Articles

فبمارحمة من الله لنت لهم

بقلم الأستاذ أحمد جاه

الرحمة وما أدراك ما الرحمة: نبضٌ في القلب تُنعِّم الروحَ وتنعِّش الوجهَ وتُروّح النفس. الرحمة كلمة تمتِّع الأفواه وتعطِّر الشفاه بالراحة؛ فتكَرَّر بذلك ـ ربما ـ في بدايات السور القرآنية، وفي ثناياها بما يُعيي ذهنَ المُحاسبِ الماهر؛ فاذكر من ضمن ما تَذكُر من آيات الرحمة: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ۝ الحمد ربّ العلمين الرحمن الرحيم ۝ .. هو الرحمن الرحيم ۝ الرحمن علم القرآن.. ۝ الرحمن على العرش استوى .. ۝ وعباد الرحمن .. ۝ من خشي الرحمن .. ۝ وهب لنا من لدنك رحمة….﴾
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح مُلحف هو: كيف انمحى من صدور كثير من المسلمين قيمةُ الرحمة وعاطفةُ التراحم، في هذه الظروف العويصة المدلهمّة؛ والتي يحتاج فيها مجتمعنا السنغالي المسلم إلى التراحم المتلاحم؟
في زمن الوحشة والغربة المزدحمة، في زمن الشاشة الصغيرة التي تفرِّق الجالسين وتباعد المترافقين وتُشتِّت وحدة الأسر، وتوحي في القلوب أراجيف القسوة وترانيم الخداع.. زمن نحتاج فيه إلى الرحمة أكثر من ذي قبل، حتى لا نغرق في لجج الماديّة القاسية المعاصرة، والتي تجعل القلوب كالحجارة أو أشدّ قسوة..
ومن يتابع الأحداث الراهنة في سنغالنا المحبوبة، وآخرها ما حدث في إحدى القرى المجاورة لمدينة “بير سانياخور” التاريخية من صراع متعفِّن، تَطوَّر إلى مأساة اجتماعية سقط إثرها بطل من أبطال مشاريع التربية والتعليم وأحد روّاد المساجد، تشييدا وتعميرا وذلك في الـ 4 أكتوبر 2022م.
كان حدثا مؤسفا لا تكاد النّفس الأمارة بالسوء أن تصدق أن الإنسان السنغالي الحييِّ اللطيف.. يمكن أن ينزل بالقسوة وعدم الرحمة إلى هذا الحضيض في دركات السوء.. القتل والتقطيع بالسيوف والضرب بالمطارق لتحطيم رأسِ مَن تعارفوا معه وعاشوا معه وضمّهم وأسرَهم ساحة ُقرية “بِنْجِ penci” واحدة، وصلّوا معه في مسجد القرية أو جامِعها.. يضربونه إلى آخر رمق من حياته.. ويقطعون أو كادوا يقطعون يد ابنه.. ويُفقِدون من دافع عنه ـ وهم قلّة ـ أمام هذا الرهط العنيف الشرس الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.. يُفقدونه الوعي بضربات الأسلحة والمجارف.. وكاد يموت لولا خفايا لطف إلهي..
فأين الرحمة في قلوب من فعل هذه الفعلة الشنيعة؟ وأيّ حجّة يمكن أن يشفع لهم أمام المجتمع السنغالي وأمام المحكمة وأمام الله غدا كما كان يعبّر الشيخ الرحيم الأواه مام عبد العزيز سه؟!
فقد أغراهم الشيطان الرجيم، لأنهم ما رجموه، وجنّ جنونُهم، وربما ما تجنّبوه، وطوّعت لهم نفسهم قتل أخيهم فأصبحوا من الخاسرين ومن النادمين، ولات ساعة مندم .. ويقول الله سبحانه وتعالى: “من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا…”
قُتل بشير امبي فخلَّف عيالا غالبهم صبية صغار لاحول لهم ولا قوّة إلا بالله.. وتحتّم على المجتمع أن يقوم بأمرهم رعاية وعناية وكفالةً “أنا وكافل اليتيم في الجنّة كهاتين”؛ وحتّى لا يغيب عنّا قوله صلى الله عليه وسلمّ: “مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى” ها قد اشتكى عضو في المجتمع السنغاليّ: أسرة الفقيد.. لنَقول بلسان حال الأمّة حان وقت التوادُد معهم والرحمة بهم والعطف عليهم في مصيبتهم الجلل: فقد الأب الحنون والسند القويّ، فقد الركن الشديد، في ظروف تفاقَم فيها أثمانُ جميع الحاجات الأساسيّة في سوق السنغال؛ وعلى هذا لا بدّ من تداعي سائر الجسد “المجتمع” في السهر على أمن تلكم الأيتام الضعاف المحتاجين إلى رعاية خاصة نفسيّا وعاطفيّا…
أمّا عن تلكم القساة ومصيرهم القضائي أو العدلي ـ بعد ما تلطخت سيوفهم وسكاكينهم وأيديهم وثيابهم بدم حرام ـ فلا يرضي به المسلمون إلا بالقصاص الشرعي، “ولكم في القصاص حياة” ومفهومها المخالف: في عدم القصاص هلاك؛ بل وإخلال بالأمن وفساد عام عريض …
غاب الأمن المجتمعي في غياب تحكيم كتاب الله وشريعته في شعب يدّعون العراقة والأصالة في التدين؛ لنقول: تديّن مزيّف تحت علمانية فوضويّة وديموقراطية كاذبة وادّعاءات واسعة موسّعة في السياسة الواهمة والمواعظ الفارغة الموهمة …
فكيف النجاة ونحن على شفا حفرة من النار، إذا لم نعد إلى حظيرة الإسلام دين الرحمة والتراحم؟؟ “فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر”..
فإلى الرحمة بالخَلق! وإلى اللُّيونة في المقال والفعال! والدفع بالتي هي أحسن.. “وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إنّ الشيطن ينزغ بينهم إنّ الشيطن كان للإنسن عدوّا مبينا” وإلى العفو والمسامحة! وإلى التغافر والاستغفار من بعضنا للآخر! وإلى داوم التشاور في كلِّما يهمّ المجتمع من ممتلكات العامة!!
بهذه الاستراتيجيات القدسيّة نضمن انسياق العلاقات الإنسانية في قنوات مدنيّة حضارية إسلامية راقية ماتعة..
نسأل الله أن يجنّبنا الشيطان وأن ينقذ مجتمعنا المسلم من مهاوي الهلاك ومن حفر النار، كما أنقذ منها أول هذه الأمّة لمّا ألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمة الله إخوانا … ورحمة الله وبركاته على تلك الأسرة المفجوعة!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى