رحيل فارس العمل الإسلامي الأستاذ محمد بمبا انجاي..
إ. إسماعيل انجاي
تحيتي لروح رجل متعدد الأبعاد!
وأعرف أنه من الصعب دائمًا تلخيص حياة رجل في سطور ، خاصة إذا كان الرجل فارسا لأكثر من ميدان ، ومتعدد الأبعاد والجوانب .
كان فقيدنا الكبير أحمد بامبا انجاي رجلا كرس حياته كلها لخدمة الدين والوطن ، كان رحمه الله المدرس والمربي الذي ربى أجيالا .
وكان هو المتحدث المميز ، المقنع بكلامه والمنفتح أمام الرأي الآخر ، شهد له بذلك القاصي والداني.
إنه الخطيب الشجاع الذي كان يتفوه بما يراه حقا ولا يخاف في ذلك لومة لائم ،
وهو المستعد للهجوم والرد على كل من يعتدي على معتقداته الإسلامية بدون تردد ولا ارتياع .
إنه الدبلوماسي، الذي شارك في تعزيز وتحسين العلاقات بين بلاده والعالم العربي الإسلامي ، وخير دليل على ذلك، تنظيمه الناجح للمؤتمر الدولي لعلماء الأمة عام 2011 ..
إنه السياسي المخلص ، الذي ناضل طول مسيرته الحركية وبكل ما أوتي من جرأة في الدفاع عن آرائه السياسية ، ولا يبالي في ذلك بمن ناصره أو هاجمه.
إنه الزعيم الفريد للمجتمع المدني الإسلامي، يدافع عن جميع قضايا الأمة الإسلامية ، مع إيمان راسخ وعلم واسع ، وكفى شهيدا على ذلك تعيينه في الآونة الأخيرة أمينا عاما لمنظمات المجتمع المدني لدول منظمة التعاون الإسلامي.
كان الرجل فارس الميادين ، ومتعددا الأبعاد حقًا .
فأستاذ بمبا كما ألفناه كان رجلًا فذا ، مهذبًا، لين الجانب ، كريم الصفات ومنفتحا بشكل رائع ، كان حديثه متزنا ، لا صخب فيه ولا سباب ولا عنف ، من يعرفه ، يعرف رجلاً جلدا يعرف كيف يدير الانتصارات ، و يواجه بكرامة الانهزام. و كله يقين على أن وراء كل فشل نجاح عظيم.
فاجأ خبر وفاته أكثر من واحد ، وساد الحزن والأسى أوساط الحركة الإسلامية السنغالية لعلو كعبه في الساحة الدعوية، وكل من كانت له صلة به انتفع من علمه وخبراته. لذلك تدفقت الشهادات من كل مكان ، من لبنان إلى القاهرة ، ومن موريتانيا إلى فلسطين. وذلك دون نسيان شهادة رفاقه في العمل الإسلامي ; هؤلاء الذين هم أوتاد الحركة الإسلامية السنغالية الناشئة والحاضرة والمدافعين الحقيقيين عن المستعربين والتعليم الإسلامي العربي في السنغال. هؤلاء الذين كانوا محاصَرين وقت تحركهم في أحشاء مجتمع كانت نخبته المثقفة في قبضة الأيديولوجيات السائدة، بين ثقافة فرنسية متغلبة، وشيوعية إلحادية متنطعة ، والتي سعت إلى إخراج الدين والديانة من النقاش العام .
لقد كانت الظروف وعرة و ثقيلة ، تتطلب منهم أن يكونوا أصحاب همم وإقبال ليفرضوا أنفسهم على ذلك المجتمع الظالم ، ويتغلبوا على من سعى إلى طمس هويتهم الإسلامية ، ويحرروا أنفسهم من قيود الأعداء.
من بين هؤلاء الرفاق الأبرار ورواد الحركة الإسلامية السنغالية في نصف القرن الماضي ، نذكر في سبيل المثال لا الحصر ، الشيخ عبد اللطيف غي ، الأستاذ سرج بابو ، الإمام أحمد دام انجاي ، الدكتور مومار كان ، الإمام مباي نيانغ ، وغيرهم من فرسان العمل الإسلامي السنغالي. كانوا وما زالوا رجالا يصدقون ما عاهدوا الله عليه من نصرة دينه ورفع رايته، رحم الله المتوفين منهم وحفظ الأحياء وأطال من أعمارهم.
ومن مميزات فقيد الأمة، الأستاذ بمبا، أن تعيينه أول وزير مكلفا بالشؤون الدينية في جمهورية السنغال منذ الاستقلال ، لم يجعله ينسَ أبداً أن الإسلام هي القاعدة الأساسية لصعوده الاجتماعي والسياسي وعليه، فالدفاع عنه يكون من أوجب الواجبات وهكذا تجشم الصعاب ، فقام بذلك كجندي باسل مقدام لا يتقهقر ولا يتزعزع.
وإن أردنا أن نلخص حياة الرجل سنقول أن أستاذ بمبا كان “رجل عصره” . ترك خلفه بصمته التي تبرز حبه للإسلام ، وتفانيه في خدمة مجتمعه وشجاعته في مواجهة الشدائد.
عرفته لأول مرة من خلال صوتيات حلقات تفسير القرآن له باللغة الفرنسية في المسجد الكبير في جامعة الشيخ أنتا ديوب بدكار ، مع كونه مستعربا ، ثم من خلال محاضراته في ساحة مسجد المطار بداكار ، ثم بصفته أخًا كبيرًا ومستشارًا في مسيرتي كإمام للمسجد الكبير في جامعة الشيخ أنتا ديوب ولكوني ملما بالقضايا الإسلامية والاجتماعية ، هو ورفيقه على الدرب ، العلم الآخر ، المدافع البطل عن الإسلام ومقدساته، وعن حقوق المستعربين السنغاليين والمواطنين ، أعني الأستاذ سيدي لمين نياس نور الله ضريحه.
لقد شاركت مع الفقيد في عدة برامج إعلامية ، وحتى لو حصل بيننا تباين في التحليل والمواقف حول بعض القضايا ، فقد كان الفقيد يمثل في مواقفه وتحليلاته وحججه واستنتاجاته شخصا مثقفابسيطا ، منفتحا ومتعاملا بكل احترام مع مخالفيه في الرأي.
إن السنغال بشعبه ونُخَبِه فقد قامة فكرية رفيعة وهامة حركية مثالية ، ستظل مساهماته تنير الدروب للمجتمع في تعزيز الإسلام وقيمه والتعايش السلمي والتماسك الإجتماعي والعمل السياسي بمنظور آخر.
إن الله نسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرحم الأستاذ محمدا بامبا انجاي وينقيه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأن يتقبل منه جهوده في سبيل رفع راية الدين والوطن ، وأن يجعل الفردوس الأعلى مسكنه في الجنة ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أنت يا أخانا بمبا سابق لنا إلى رحمة الرب الغفور ، ونحن جميعًا إن شاء الله بك لاحقون.
وعند الله حسن المئاب.
جزاكم الله خيرا.