كلنا غزة ، وكلنا فلسطين..!!
بروفيسور عبد العزيز كيبي

لقد قررت إسرائيل على ما يبدو خلال هذه الأيام، أن تخنق الشعب الفلسطيني فوق أرضه، بعد فرض حصار شامل وقصف مستمر على المدنيين، الذين دعتهم إلى الفرار من غزة عبر ممرات أعدتها لهم، فأصبحت تلك الممرات فخوخا. يا للمكيدة الحقيرة! ، أمام هذه الكارثة الإنسانية، وهذه الهمجية التي استمرت الت 70 عاما، ترتفع الأصوات حينا بعد حين للحديث عن قيم التسامح والتعايش، ودعوة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى الحوار.
وفي رأيي انهما مجرد ضحايا في هذه الأوضاع بين أيدي ساسة عديمي الضمير، وأنه لا تفيد الدعوة إلى قيم التسامح والتعايش إلا إذا قامت على الاعتراف والاحترام المتبادلين، وعلى رعاية الحقوق للجميع. لكن مع الأسف الشديد ما يشهده العالم اليوم ، في هذه الحالة ، هو اختلال عميق في التوازن بين الطرفين.
إن إسرائيل تتمتع بدعم كامل غير مشروط من دول الغرب التي تقدمها رمزا على ندمها عن مواقفها البربرية ضد اليهود، في محارق أوشفيتز (Auschwitz) وغيرها من المجازر.
فأخذ الغرب يعتني بإسرائيل لكونها شاهدة على خطيئته اللاإنسانية على اليهود ، وحَوَّلَ هذا الكيان إلى مزار للتوبة عن جريمته. وعلى رأيه يجب أن تبقى إسرائيل منتصبة ومهيمنة، حتى لو كان ذلك يؤدي إلى تغيير خريطة الشرق الأوسط وتبديل مكوناته الاجتماعية والتاريخية.
لقد شهدنا جميعا الدول الغربية أجمع، وعلى رأسها أمريكا، تعلن ولاءها لإسرائيل واستعدادها للتدخل عسكريا إلى جانبها، اذا كان وجودها مهددا. إسرائيل ها نحن قادمون، غَنَّوْا جميعا.
إسرائيل دولة خارجة عن القانون
منذ بروز القضية الفلسطينية على المسرح العالمي، وإسرائيل يباركها الغرب لها الاستمرار في التوسع في أراضي هذا الشعب.
وسنة تلو الأخرى يشهد الشعب الفلسطيني تقليص أراضيه ثم تطويقها من قبل المستوطنين اليهود في تحدٍّ وازدراء غير مسبوق لقرارات الأمم المتحدة، التي تبدو وكأنها مجرد تعويذات دون أي تأثير.
وهكذا تتصرف إسرائيل، كدولة مارقة بمساعدة الدول الغربية، مع الإفلات التام من العقاب.
“إسرائيل دولة مارقة، إسرائيل دولة خارجة عن القانون. مستمرة في انتهاك منهجي للقانون الدولي أو ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين أو قل جريمة ضد الإنسانية (انظر تقرير غولدستون بعد عملية «الرصاص المصبوب» في غزة في عام 2009 وتقرير ماكغوان – ديفيس الذي يغطي عملية «الجرف الصامد» في تموز/يوليه – آب/أغسطس 2014). لقد ثبتت إدانة إسرائيل بارتكاب ما هو أكثر أو أقل من «إبادة جماعية مستمرة» وستصبح، إذا لم يتم إيقافها في الوقت المناسب، إبادة جماعية على الإطلاق. لم يعد هذا سياسة ولا حكومة نديمها، بل إنها دولة متورطة لا تزال تعمل وتوجه خطواتها نحو العنف في جميع الاتجاهات “.
في هذا السياق، يعاني كلا الشعبين من أيديولوجية العنف والتصميم على محو فلسطين من خريطة العالم. ويتأسف نشطاء السلام والتفاهم بين الأمم من أجل ذلك وهناك من يدعو الشعبين إلى السعي إلى سبل اللقاء والحوار لبناء تحت جو السلام الدائم.
لكن المشكلة ليست على المستوى الشعبي، إنه على مستوى الغرب الذي يريد اخفاء خيانته للقيم الانسانية في معاملته الخجلة ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، بإغماض العينين عن جرائم الدولة الصهيونية المنتقمة من شعب غير مذنب بالدراما التاريخية في أوشفيتز، أو في أي مكان آخر. وإذا دام حرمان الشعب الفلسطيني من حق التصرف في دولته، وعلى أراضيه التي تحتلها إسرائيل فبسبب دعم الغرب الذي يسمح لإسرائيل بالمضي قدما في التشريد والتنكيل والقتل والإبادة دون حرج .
