Articles

الاعتراف بمجزرة تياروي ..الدلالات والسياقات


بقلم شعيب بن حامد لوح.

“إن ما حدثَ في 1 ديسمبر 1944م في اتيارُويْ مجزرة ارتكبها جنودٌ فرنسيون”.
تلك رسالة بعثها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى نظيره السنغالي بشير جُومَايْ فَيْ، بمناسبة ذكرى الثمانين من المجزرة التي ارتكبها جنود فرنسيون ضد جنود سنغاليين بريئين مطالبين حقوقهم، ويكون ماكرون بهذا التصريح أول رئيس فرنسي يعترف عَلنا بهذه المجزرة البشِعة التي تنضاف إلى مجازرَ عديدة قام بها فرنسا في الدول التي استعمرها سابقا، والسؤال الذي سيطرحه المُحللون والباحثون وهو سؤال طبيعي يكمن فيما وراء اعتراف رئيس فرنسي مع العلم بأنه مضى ثمانون سنة على هذا الحدث.
هل ظهر لماكرون ما خَفي على نظرائه الذين ترأسوا فرنسا؟ هل هو يتسابق مع الأبحاث التي توصَّلَ إليها فريق العمل الذي كوَّنه رئيس الوزراء عثمان سونكو منذ شهر أغسطس الماضي للبحث عن معلومات إضافية حول هذه المجزرة؟ هل أظهر النظام الجديد الذي يترأسه شابٌ لم يُكمل بعد خمسةَ عقود من الزمن وجها غير الوجه الذي ألفه فرنسا من الرؤساء السابقين للسنغال؟
أسئلة لا ريبَ سيثيرها المتابعون عن كثبٍ بما يحدث في السنغال منذ تولي الرئيس الجديد مقاليد السلطة. ومهما يكنْ من أمر فإن هذا الاعتراف التاريخيّ الذي جاء في سياق خاص له دلائل أتوقع أنها لا تنحصر فقط في هذا الحدث بالذات لكن سيتجاوزه إلى أمور أخرى.
لأكون صريحا أكثر أذهب إلى أن هذا الاعتراف سيحدد نمطَ العلاقة بين السنغال وفرنسا منذ الآن، سيرينا أن السنغال وكثير من دول غرب إفريقيا لم يعودوا الآن مثل ذلك الطفل الذي إذا بكى تُلوح له أمه الثدي ليرضع، ويأخذه النعاس ثم ينسى مشاكله وهمومه. ويبرهن على هذا أن الرئيس السنغالي بمقابلته الأخيرة مع الصحفي الفرنسي تكلم بصراحة عن مسألة استمرار الجنود الفرنسيين ووجودهم داخل أرض السنغال، بكيفية جعلتنا لا نُفاجأ في قادم الأيام ترحيل هؤلاء الجنود.
وبحدوث ذلك يكون السنغال قد عالج هذه المسألة الحسَّاسة لدى بعض المثقفين بدبلوماسية بعيدة عن السبل الأخرى التي قد يُلمح فيها نوعٌ من التشفي والانتقام أو حب الظهور، أي بما ينافي مع دراسة المسألة بعين الواقعية والعقلانية.
ولا ينبغي وكل الفرص مُواتية للسنغال أن يقف عند هذا الحد من الاعتراف من طرف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بل لا بد من المضي قدما في البحث أولا عن العدد الحقيقي للجنود الذين لقوا مصرعهم في هذا اليوم، والقيام بعد ذلك بتعويضهم، وثانيا البحث عن نقاط أخرى مهمة جمعت بين الدولتَين بفعل الاستعمار مثل الأرشيفات التي يحتكرها فرنسا كأنها مِلك لها فحسب؛ فلم يعد غير خافٍ على أحد أن للشيوخ الذين رفضوا الضيمَ والذل وقاوموا الاستعمار بمواجهة وبالسِّنان، أو بالسِّلم واللسان لهؤلاء الشيوخ تراث ثمين لم يصل إليه بعد أيادي أبنائهم وأحفادهم. وتسهيل الوصول إلى تلك الذخائر والكنوز التي استأثر بها فرنسا دون وجه حق تَعويض لا يُقاس بدراهمَ ولا دنانير

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى