Articles

نبش جثة مواطن وإحراقها !.. هل فقدنا
إنسانيتنا!!؟

د. عبد العزيز كيبي
إن الأحداث الأخيرة التي تصدرت عناو
ين
الصحف حول الفعل الهمجي المتمثل في نبش رفات مواطن لإحراقها، سابقة في غاية الخطورة ، وخدش لضميرالأمة السنغالية . لماذا أصبحنا هكذا ؟ لماذا صار اللعب بالنار سيد الموقف إلى حد أن نعرض إنسانيتنا وتراثنا لخطر الهلاك والدمار؟ .
نعلم الآن على ضوء الأحداث التي عانت منها السنغال، أننا قادرون على الفظاعة. ويجب أن نشعر بالخوف من هذا الأمر، وننتبه إلى علاقتنا بالعنف ، والحدود التي بدا أننا تجاوزناها.
منذ فترة، بشكل متزايد وبطريقة خطيرة نلعب بالنار، بالمعنى الحرفي والمجازي معا. لقد ولت أيام النار المشتعلة وسط الفناء، حيث كان الطالب يستضيئ لفك ألغاز الحروف والآيات القرءانية، ولحفظها بنغماتها الجذابة. تم إخماد هذه النار في بلدنا، وحلت مكانها هذه الأخرى التي تتمشى مع العنف الحضري المتصاعد بسبب المطالب الديمقراطية أو التخريبية.
في البداية، كانت الإطارات والمواد البالية الأخرى في الشوارع تشكل وقود نيران المطالب الحضرية لمنع قوات الدفاع والأمن عن التقدم بسهولة. وفجأة لا نعرف كيف بدأت هذه النيران تنتشر إلى أن وصلت إلى الممتلكات الخاصة للخصوم السياسيين، وفي معظم الأوقات للشخصيات البارزة في الدولة. في تلك اللحظات فسرنا هذه الأحداث كأنها مجرد مؤشرات لإحباط الشباب، تجاه الساسة والحكام الذين يعتبرونهم مسؤولين عن وضعهم البائس. ثم تطورنا إلى درجة أعلى، وأضحينا رواد الأعمال العاديين الذين لا ذنب لهم إلا أنهم يستمدون رزقهم من استغلال ترخيص تجاري من أصل فرنسي. قلنا لأنفسنا أن هذا ليس إلا تأثير الشعار “لترحل فرنسا”، والذي يعبر ببساطة عن المشاعر المعادية للاستعمار.
حتى ذلك الحين، كأن السنغاليين كانوا يتفرجون على مسرح سيئ اعتقدوا أنه مؤقت لكونه يتعلق بالتقويم الانتخابي. لكن بقوة لا تقاوم، ثم انتقلت النار إلى كبريت لإحراق الكتب والوثائق العلمية.في جامعتنا العريقة
، ربما كنا غافلين عما يقع بين أعيننا، لكن شهدنا تصاعدا خطيرا ومخيفا للعنف في مجتمعنا، والحدود التي تجاوزناها، دون أي مبالاة. مع الأسف لم نقس الخطر الذي كان يطلع في الأفق. لم نكن ندرك أن هذه النيران حاولت رمزيًا حرق السنغال، لما ألقى فيها المتظاهرون وثائق الذاكرة الوطنية في المكتبات وأرشيفات الجامعات، وسجلات الخدمات الحكومية والمدنية. زد على ذلك عملية تخريب ممثلياتنا القنصلية والدبلوماسية في الخارج. فاعتبرنا مرة أخرى أن هذه التصرفات مجرد تعبير سياسي قد تجاوز الحد بشكل ما.
لكن كان من الواجب أن يوقظنا تراكم هذه الحوادث وتتابعها ، ويدفعنا إلى طرح السؤال على أنفسنا: إلى أين نحن ذاهبون ؟ ألم تعد السنغال سونوغال ؟
لكن الخوف من الحكم علينا أو تصنيفنا في معسكر أو آخر، دفعنا إلى الاكتفاء بالإيماءات، وإلى إيجاد تفسير يناسب الرأي العام، واعتقدنا أن ذلك يكفي للتخلص من الشر.
ثم فاجأتنا الأحداث من جديد، حيث امتدت ألسنة اللهب على سيارات النقل العام، وحاصرت كبار السن الذين وسمت جلودهم بلسعاتها، وسرقت روح الفتيات الضعيفات اللواتي كن يحلمن بمستقبل بهيج. فعند ذلك فقط أظهرنا، على استحياء، انزعاجنا لأننا لم نعد نتعرف على أنفسنا أمام هذه القسوة. ولكن حتى في مواجهة مثل هذه الهمجية، فقد وضعنا الأمور مرة أخرى في نصابها، محاولين تبرير الجريمة بجنون مؤقت للمجرمين، أو من خلال تنظيم دنيء مفترض من قبل الخصوم السياسيين.
لسوء الحظ، تلحق بنا اليوم خطورة الأمور بكل قوة، وتوجه لنا ضربة موجعة، حيث أن النار، هذه المرة، نزلت إلى قاعة الإنتظار للدار الآخرة، إلى القبور، لتنازع الله تعالى على ما هو خاص له، عذاب جهنم.
لقد تجرأنا لقد أخطأنا! ، أخطأنا للغاية!
رفضنا الدفن لمواطن، على افتراض أنه مثلي الجنس كان يمارس المثلية، ، ثم ذهبنا بجرأة غريبة لنبش جثته وحرقها! ، لقد تجاوزنا الخط الأحمر ، وكما قال الآخر ما وراء الخط، لم تعد هناك حدود. وهذا هو المخيف.
من الواضح أنه مع هذا الفعل الشنيع الذي لا يوصف، تجاوز العنف والتعصب عتبة كنا بعيدين عن تخيلها. إن «السلوكيات المسعورة»، استعارة من مؤلف «عصر الفراغ»، تعتبر الآن بطولية في بلدنا، وهذا يؤدي إلى «تحفيز الصعود إلى أقصى الحدود في استخدام العنف». ها نحن هؤلاء لقد تسلقنا القمة عندما خرجنا عن إنسانيتنا، عندما لم نعد مستنيرين بنور الإيمان أو العقل. ماذا أصبحنا ؟ فالخطر كبير إن أصبحنا وحوشا. وبالتالي يتجلى لنا بكل وضوح معنى تساؤل مولانا الحاج مالك سي : آنَ نِيتْ ؟ أين الإنسان ؟
إن نبش جثة إنسان لإشعال النار عليها عمل حقير بكل المعايير . واليوم لن أحتج بأي آية من القرآن أو الإنجيل للتعبير عن غضبي أمام هذا الجنون، أترك هذا الجانب لعلماء الشريعة في الإسلام والمسيحية. أستدعي فقط في هذا الموقف روح الإنسانية التي من المفترض أن تميزنا عن المخلوقات الأخرى. وأتساءل: باسم ماذا ؟ لأنه ليس باسم الله الرحمان الرحيم.في كل الأحوال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. تحليل دقيق أرجع الظواهر إلى أسبابها البعيدة: التدرج في استعمال العنف من جهة، والسكوت عن هذا العنف أو تلمس أعذار لمرتكبيه من جانب آخر.

    لكن ثمة جانباً آخر ينبغي التنبه إليه هو تخلي أولي الأمر الشرعي عن دورهم في توجيه الناس وتعليمهم وتجنبهم مخالفة ميول العوام. فلِم لم يرفع أحد صوته ويبين أن المسلم مهما يكن سلوكه يدفن في مقابر المسلمين عند موته كغيره من المسلمين وأن الفرق الوحيد بين الصالح والفاجر في هذا الصدد هو أن الأخير لا يحضر جنازته أهل الصلاح والفضل؟

  2. ماشاء الله تبارك وتعالى ، مقالة ممتازة جدا وتحليل علمي منطقي للواقع الذي تدرج فيه بلدنا حتى وصلنا إلى هذا المستوى من ممارسات حيوانات الغابة على مرأى ومسمع الجميع أمام جحود الحكام وعجز العلماء حسب تعبير البعض ، فإلى أين تتجه بنا الأمور ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى