في ظلال الحروف: السرد الموريتاني..!!
بقلم: المختار السالم
كنّا محظوظين الأسبوع الماضي باستماعنا لعشرات المحاضرات حولَ السرد الموريتاني، ولعل الأسئلة التي دارت في أذهاننا ونحن نتحسّس مقاعدنا بقاعات “مهرجان الأدب الموريتاني” هي نفس الأسئلة التي طرحت علينا من طرف مراسلي وسائل الإعلام الخارجية.. هناك تساؤل يتيم، تساؤل “شوف” بمعنىً هذيليٍّ، عن هذا السرد الموريتاني.. كيف كتبت لهُ الولادةُ في ديارِ الشعر حيثُ مجتمع القصيدة الخليلية؟
ما الذي حدث بالضبط حتى سمح المجتمع الشنقيطي للنثرِ بتحقيق ما حقق إذ لامست الروايةُ الموريتانية نجاحات كبيرة نسبيا بفوزها بأكبر الجوائز الوطنية والعربية.. ثم وهذا الشيء ما يزال أمرا غرائبيا.. كيف تلقف الموريتانيون السرد وهم المجبولة آذانهم على أنواع معينة من الإيقاع هي ذاتها البحور الخليلية التي تقوم بعملية احتكار ممنهج للذائقة الموريتانية إسماعا وأسماعا!؟
لعلّ بعض الإجابات جاءت من النقاشات التي أثير نقعها داخل ندوات المهرجان.
الإجابة الأولى هي أن الشعراء الموريتانيين هم أنفسهم أول من اقتحم عالم السرد وبالتالي كانوا القابلة التي قدمت الأدب النثري المعاصر إلى القارئ الخليلي الصعب.
إذ لم يكن هناك شك في شاعرية “الروائيين الأوائل”، وبالتالي شرعيتهم الأدبية أمثال أحمدُّ ولد عبد القادر الذي فطر بئر السرد بروايته “القبر المجهول”.
لو أنَّ الروايات الأولى جاءت من غير شاعر لقيل وأثير الكثير من طرفِ روافض الأدب النثري… ولكن ميلاد الرواية الموريتانية على يد الشعراء نحى كثيرا من الاتهامات الجاهزةِ والمجهَّزةِ لبطاقة تعريف كل مولودٍ جديد.
وأما الإجابة الثانية فهي أن أساتذة الأدب بالجامعات قد مهدوا بشكل تنظيري وتأطيري لإشاعةِ السرديات الموريتانية سواء كانت قصة أو رواية أو نصاًّ خارجا على التصنيف، فكان لهؤلاء الأكاديميين، في قاعات الدرس وفي الكتابات النقدية، دورا مهما في منح السرد الموريتاني شهادة ببعض ما حقق وربما من أهم ذلك أنهم سلطوا عليهم من الأضواء ما خفف من العتمة الشديدة من أمام خطواته التي نالت نصيبها من “الوعثاءِ” حفراً وأشواكاً..
وبالطبع لم تكون “المدرسة العالمية” بوسائطها العنكبوتية ودفقها مقروءً ومسموعا ومرئيا، لتترك مكانا لا توطن فيهِ بعض ما تحمله سيولها من ماء وطمي وزبد.. فـ”قرية المعلومات” فرضت على الموريتانيين إقامة مفتوحة في عوالم النثرِ، لنصبح كبداة كتابا على فطرة الوافد، فمنا من وجد نفسه محاصرا بالمزيدِ من أدب السردياتِ الشهرياريةِ، ومنا من وجد نفسه صريع سحرة آداب شرق الشرق وغرب الغرب.. حيث جرفتنا سيول الروايات متنوعة الأساليب بواقعيتها السحرية، وبلا واقعيتها، فكان ذلك محفزا للسرديات الموريتانية على مجاز هذه التسمية، حتى قدر لها أن تتوجَ بالذهب والفضةِ وبالتنويهِ.
بصوت خارج معمعةِ القطيعِ لن أكرر مع المثبطين الزعم بأن السرد الموريتاني لم يجتز مرحلة القبول وأن تتويجه بالجوائز كان خطأ الخارجِ قبل الداخل.. ولن أذكر بما أثير من سخرية وتنقيص من هذا السرد وفرسانه ولكنني سأتجاوز إلى ملاحظة لا أظن أن عليها خلافا كبيرا، وهي أن عامل النشر كان عائقا أمام تجارب سردية ملفتة، إذ اكتشفناه أن لدينا مبدعين كتبوا أكثر من ثلاثين نصا روائيا وقصصيا ومسرحيا ولم ينشروا غير كتاب أو اثنين بسبب غياب دور النشر وعجز أولئك المبدعين عن تمويل طباعة مؤلفاتهم.. فتوارى أغلبهم بمخطوطاته يصبحها ويماسيها ليبقى الغبار قارئها الوحيد حتى اللحظة… وهنا على حملة مشروع السرد الموريتاني البحث عن آلية سريعة وفعالة للنشر.
ويبقى القول إنَّ كلّ “المال الثقافي” تقريباً لم يبوّب على “أهل السّردِ” في مشاريع إنتاجية بحثية وإبداعية، ولن أتورط أكثر من الإقرار بأنَّ كلّ فنّ هو خيط ناظم بين بقية الفنون.. فمن يجعل للساردين خرجا!؟
تنشر كل ثلاثاء في صحيفة “الشعب”.