صباح الأحمد في الذاكرة الأفريقية
دكتورة أمينة العريمي
برحيل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح فقدت الدبلوماسية جزء من معناها بلا شك ، ويتوقع الجميع اليوم أن يقودني الحديث عن الراحل الشيخ صباح الأحمد في الذاكرة الأفريقية إلى الحديث عن العلاقات الكويتية الأفريقية وهذا غير صحيح ، فالعلاقات الكويتية الأفريقية تناولتها في دراسات مُتعددة ومن يرغب بقراءتها سيجدها منشورة في الصحافة الخليجية والأفريقية، ولكن حديثي هذا اليوم سيكون مُختلفاً وجديداً ولن أطيل فيه.
بحكم إقامتي في القارة الأفريقية التي إمتدت لعشر سنوات كاملة ، فإنني تعرفت على دبلوماسية الراحل الشيخ صباح الأحمد من خلال ثلاثة أحداث: الحدث الأول قاله لي المفكر الراحل الدكتورمنصور خالد أثناء لقائي به في منزله بالخرطوم في عام 2016، والحدث الثاني كنتُ فيه شاهد عيان في إبريل 2012، أما الحدث الثالث كان محور حديثي مع البروفيسور إداورد مالوكا مستشار الرئيس السابق جاكوب زوما أثناء زيارته إلى أبوظبي في عام 2015.
إلتقيتُ بالمفكر والكاتب الراحل الدكتور منصور خالد ثلاث مرات في حياتي، الأولى كانت بترتيب مع القصر الجمهوري السوداني في عهد الإنقاذ، والثانية والثالثة بسعي مني، وأذكر أنني سألت الراحل منصور خالد عن سر تأزم العلاقات السودانية الليبية ولماذا وصلت إلى هذا السوء في التعامل منذ عهد الرئيس الراحل جعفر النميري حتى عهد الرئيس عمر البشير؟ فقال لي أنه في إحدى الإجتماعات الدولية في نيويورك كان جالساً مع وزير الخارجية الليبي أنذاك علي التريكي ولمحهُ الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وزير الخارجية الكويتي في ذلك الوقت فإقترب منهما وطلب منهما مرافقته إلى مقره وما إن وصلوا إلى هناك قال لهم الشيخ صباح طالما أنكما صديقان فلماذا لا تسعيان إلى التوفيق بين القيادة السودانية واللييبة؟ فأخذ كل واحد منهما يطرح وجهة نظره وأسباب الجفوه بين البلدين وكان الشيخ صباح يستمع إليهما بإهتمام وبعد أن إنتهيا قال لهما لابد أن نبدأ في إكتشاف الحلول وأنه شخصياً مُستعد لترتيب إجتماع في الكويت للطرفين على أي مستوى من المستويات، ويضيف الدكتور منصورقائلاً :” أننا غادرنا مقر الشيخ صباح الأحمد وكل منا يحمل إعجاباً بمبادرة الشيخ الدبلوماسية لإذابة الجليد بين الخرطوم وطرابلس، إلا أن تلك المبادرة لم تر النور بسبب سوء العلاقات المصرية الليبية ، ولم تكن القاهره ترغب في تحسن العلاقات بين الخرطوم وطرابلس، ويضيف الدكتور منصور أنه في تلك اللحظة فقط أدرك ما قاله الشيخ صباح الأحمد حينها بأن ( الحيطان لها ودان ).
ومن يرغب من المهتمين بالإطلاع على تفاصيل ذلك الموقف فعليه بإقتناء كتاب شذرات وهوامش ، السيرة الذاتية الذي كتبه الدكتور الراحل منصور خالد قبل وفاته بفترة وجيزة.
الحدث الثاني :
في إبريل 2012 إدعت حكومة مملكة إسواتيني ( سوزيلاند سابقاً) أن دولة الكويت أهدت الملك مسواتي الثالث طائرة فاخرة بقيمة 46 مليون دولار ولجأت الحكومة السوزيلاندية إلى قول ذلك بعد تصاعد الإحتجاجات الشعبية والتي كانت تردد أن تلك الطائرة تم شراؤها من أموال دافعي الضرائب في الوقت الذي تمر به البلاد بأسوأ أزمة إقتصادية في تاريخها، إلا أن الوثائق المقدمة في المحاكم الكندية كشفت أن رئيس الوزراء السوزيلندي برناباس دلاميني أخفى الحقيقة عندما أعلن أن الطائرة الشخصية للملك مسواتي الثالث كانت هدية من دولة الكويت ، فلقد تم الكشف بأن الطائرة تم شراؤها بدفعة أولى وأستخدمها الملك لفترة ولكن بسبب التخلف في سداد المدفوعات تدخلت الدبلوماسية الكويتية وقامت بتسديد المبلغ المتبقي حتى لا تقع مملكة إسواتيني فريسة للأزمة الإقتصادية الخانقة ، خاصة مع تصاعد الإحتجاجات الشعبية، وبعد تلك الحادثة تعززت العلاقات بين دولة الكويت ومملكة إسواتيني، خاصة أن دولة الكويت من أوائل الدول الشريكة في المراكز الإقليمية في أفريقيا، فهناك مراكز في أفريقيا يطلق عليها ” المراكز الإقليمية ” وهي تشكل جزءاً من مبادرة الصندوق لبناء القدرات في أفريقيا وتُعد دولة الكويت من أوائل الشركاء فيها، وفي عهد الشيخ الراحل صباح الأحمد أصبحت دولة الكويت شريكة في مركز المساعدة الذي إتخذ من موريشيوس مقراً له، وشريكة في مركز المساعدة الفنية الإقليمي الثاني لمنطقة غرب أفريقيا AFRITAC West 2 الذي أفتتح في عام 2013 في العاصمة الغانية أكرا، وشريكة في مركز المساعدة الفنية الإقليمية لمنطقة وسط أفريقيا في العاصمة الغابونية ليبرفيل ، والذي تم إفتتاحه في عام 2007، وشراكة دولة الكويت في تلك المراكز الإقليمية الهامة في أفريقيا كان قد سبقه شراكتها في مركز المساعدة الفنية الإقليمي الأول لمنطقة غرب أفريقيا AFRITAC West والذي تم إفتتاحه في أبيدجان عام 2003، وشراكتها في مركز المساعدة الفنية الإقليمي لمنطقة شرق أفريقيا AFRITAC East والذي تم إفتتاحه عام 2002 في تنزانيا.
الحدث الثالث: في عام 2003 عارضت جنوب أفريقيا التدخل الأمريكي في العراق لإسقاط النظام العراقي مما إعتبرته دولة الكويت موقف مؤيد لنظام صدام حسين ، وتدهورت حينها العلاقات الكويتية الجنوب أفريقية.. إلا أن الدبلوماسية الكويتية تعاملت مع ذلك الملف بالكثير من الحنكة وضبط النفس، ووجه الشيخ الراحل صباح الأحمد الخارجية الكويتية بعدم تصعيد الخلاف الكويتي -الجنوب أفريقي ليأتي بعدها الرد من الخارجية الجنوب أفريقية التي أرسلت نائب وزير الخارجية في ذلك الوقت عزيز باهاد، تبعته زيارة رئيس قوة الدفاع الوطني لجنوب أفريقيا لتليها زيارة ثالثة لوزيرة خارجية جنوب أفريقيا في ذلك الوقت نكوسازانا دلاميني زوما، وأكد حينها المسؤولين الأفارقة على أهمية العلاقات الكويتية الجنوب أفريقية، وأرى كباحثة مُختصة في العلاقات الخليجية الأفريقية أن ذلك الحراك الجنوب أفريقي لرأب الصدع قبل أن يتفاقم ويتحول لأزمة دبلوماسية يعود لأهمية الكويت في الإستراتيجية الجنوب أفريقية ، فالكويت من أوائل الدول الخليجية بل والعربية التي ساهمت في تطوير صناعة السياحة في جنوب أفريقيا، ويكفي ما قدمته شركة الإستشارات المالية الدولية الكويتية “/IFAإيفا” من دعم منتجع زيمبالي Zimbali/ في منطقة كوازولو ناتال بجنوب أفريقيا مما جعله أحد أكبر رؤوس الأموال الأجنبية المساهمة في صناعة السياحة في جنوب أفريقيا حتى اليوم .
رحل الشيخ صباح الأحمد وترك إرثاً إنسانياًو دبلوماسياً ضخماَ لا تنساه أفريقيا بتوالي أجيالها ،،،،
د.أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي/ / afrogulfrelations_21@hotmail.com