد المجالس العلمية أهميتها، ويحد من فاعليتها، ويمنع ديمومة عطاءها العلمي.
وخير دليل على ذلك هو ما نشاهده الان من نفور الناشئة منها والتحاقهم بالمؤسسات التعليمية الحديثة التي تُوفّر لطلاَّبها شهادات معتمدة دوليا وحكوميا، وتُدرِج ضمن مقرراتها المواد الإنسانية.
موسس ومدير معهد العلوم الإسلامية والإنسانية