Articles

حتى لا تفوتك فرصة مراجعة الذات وتقييم المقدرة..

الحاج مود ساخو

إنّ أخطر خطأٍ يمكنك الوقوع فيه، هو أن يُوهمك إطراءُ الدّهماء، فتزعم في نفسك -وأنت العالمُ بها الملمّ بخبايها – خلافَ ما هي عليه على الحقيقة، فيفوتك فرصةُ المراجعة الدّائمة والنّقد الذّاتيّ المستمر، والحرص على الطّلب والتّحصيل، ثمّ تضع اسمك بكلّ ثقةٍ وهدوءٍ في صفّ الأسماء العظام، ولائحة الكبار الأعلام، وأنت بعدُ غلامٌ جاهلٌ غرٌّ ليس لك ممّا يُرمى إليك أكثرُه…ومثلُ هذا ذائعٌ في البيئات التي يتدنّى فيها مستوى القراءة والثّقافة، ويفقر فيها التّعليم الجادّ، والتّثقيف الجيّد، والتّأطير المحكم، ويجهل ناسُها معنى أن يكون المرء نابغةً في لونٍ من ألوان المعرفة، أو مبدعًا في حقلٍ من حقول الإبداع، فإذا ظهر من أحدِهم شيئًا يفوق مستواهم المعرفيّ الهابط أصلًا، عدّوه باقعة الدّنيا، ووحيد العصر، وخاتمة المحقّقين، وما شئتَ من ألقابٍ طنّانةٍ رنّانةٍ، والحال أن هذا الأحد المبالَغ فيه شخصٌ عاديٌّ لو خبرتَه، إلا أن تخلُّف مجتمعه الفاحش، والجهلَ المطبق عليهم يحول بينهم وبين رؤية ذلك، فيرونه عظيما.

وإذا فهمتَ هذا، وهو خطيرٌ كما ترى، فالمسؤولية الكبرى الّتي تقع على عاتقك أيّها الأخُ الصّغير هي أن لا تدع أحدًا يزرع في ذهنك أنّك خضتَ البحر الذي وقف العظماء دون ساحله، أو أنّك علوتَ القمّة الّتي يطمع النّابغون الوقوف في حضيضه، أو أنّك أتيت بما عجز عنه الأوائل، فتتضخّم وتتبجّح، وترى أنّك النّسر وغيرُك بغاثٌ، فإنّك إن فعلتَ كسرتَ ظهرك بفأسك، وذبحتَ غدك بسكّينك، وحكمتَ على موهبتك المستحقّة للرّعاية والتّنمية بالإعدام الفوريّ، لأنّ الإنسان إذا اعتقد عن نفسه البلوغ والتّمام، هدأت فورةُ همّته، وخمدت جذوةُ إرادتِه، ومن هنا يُؤتى عليه فيُقضى.

اعملْ يا صغيري على معرفة عيوبك، وتحديد ملامحها، واكتشاف جوانب القصور ومناطق الضّعف في كيانك، ثمّ اسع جاهدًا باذلًا ما استطعتَ من قوّةٍ، لتحسين ما ينبغي عليه التّحسين، وتعديل ما يليق به التّعديل، وشطب ما حقُّه أن يُشطب، مستعينًا باللّه داعيًا له التّوفيق، فإنّه ما ساعد الإنسان ولا أعانه على مُراده مثلُ معرفة نفسه.
وإيّاك أنّ يصدق فيك قولُ أبي الطّيب المتنبّي رحمه اللّه :

ومن جهلتْ نفسُه قدرَه
رأى غيرُه منه ما لا يَرى !

ثمّ لا تنافس أحدًا من الخلق، بل نافسْ نفسك بنفسك، وليسابق مساءُك صباحك، فإن حقّقتَ غايةً ما، وأمسكتَ بناصيتها، اطمح إلى الأفضل منها وانس أمر الأولى التي مضتْ، وتعلّمِ التّواضعَ والصّبر، فإنّهما خصلتان نفيستان عند العقلاء، واخترْ لك أصحابًا يدفعونك إلى الخير، ويعينونك على الصّلاح، وقوِّ صلتَك بالكتب والقراءة، فإنّ مرافقة الكتاب وإدمانَ النّظر إليه، أفضلُ ما يصقل العقل، وينمّي الذّهن، ويشحذ الفكر، ويهذّب الخلق، ويُليّن الطّبع، وإذا شئتَ النّجاح في عالم الكتابة وميدان الشّعر والأدب، وتكون نجمًا لامعًا متألّقًا فيهما، فخذ الكتاب بقوّةٍ وجدٍّ، واجعل القراءة المثمرة، والاطّلاع المدقّق، فريضةً يوميّةً متواصلةً لا تنقطع ولا تفتر، كشأن طعامك وشرابك، وتأكّدْ أنّ الإبداع بدون صبرٍ مع الكتب التي أنتجها خيرةُ العقول ونخبة الأفكار، وتعاملٍ بروحٍ رياضيّةٍ مع المنتقدين ضربٌ من ضروبِ المُحال.
فمن وسع صدرُه للنّقد، والتّصحيح، والتّنقيح، أفلح في مجاله، وقطف من ثمار صبرِه وتواضعِه.

أمّا بعد : فقد أسهبتُ قليلا، وأجبتُك انطلاقًا من الزّاوية الّتي أراها أصلحَ لحالي وحالك، حرصًا على المنفعة والإفادة، وأداءً لحقّ النّصح المحض، والصّحبة القديمة، سدّد اللّه خطانا إلى الصّواب، وعصمنا من الزّلل المؤدّي إلى الخسران، والسّلام عليكم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى