Articles

مقال: الحاج محمود باه.. العالم الذي أزعج الاستعمار

كتب: د.عبد اللطيف طلحة

استكمالاً لسلسة شخصيات إسلامية غيرت وجه التاريخ في قارتنا السمراء، نواصل اليوم مع رجل قل نظيره في الكفاح ضد المستعمر ، ليس في بلده فقط بل كل بلدان الغرب الإفريقي ، وكان شاغله الأكبر هو نشر الشريعة الإسلامية واللغة العربية ، إنه العالم الرباني الشيخ محمود باه .
ولد الحاج محمود باه سنة 1908م، و هي السنة التي تعرف بسنة القحط و الجفاف في غرب إفريقيا ،و قد تربى محمود باه في بيئة إسلامية وسط أسرة دينية محافظة على الآداب و الأخلاق الإسلامية ببلدة جوويل بجنوب موريتانيا ، و قد اشتهرت المنطقة بكثرة حفظة القرآن الكريم و طلبة العلم و الثقافة العربية و تميزت بقدرتها على خلق مناج اجتماعي انصهرت فيه جميع المكونات الاجتماعية للمنطقة.
عندما وصل عمره سنة 15 غادر مدينة جوويل لطلب العلم و اشتهر بالنبوغ حيث حفظ القرآن الكريم في مدة 4 سنوات، رجع إلى أهله بجوويل لكنه لم يطل المكوث فيها حيث ذهب إلى بلدة المجرية بموريتانيا لتلقي العلم و في سنة 1929 بدأ التفكير في الذهاب إلي المملكة العربية السعودية لتعلم العلم.
بدأ رحلته من موريتانيا على الأقدام مرورا بمالي و النيجر و نيجيريا و السودان و اريتريا و اليمن، و قد اتسمت رحلته بالكثيرة من المغامرة حيث خرج بلاده على الأقدام و مر بصعاب كثيرة في بعض محطات الطريق، قبل أن ينعم الله عليه برفقة من أهل السيراليون في محطة نيجيريا، شكلوا له سندا و عضدا إلى أن وصل مبتغاه في مكة المكرمة .
أمضى الحاج محمود زهاء أربعة عشر سنة في مكة المكرمة تمكن خلالها من زيادة معارفه في مختلف العلوم الإسلامية و علوم اللغة العربية و ربط خلالها صلات وثيقة بعلماء أهل البلد و الشخصيات الدينية القادمة للحج التي كان يزورها مستفسرا عن أحوال المسلمين و عن جهود الإصلاح الديني .
و في سنة 1941 قرر الحاج العودة إلي بلاده، حاملاً معه زاداً معرفيا ذاتيا و مكتبة ضخمة تضم نفائس الكتب، التي أهداها له شيوخه و أصدقائه خصوصاً اصدقائه المصريين الذين لازموه في مكة ، و قد تعرض أثناء عودته لمضايقة الاستعمار الفرنسي خاصة في النيجر حيث تم سجنه سبعة أشهر للاشتباه فيه و في شحنة الكتب التي يحمل معه.
أنشأ المغفور له مدارس بلغ عددها 76 في عموم إفريقيا، وكانت هي اللبنة الأولي لمناهضة الاستعمار الفرنسي للقارة الافريقية ، حيث كانت لهذه المدارس فضلاً كبيراً في تعليم الناس الشريعة الإسلامية واللغة العربية ، ومن الجدير بالذكر أن الاستعمار الفرنسي كان حريصاً على نشر التعليم باللغة الفرنسية بعيداً عن العربية والشريعة الإسلامية ، لذا كانت هذه المدارس هي المنفذ الوحيد لمناهضة أفكار الفرنسين ووبائهم ، لذا اطلق عليه شارل ديجول ( العالم الذي أزعج فرنسا وأقلق مضاجع الفرنسين ) .
بلغ عدد المدارس التي أنشأها الحاج محمود باه 76 مدرسة في بلاده وكل البلدان الأفريقية، كما أقام 81 مسجدا في إفريقيا، وتوفي يوم 04 – 01- 1978 ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه في جول بولاية كوركل حيث وري الثرى هناك ونقل عن وكالة الانباء الفرنسية ان جنازات رمزية خرجت في أغلب البلاد الإفريقية .
من أقوال الراحل الحاج محمود باه ( لا قيمة للعالم الاسلامي بدون الأزهر الشريف ) قال هذا عندما منع الاحتلال الفرنسي الشيخ من إرسال الطلاب إلى الأزهر الشريف ليتعلموا وينهلوا من شيوخه.
قال الشيخ محمود باه ( لقد أنعم الله تعالى على امتنا في هذه الآونة بالشيخ المجاهد الكبير عبد الحليم محمود شيخ الأزهر فهو عالم رباني وثُقل للعالم الإسلامي )
يبدو أن قارتنا السمراء تحفل بالعديد من المجاهدين الذين تركوا بصمات في تاريخ أمتنا الإسلامية ، ويبدو أيضاً أن كثيراً من شباب أمتنا لا يعلم عنهم ، لذا كان من واجبنا أن نقدم كلمة عنهم ولو من باب المعرفة فقط ، رحم الله علماء الأمة وحفظ الله تعالى مصرنا الغالية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى