للإنسانية وجوه كثيرة يا ” جير “
د. عبد اللطيف طلحة
في حديثه لإحدى الصحف الأمريكية، سرد الممثل الأمريكي المشهور (ريتشارد جير) موقفا عاشه في أثناء تمثيل أحد أفلامه، قائلا: “مثلت دور المشرد في أحد أفلامي، وكان الناس في الشارع ينظرون إليَّ نظرة احتقار-لم ينتبهوا إلى شخصي مطلقا- سوى امرأة واحدة فقط كانت رقيقة معي وأعطتني طعاما.. في تلك اللحظات، أدركت مدى التعاسة ومرارة الحياة التي يعيشها المشردون في الزحام، البرد القارص، والحر الشديد، فهناك مئات الألوف من المشردين بسبب الحروب، يتجمدون بسبب الثلوج، لماذا لا نتذكرهم أو ندافع عن قضيتهم؟”.
اختتم (جير) حديثه، قائلا: “من وقتها، أخذت على عاتقي إطعام كل مشرد أقابله، واعطاءه ١٠٠دولارا”، مستطردا: “عندما أذهب إلى فراشي في آخر اليوم؛ ينتابني شعور بالفرحة والراحة النفسية والطمأنينة ، بعد أن قمت بإطعام مشرد أو محتاج. فكيف ندلف إلى حجرنا الفارهة المزودة بأحدث النظم وأخواننا في الإنسانية يسكنون الشارع؟ حقا، إنها تجربة مريرة؛ أيقظت مشاعري، وسرت أسردها لزملائي وأصدقائي”.
حديث السيد (جير) في مجمله رائع؛ فمفهوم الإنسانية لا يختلف باختلاف الزمان أو المكان، فالإنسانية لا تفرق بين لون، عرق، أو دين، ولا بين إنسان، وحيوان. لكن أود أن تخبرني: “مَن فجع مضاجع الإنسانية في ربوع الأرض قاطبة بالحروب والنزاعات؟ مَن استحل أقوات الشعوب الفقيرة وسرق خيراتها؟ مَن يتحمل مصير مئات ألوف العرب والمسلمين ممن يسكنون العراء في سوريا والعراق وليبيا؟ مَن يتحمل مسؤولية الجوع وانقطاع الكهرباء وعدم وجود مأوى لكثير من البلدان وللأسف أغلبها عربية ومسلمة؟ مَن يتحمل مسؤولية النساء اللائي ترملن بقتل أزواجهن وثكلن بفقد أبنائهن؟” كل هذا بفعل آلة الحرب المهلكة، التي أوقدتم نيرانها، وما زالت مستعرة إلى الآن.
لسنا ضد فعلك الطيب بمساعدة المشردين، فهذا أمر إنساني تشكر عليه، لكن هل يمكن أن تقترح على حكومتكم أن تغل يدها وتكف عن زراعة الفتن واشعال الحروب في أكثر من بقعة في العالم؟
الإنسانية يا سيد(جير) تتلخص في: مساعدة المستضعفين في الأرض على مقاومة الأمراض، في بناء المستشفيات، وإيجاد مأوى آدمي، لا إضرام النيران، وسفك الدماء. في العراق وسوريا وليبيا عدد القتلى والجرحى فقط يفوق الأربعة ملايين نفس بشرية، أليس هؤلاء أخواننا في الإنسانية؟ في العراق مثلا: احتللتم أرضها، شردتم شعبها، ولم تعد إلى الآن كما كانت بلدا آمنة مستقرة، وها هو الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أحد من ساعدكم على احتلال العراق، يعترف الآن بالصوت والصورة، قائلا: “بعد سقوط بغداد في عام ٢٠٠٣م؛ فقدنا الأمن والأمان، وأصبحت العراق مليشيات”.
أحترم جل كلامك عن الإنسانية، لكن أكره تعسفكم في الأرض، واستعبادكم المستضعفين ، وخصوصا الشعوب العربية والإسلامية منها. يا (جير)، الإنسانية لها وجوه كثيرة، ليس من بينها: احتلال، وسفك دماء الشعوب، ونزع خيراتها