البعد القانوني والديني:
على هذا المستوى من التفكير، أود أن ألفت الانتباه إلى الخطر الذي يلوح في الأفق، مع إغراء تحويل طبيعة هذا الصراع، ذي الطابع السياسي، إلى مواجهة دينية بين الإسلام واليهودية. وهذا التحول في طبيعة الصراع ينطوي على مخاطر حقيقية للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على وجه الخصوص، وسيمتد إلى البلدان والشعوب الإسلامية في جميع أنحاء العالم. وهذا ما يأمله الصهاينة والأيديولوجيون المعادون للإسلام: نقل المشكلة إلى صراع ديني.
ولكن يجب أن نتجنب ذلك لأن القضية الفلسطينية قضية وطنية وإنسانية، إنها مسألة الحق في تقرير المصير، وهو مبدأ قانوني عالمي مكرس في ميثاق الأمم المتحدة.
كل من المسيحيين واليهود في فلسطين معنيون، وكذلك المسلمون. وتؤثر إساءات إسرائيل وانتهاكات قواعد القانون الدولي ومبادئ القانون الإنساني على جميع أبناء الشعب الفلسطيني، وجميع الأديان مجتمعة.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار البعد الديني في هذا الصراع بالنظر إلى تاريخ القدس وقدسيتها. نظرًا لكونه المكان المقدس الثالث للإسلام، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين المعراج، ويضم العديد من المعابد والأضرحة التاريخية للأديان الأخرى، فإن القدس من المقدسات الدينية التي تمتلأ بها مشاعر المؤمنين المتعددة. لكن بروز البعد الديني في هذا الصراع ومركزية مدينة القدس المقدسة لا يجعله حربًا دينية…إذا وقع الناس في فخ السياسيين وأصحاب النظريات العنصرية الذين يريدون تطبيق قاعدة التقسيم والتفريق بين الناس للتحكم بهم، فإنهم يحولون المشكلة ويخرجون عن الإطار السياسي والقانوني للقضية. وستكون فرصة لوصم الأديان، ولا سيما الإسلام، بعرضه على أنه دين الكراهية والإقصاء والعنف والتعصب، وما إلى ذلك. وبشكل خاص، ستكون الفرصة التي كان ينتظرها أنصار الفوضى في الشرق الأوسط لمهاجمة الشعوب المسلمة في المنطقة وقادتها الذين يدعمون القضية الفلسطينية.
دعونا نذكر أن جميع رؤساء الدول المسلمة الذين أظهروا عداءهم لجرائم إسرائيل، دفعوا أرواحهم. هذه هي حالة صدام حسين، وهي حالة معمر القذافي (رحمة الله عليهم). وكل المراقبين يعلمون أن سوريا، وجمهورية إيران الإسلامية، وحتى تركيا، في مرمى البصر من الغرب الذي لا يريد دولة قوية وذات سيادة حقيقية في العالم الاسلامي.
ولا يزال مبدأ الفوضى الخاضعة للرقابة (controlled chaos)، الذي أصدرته مراكز الفكر الأمريكيه في منتصف القرن العشرين، هو البوصلة للغرب في المنطقة.
التغيير المرغوب فيه في الشرق الأوسط
لقد سمعنا رئيس الوزراء الإسرائيلي يقول: «سنغير الشرق الأوسط». لقد تغير الشرق الأوسط بالفعل، منذ أن احتلت إسرائيل الأراضي الفلسطينية وخنقت هذا الشعب الأسير على أراضيه، في ظل اللامبالاة التامة من جانب جماعة الدول العربية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لقد تغيرت منطقة الشرق الأوسط كثيرا منذ حملة «التطبيع»، أي تكيف الدول العربية مع المعايير التي يرغب فيها الغرب، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
إذن، ماذا أقول للشعبين ؟ ماذا أقول لشعوب العالم بأسره، إن لم يكن لإحداث ضوضاء، بكل الأدوات الصوتية ؟ إحداث ضوضاء، حتى يسمع الغرب حديث العقل ويوقف هذه الجريمة المستمرة، في العراء، على الشعب الفلسطيني.
إن القضية الفلسطينية مسألة تتجاوز الأديان، وتتحدى البشرية في جوهرها. هل هناك بقية من معايير الانسانية التي أدت بالغرب إلى الندم في دراما إبادة اليهود؟ إذا كانت لا تزال هناك بقايا إنسانية لدى الغرب، فعليه أن يقول لإسرائيل: ” توقف!”، وعليه أن يضع حداً للتحيز المخزي الذي يظهره تجاهها، ويتعامل أخيرًا مع ما تبقى من الشرف في طريق إعادة حقه إلى الشعب الفلسطيني المكرس في ميثاق الأمم المتحدة. هذا هو التغيير الوحيد في الشرق الأوسط الذي يرغب فيه الشعوب في العالم. أي شيء آخر سيكون مجرد خداع وسفاح.
إن القضية الفلسطينية هي قضيتنا، وهي قضية كل شخص لديه ذرة من الإنسانية.
أنا فلسطين ! وكلنا فلسطينيون…
رئيس القسم اللغة العربية سابقا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية
جامعة شيخ أنت جوب- دكار (السنغال