Articles

إلى متى ستظل النظم قابلة للتعديل بمجرد ضجة في وسائل التواصل الإجتماعي !؟

د. عبد الله السيد

لنفترض أن الأوامر العليا التي أنصفت التلميذة السالمة ستكون سارية المفعول من الآن، وستغير مساطر تصحيح الامتحانات الوطنية بإعادة تصحيح كل ورقة تظلم صاحبها مستقبلا.
وكان المتظلنون في الامتحان القادم ٩٠% من المترشحين؛ لأن نسب النجاح في امتحانات شهادات التعليم الثانوي في حدود ١٠%، وتقرر إعادة تصحيح أوراقهم واستغرق ذلك شهرا آخر، ولما خرجت النتائج الثانية قامت ضجة كبيرة، وحملة عالية على مستوى الفيس بوك والواتساب، حول نتيجة من تلك النتائج فهل ستصدر أوامر عليا من جديد؟ وإلى متى ستظل النظم والإجراءات المتبعة قابلة للتعديل بمجرد ثورات وسائل التواصل.
شخصيا لم يسبق لي أن شاركت كمدرس في إدارة امتحانات التعليم الثانوي، ولكني أعرف أن هناك مسطرة تصحيح عتيقة توارثها الأجيال، وتسري على الجميع، وقد لا تكون عادلة تربويا، ولكن عدالتها تكمن في خضوع الجميع لها منذ عقود.
إن نظم امتحانات التعليم الثانوي في مسابقة ولوج الإعدادية وشهادتي الدروس الإعدادية والباكلوريا نظم تقليدية؛ لم تعد متبعة عند أغلب المجتمعات، ومخالفة لآراء التربويين؛ لذلك ينبغي مراجعتها. والذين يتصورون أن للنجاح في الامتحان أو الرسوب فيه دليلا حاسما على مستوى التلميذ ينقصهم الاطلاع الكافي على البحوث التربوية والنفسية المتعلقة بالامتحانات.
إن تحسن مستويات المتعلم والنهوض بالتعليم يتطلبان أمورا كثيرة؛ أغلبها ليس في برامج السياسيين، بكل أسف، ومن تلك المتطلبات العاجلة:

  • تحسين ظروف المعلم حتى يكون أفضل حال من المشرع والقاضي، ورجل السياسة، والتاجر، والضابط.
  • تكفل الدولة بالتعليم كليا ليكون مجانيا وإلزاميا في المرحلتين الأساسية والإعدادية، وكذلك اللوازم المدرسية بما فيها الزي الموحد.
  • سياسة تكوين مدروسة ومستمرة للمعلم تعمد الخبرات الوطنية والأجنبية؛ ذلك أن دولة لا توجد فيها كلية أو مدرسة، أو حتى تخصص للتربية وعلم النفس لا يمكنها في نظري الاكتفاء بالكادر الوطني في مجال تكوين المكونين، وتأليف الكتاب المدرسي.
  • التراجع الفوري عن نظام الدوام المستمر في المرحلتين الأساسية والإعدادية، والحرص على استكمال السنة الدراسة افتتاحا واختتاما وتعطيلا.
  • جعل أمور التعليم في الضبط والتنظيم واتباع المعايير والإجراءات كالأحكام القضائية إلزامية ومستقلة عن التوجيهات العليا، والنوازع الدنيا.
    يمكن أن يقال لي هذه أفكار طوباوية؛ لا تستطيع الدولة تنفيذها عاجلا؛ لأنها تتطلب موارد هائلة، ولأن شركاء التنمية لن يقبلوها، ولأنها لن تغيب عن وسائل التواصل الاجتماعي؛ وبالتالي لا يمكن للدولة تحملها…
    عندها أقول إن الدول كالأفراد تصيبها الأدواء المهلكة، الميؤوس من علاجها، ولكنها أحيانا يطول نزعها، ولا يأتي موتها سريعا، ولكنها لن تتعافى؛ لذلك ستظل العدالة، والصحة، والأمن، والتنمية، والسلطة وغيرها في خطر مستمر بسبب الوضعية التعليمية الراهنة.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى