
الشيخ محمد فودي جابي المشهور بأُمْبالُو فُودي 1901م- 1980م واحد من روّاد جيل عمالقة النهضة العلمية في القرن العشرين
بقلم الأخ محمود دافي
بما أنّ قراءة سير نبغاء العلماء الصلحاء تعدّ خير وسيلة لإشعال العزائم وإثارة الروح الوثّابة وقدح المواهب وإذكاء الهمم، ستكون رحلتنا هذه بمعية علَم من أعلام العلم والتربية والدعوة في القرن العشرين، علَم تفجرت على سنان قلمه ينابيع العلوم والمعرفة، عَلم في رأسه نور، وفي قلبه نور وفي لسانه نور، علَم سبر شخصيته العلمية المعرفية بمسبار التحصيل العلمي الجاد الذي لا يعرف الكسل ولا الخمول، فاقتطف من أزاهير روض العلم ما يُغمد سيف ظلمات الجهل والأمية والبدع في مجتمعه، إنه الشيخ محمد فودي جابي المشهور بأُمْبالُو فُودي رحمة الله عليه رحمة واسعة.
أسرته : والشيخ محمد فودي جابي من مواليد سنة 1901م الموافق 1321هجرية في مدينة طوبى بِفُوتَ جَلُونْ في دولة غِينِيا كُناكِري، وهو واحد من سليل أسرة علمية جاغاوية مباركة، تعتز بعراقتها في الدين وعلو كعبها في فنون العلم والتربية والدعوة، ووالده هو العالم المربي المشهود له بالصلاح الشيخ محمد المغيلي بن الشيخ عبد القادر جابي بن الشيخ محمد التسليمي بن الحاج محمد سالم كرمبا جابي المشهور ب( كَرَمُخُبَا) الذي يعني باللغة المنديكية ( الأستاذ الكبير) وهذا الأخير هو مؤسس مدينة طوبى بِفُوتَ جَلُونْ، وهو ابن الشيخ محمد فاطم البُندُوي مؤسس مدينة ( دِيد) بن الشيخ محمد فودي مؤسس مدينة ( سهل) (ببُنْد)، بن الشيخ عبد الله بن الشيخ الحاج أحمد بن سالم بن محمد سِري بن المصطفى بن أبي البكر بن الشيخ يوسف بن الإمام شعيب الماسني مولدا، القرشي نِجارا، ووالد هذا الأخير هو الشيخ يوسف بن الشيخ عمر بن الشيخ محمد الولي بن السيد جابر بن عبد الله بن جابر التابعي بن عبد الله الصحابي بن عمر بن الخطاب ثاني خلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام.
ووالدته هي السيدة التقية فاطمة البتول المشهورة بأمبَالُ جَغَبِي، بنت الشيخ محمد فودي الخاغبي، ووالدته هذه انحدرت من سلالة الشيخ سليمان الشنقيطي، الذي يعد واحدا من مشاهير الصالحين الأولياء في البياضين من قبيلة ( اللامْتونْ)، فقد استوطنت هذه الأسرة الخاغاوية المباركة التي ينتمي إليها الشيخ في أرض ماسِنا بدولة مالي، ثم رحلت منها إلى السنغال وغينيا كوناكر وغامبيا وقد تناول الشيخ تفاصيل رحلة الأسرة في كتابه المسمى ب( إنهاض الهمم في ذكر مناقب الآباء والأجداد ذوي القيم) …وكل هذه الرحلات كان هدفها نشرَ الدين والتربية والدعوة، فحبذا هذه الأصولُ وفروعُها في بِقاء الأرض، فقد بارك الله – حقا- في هذا الغيث وصوبِه، وأينع الروض ونَوْره! ولله در أحمد سليمان الشنقيطي إذ يقول مادحا لهم
يا ابنَ المغِيلِيِّ منك الفضلُ قد ظهرا# والفضل من قبلُ في أسلافك اشتهرا
فمنكمُ الفضلُ لا يخفى على أحدٍ
إلا على أحد لا يعرفُ القمرا
لما رأيتُ في أسلافٍ لكم أثرا# في الفضل أقْبَلتَ تقفُو منهمُ أثرَا
وقد تمسّكتَ من أشياخنا بعرى# موصولة بعرى موصولة بعرى
نشأته الاجتماعية والعلمية : نشأ الشيخ محمد فودي في بيت كان قلعة للعلم وصرحا للفضيلة وسياجا منيعا للدين وأهله، كان بيتا معروفا بالصلاح، والتضلّع في فنون العلم والمعرفة، فقد تربى في كنف والده الذي أولاه عناية حانية وعناية فائقة في أرغد العيش وأضفى النعمة، وتلقى تعاليمه الأولية على أيدي أعمامه وكبار إخوته، يرتشف من معين علومهم، ويحضر حلقات والده التي كانت مخصصة للكبار في مجال التفسير والحديث وكتب المطولات الشرعية والتصوف .. وقد استفاد الشيخ من حضور حلقات والده المخصصة للكبار، فكانت سوط حافزٍ له ليولي لشؤون العلم في وقت مبكر عينا ساهرة وعقلا نيرا وقلبا يقظا لا يسهو ولا يغفل، فهو دائما في حلقات الوالد يكون في حالة تعبئة نفسية عقلية وروحية عالية ترفع معنوياته؛ لينهل من ينابيع أعمامه وإخوانه علما وعقلا ووعيا وفهما، وفِعلا قد تجلت جدوائية هذا الحضور فيه، إذا فتح له آفاق التألق مبكرا والذكاء الحاد والفهم الدقيق ما بز به الأقران، فهضم فنون العلوم هضما والتهمها التهاما في مدة قصيرة بسبب ذكائه وعبقريته الخارقة للعادة، وقد أشار إلى ذلك متحدثا نعمة ربه عليه قائلا:
كفاني بلا فخر بُنوةُ والدي# فحمدًا وشكرا لإله المَحامدِ
أبٌ عمّني بالنفع حيًّا وميّتًا# ولا موتَ – قالوا للصَّفاء الملاحدِ
وبشّرني أن سوف أُدركُ بُغيتي# بإعطاء أسرارٍ له وعوائدِ
فلم يُعْيِنِي شيءٌ أوَّجِهُ همتي# له في فنون العلم والحالُ شاهدي
وذاك بفتحٍ لا بطُول تعلُّمٍ # ودرسٍ عن أشياخِ الهدى والفوائد
على أنني أُثني عليهم فإنهمْ# مَراقي إلى تلك الذرى والمساند
يجازيهمُ عنِّي وعن كلّ طالبٍ# إلهُ الورى الهادي لأسنَى المقاصد
ويقول في مكان آخر في كتابه ” تحفة الصبيان في التنبيه على عقائد الإيمان “
حصلت على علم صحيح حويته# بهمة عزم في اقتناء المطالب
عقلت نصوص العلم فهما مقيِّدًا# شواردها من غير وهمٍ وشائبٍ
وحققت بالتمييز بين فنونه# بلا طول درس بل بفتح مصاحب
وما قلت هذا لادّعاء كرامة # وقصد افتخار بل لشكر المواهب
ومن أكبر مشايخه عمُه الشيخ محمد التسليمي الثاني، وبعدما توفي شيخه هذا، واصل دراسة كتب الشريعة على شيخ آخر وهو ابن عمه الشيخ محمد المصطفى بن محمد السنوسي – شقيق والده- درس عليه التفسير وأخذ عنه الطريقة القادرية فأجازه فيها بجميع مروياته، ثم عمّمه العمامة الفُودِوِيَّة قبيل رحيله إلى الرفيق الأعلى وكتب له إجازة بذلك.
والعمامة الفودوية تعدّ آخر درجة علمية في نظام التعليم المَنْدنكي القديم، وهي بمثابة شهادة علمية تكون عادة بوضع عمامة بيضاء على رأس طالب مجتهد، تفوق في العلم وتربى على يد شيخ عارف بالله ،ولاحظ فيه الشيخ علامة الصلاح والتقوى ورسوخ القدم في العلم، فهذا وأمثاله هم المسمَوْن ب( فُودي) قديما.
رحلته إلى السنغال كاسماس تحديداً: بعد ما سبر الشيخ شخصيته العلمية بمسبار التحصيل العلمي الجاد في فنون العلم، عند أعمامه وإخوته الذين شهدوا له برسوخ قدمه ونقاء علمه من أوشاب الخرافات والسطحية، خرّجوه وعمّموه بالعمامة الفودوية فامتطى صهوة جواد السفر إلى السنغال وبالتحديد “كاسماس” جنوب السنغال سنة 1931م، برفقة أربعة من إخوانه الصغار، ولم يكن هدفه البقاء في أرض كاسماس بل للعبور إلى غامبيا لمواصلة مسيرة آبائه وأجداده العلمية والتربوية فيهما، لكن القدر المحتوم قدّر بقاءه في أرض كاسماس في قرية مرساسُ جراء كثرة طلابه وأتباعه وكان ذلك سنة 1936م الموافق: 1356ه ففيها أسس مجلسه العلمي وسدّ في المنطقة فراغاتٍ علميةً ودعويةً تربويةً، ينفخ في طلابه وأتباعه روحا جديدة ويعالج الفتور في الهمم وسرعة السآمة والملل في مجال طلب العلم، ويحاول من خلال الدعوة والتربية والتعليم انتشال المجتمعات التي استنامت وهجعت في شواطئ البدع والعوائد المخالفة للشريعة عقيدةً وسلوكا وممارسة وكتابه المعنون ب” نصيحة الإخوان فيما تحصل به مرضاة الرحمن” خير دليل على ذلك، وبهذا تجاوزت سمعة الشيخ حدود كاسماس فصار قطبا من أقطاب السنغال والبلاد المجاورة لها، عليه شآبيب رحمة الرضوان.
صفاته الخلقية : بالرجوع إلى دراسة الجانب الخلقي لعلماء الأمة الربانيين، نجد أن في أخلاقهم نورا للعيون وترويحا للأرواح وتفريحا للنفوس، ولم يشذّ العلامة الشيخ محمد فودي عنهم قِيد أنملة، فقد كان في منتهى الرصانة والوقار، و كان يناجي ربه في ظلمات الليالي و هدآت الأسحار حتى قذته العبادة، كما آده حمل عبء هذا الدين ونشر تعاليمه في الأقطار، ولم يكن علو مقامه وبُعد صيته وذيوع شهرته مبنيا على التكبر ” فقد كان حفظه الله على جانب عال من التقوى والزهد بالقلب، ذا سعة في الأحوال والأرزاق، سخيا كريما، واصلا للرحم، مراعيا لحقوق الإخوة والجوار، متواضعا، صابرا، مكرّما لجميع الناس على قدر أحوالهم، ناصحا في التعليم والتأديب، ماهرا في الإرشاد والتربية، ذا همة عالية، مجاب الدعوة، لا يوجّه همتَه إلى أمر إلا يتسّر له ذلك على أحسن حال” وقصيدته البائية من أروع القصائد في هذا المضمار يقول فيها آمرا طلابه:
وإنكمُ أنتم أوائل صحبتي # برسم ابتغاء الحاج من ذي المواهب
فكونوا جميعا إخوةً وتحاببوا# على النصح والإيثار أيِّ تحابُبِ
وكل صغير فليصاحب مكرِّما # لمن فوقه في السن حال التصاحُب
كذا فليكن كلَّ كبير مراعيًا# أصاغرَه بالرفق سهل الجوانب
وقوموا بصدق في التبرك رُغبةً# من الله في نيل الجزا والمقاتِب
ولا تستريحوا للدَّعات تكاسُلا# فإنّ حصول الخير بعد المتاعب
ولا تعجِلوا بالإقتصار تعطّلًا# قُبيل حصول الرِيّ في تِي المشارب
رفيقي ينال العلم دون مشقة# لأنيَ دارٍ بفنون القراهب
أنيسي ينال الفهم دون توهّم # لأنِّيَ واعٍ لوجوه الأسالب
أبثُّ فنون العلم لا عن تحيُّرٍ# ولا ريبةٍ في فهم تلك المشارب
مكانته العلمية وشهادات معاصريه له : إن الشيخ محمد فودي جابي ظاهرة علمية وأدبية متميزة بين أقرانه، فقد تحصلت لديه ملكة علمية قادته إلى التضلع في عدد من العلوم، وهذا التضلع جعله عالما دقيقا في أبحاثه، متنوعا في مشاربه، وسخيا في عطائه العلمي، ودقيقا في تأصيل المسائل، ناهيك عن نفاسة محتواها، وهو شخصية علمية تتميز بالأمانة العلمية والتواضع العلمي، وبقراءة مؤلفات الشيخ وبالأخص ” نصيحة الإخوان فيما تحصل به مرضاة الرحمن” نستشف منه هاتين الصفتين، نراه يغوص في الأعماق، ويأبى أن يعوم فوق سطوح المسائل، يطرح المسائل ويعقبها بالأدلة من الكتاب والسنة وأقوال العلماء مع عزو الآراء إلى أصحابها، تارة يقودنا إلى فتاوى العالم المالكي أبي عبد الله الشيخ محمد أحمد عليش صاحب كتاب “فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك” وأحيانا إلى أبي بكر محمد بن محمد بن عاصم الأندلسي صاحب كتاب” تحفة الحكام في نكت العقود والأحكام” وإلى غيرهما تارات أخرى، بل حتى فتاوى معاصريه يوردها بعبارات نشَمّ فيها رائحة الاحترام والتقدير نراه يقول مثلا بعد إيراد المسألة : “…. كما أفتاني به الشريف العلامة شيخ الإسلام سيدنا وحبيبنا الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي حفظه الله تعالى” وفي هذا الموقف نسجّل للشيخ خصلة التواضع العلمي التي من تجلّياتها الاعتراف بمحدودية علمه في مسألة ما، والرجوع إلى من يثق بعلمه فيستفتيه في جوانب علمية قد لا يحيط بها خوفَ التظاهر بمعرفة ما لا يعلم، وهذا التواضع العلمي
يتجلّى لنا أيضا في عبارته التي يختم بها المسائل في كتابه هذا قائلا ” هذا ما ظهر لي من وجوه الشريعة والسنة في هذا الباب” فهذه العبارة قصيرة بكلماتها ولكنها كبيرة بمحتواها، وهي تدل على أن الشيخ كان على قمة من التواضع العلمي، فعلى الرغم من جلالة قدره وتضلّعه في العلوم، لا يدعي الإحاطة بالمسألة بل يحتاط لنفسه مخرجا بقوله (هذا ما ظهر لي) بخلاف ما نحن عليه الآن من التكبر والتضخم الذاتي في مجال العلم.
ففي الوقت الذي كشّر الاستعمار الغربي أنيابه للانقضاض على ما في بلادنا من خيرات، وللقضاء على البقية الباقية من العادات الحسنة والتعاليم الإسلامية الصحيحة، خاض الشيخ عباب النضال العلمي المتمثل بالتعليم والتربية، إضافة إلى تأليف الكتب الدينية لرد الناس إلى دينهم ونهيهم عن التدين المغشوش، ومن قرأ كتبه التي ألفها بدقة متناهية يدرك رسوخ قدمه في العلم بفنونه، وتتضح له كذلك عبقريته بقوة من خلال المسائل التي يعالجها، ومن خلال اللغة العربية التي ينظم بها قصائده الجامعة بين دقة العلم ولطافة الذوق ومن أبرز هذه الكتب:
١- نصيحة الإخوان فيما تحصل به مرضاة الرحمن، الذي عمره الآن (73) لأنه ألفه سنة 1373ه ونحن في 1446ه. وكان الهدف الأسمى لتأليف هذا الكتاب هو الالتزام بالكتاب والسنة ودحض البدع يقول في مقدمة الكتاب: ” لما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوكد فروض الكفاية في الدين وهو اليوم ببلداننا في هذا الزمان إيثار البدعة على السنة، واتّباع العوائد في الأنكحة وفي سائر الأمور اللازمة بالشريعة، حملني على تأليف هذه الرسالة محض النصيحة ونيّة الخير لي وللإخوان للمحبّة وسميتها” نصيحة الإخوان فيما تحصل به مرضاة الرحمن” وهو يتكوّن من خمسة فصول وخاتمة.
٢- إتحاف الدراية فيما يلزِم الإمام والمأموم من صلاة الجماعة.
٣- إتحاف الضياء في حكم البناء والقضاء وهي منظومة.
٤- الجوهر المنظم.وهو نظم مختصر الأخضري
٥- فتح الجليل المالك على تنبيه السالك. فهو منظومة جده الشيخ عبد القادر جابي وهي تتناول مسائل التوحيد وفقه العبادات ومبادئ التصوف
وقد ألف الشيخ في كل قاعدة من قواعد الإسلام رسالة مختصرة وهي:
٦- تحفة الصبيان في التنبيه على عقائد الإيمان. هذا في التوحيد
٧- إتحاف البُغية في حكم الصلاة ومسائل الجمعة. هذا في الصلاة
٨- تبليغ الأمانة في التحذير من منع الزكاة ومن معاملة الربا والتغابن في التجارة.
٩- نصيحة الإخوان في أداء صوم رمضان.
١٠- نصيحة الحجاج ممن يريدون السير على المنهاج.
١١- عقد الجمان في سيرة خير بني عدنان. وهو ألفية في السيرة.
١٢- الأدلة المغنية في مهمات مسائل الأقضية.
١٣- المقصد السَني في عمل المولد النبوي.
ولولا مخافةُ طول القائمة لذكرنا كل المؤلفات ومحتوياتها لكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
وهذه المؤلفات المذكورة والتي لم نذكرها لدليل واضح على مكانة هذا الجهبذ العلمية، وتنضاف إليها شهاداتُ أولئك الفطاحل المعاصرين له في بلدان مختلفة، فهم أدلوْا بشهادات نابعة من قلوبهم الصافية والنقية، وأثبتوا في كتاباتهم أن الشيخ فارس علمي لا تلين عريكته ولا تضعف شكيمته ومن تلكم الشهادات: شهادة الشيخ محمد انياس بن الشيخ الحاج عبد الله انِيَاس الكولخي عند تقريظ كتاب الشيخ ” نصيحة الإخوان فيما تحصل به مرضاة الرحمن” قال:
أَأُميط جهرا عن لثام جُمان # أم ذي قلائدُ فُصّلت بجُمان
أم روضة غنّاء غنّى ضحوة# فيها الحَمام بيانع الأغصان
أم هذه درٌّ رمى أصدافها# أمواج بحرٍ زاخر صمداني
هذا لبحر شريعة وحقيقة # قد عزّ إدراكا على الأقران
ابنُ المَغيلي لا يُشق غباره # في كل علم فارسُ الميدان
شيخ فشا بين البرية صِيته # ضربت به الأمثال في البلدان.
ويقول عنه الشيخ أبو بكر سه بن الشيخ الحاج مالك سي العلامة :
ألا إنه بحر تموّج قعرُه # وتيَّاره يُعيي العوائم في البحر
وساحل هذا البحر يكفي لسابح # يلاقي بما يهواه في السر والجهر
ويقول عنه الشيخ عبد العزيز الدباغ نجل الشيخ الحاج مالك سيه أيضا عند تقريظ كتابه المذكور: ” فإني طالعت تأليف الأستاذ الأجل، المربي الأمثل، العالم العلامة، الجامع بين علمي الشريعة والحقيقة، قدوة الخلف ونخبة السلف، محي السنة، وباعث شريعة رسول الأمة حبيبنا وأخينا نسبا ودينا، الشيخ الحاج محمد فودي بن الشيخ محمد المَغيلي الكاسماسي”
وهناك شهادات كثيرة صادرة من معاصريه في السنغال أمثال الشيخ أحمد عيان سه الأندري، والشيخ محمد الأمين بن الزبير في كُلدا، والشيخ العلامة الحاج عباس صلّ الذي قال عنه :
وإذا البلاد تشرفت لذرى العلا # بالساكنين لها بها إجلال
فلِكاسماسِ بمِصره مرساسُ بال# حِبر الشهير المرتضى إهلال
نجل المَغيلي السَرِيِّ محمد # فُودي الهُمام القدوة المِفضالُ
بحر العلوم الزاخر الأمواج من# وهبِ المهيمن من له الإفضال
مزج الشريعة بالحقيقة وارثا# سر الجدود له وهُم كُمّال
وهذا الاعتراف بمكانة الشيخ العلمية ليس من علماء السنغال المعاصرين له فحسب، بل حتى في الخارج كبلاد الشنقيطي وبالتحديد علماء بُتِلمِتْ، وغنيا كوناكري، وغامبيا، ومن العلماء الغامبيين الذين أثبتوا تضلّعه في العلم العلامةُ الشيخ علي بدر فاي الذي قال عنه:
أما ترى المجتبى فودي مكانته# طارت إلى أطلسِ الأفلاك مرتفعا
قد حاز في العصر خَصل السبق مُنفردا # وهو المِحكّ الذي تُذكى به النُصَعا
تأليفُه شاهد أعني: نصيحتَه: بأنّه البحر في علم قد اتّسعا
ويقول عنه العالم الغامبي الآخر الشاعر يونس كاه
سُيوطيُّ هذا القرن كان بكثرة ال# تآليف مع بثّ العلوم والغزائر
وكيف امتداحي من له الكون مادح# بإحيائه دينَ النبيّ ذي المفاخر
وهؤلاء المذكرون هم معاصروه وإخوانه وإن لم تجمعهم لُحمة النسب، لكن لحمة الدين والدعوة ونشر العلم والتربية جمعتْهم، وهم علماء وقامات علمية كبيرة لم تغرّهم الدنيا بحظوظها، ولم يطأطئوا رؤوسهم لعاصفة هوجاء فضلا أن يدلوا بشهادات تملّقا وتزلّفا لشخص ما ، فما يقولونه من شهادات على إخوانهم العلماء، فهو من باب الاعتراف لأهل الفضل فضله، فهم من أهل الفضل، ولا يعرف الفضل لذويه إلا أهله، فهم الجديرون للإدلاء بالشهادة على مكانة الشيخ العلمية؛ لأنهم من أهل الفضل الذين يمتازون بشفافية الروح ويستلهمون الجمال العلمي بمختلف ألوانه ويبوحون به أيا كان مصدره.
موقفه في محاربة البدع والعوائد المخالفة للشريعة:
لما بدأت المجتمعات تعيش في أتون العادات المخالفة للشريعة وتقتات لنفسها الجهل والانفلات من قيود التعاليم الدينية وتغرق في بحار البدع والفساد الأخلاقي، سلّ الشيخ سيف النصح وتقويم ممارسات الناس في أصعدة الحياة المختلفة بُغية بناء حياة سعيدة بعيدة عن غائلة البدع والفساد الديني، لتعيش المجتمعات في أفياء هدي وحي السماء وتستظلّ بظلاله
انطلاقا قوله تعالى ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾
﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ﴾ يرى أن هذه الأمة أمة معيارية لا تتحقق خيريتها المنصوص عليها في هذه الآية إلا بقيامها بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي من مقتضاهما تصحيح العقائد وتقويم الأخلاق وممارسات الناس الدينية، ومن هنا وجه سهام النقد والتصحيح في العوائد المنتشرة في عصره المخالفة للشريعة في باب النكاح، والوليمة وحقوق الزوجين وفي باب الطلاق والرجعة والخلع وفي باب العدة كجعل عدة الوفاة أربعين يوما، وفي باب الحضانة، وفي العقيقة يقول فيها” ومن البدع ما يُفعل في بعضها إذا كان المولود لا يعيش لوالدته ولد يغيرون اسمه الذي سُمّي به بلفظ يرجع معناه في لغتهم للعيش، أو يسمونه باسم شيء رديئ في لغتهم كالحشيش والخرقة والمزبلة، وقد يسميه باسم جنس من أجناس المجوس، وأنه لا يعيش إلا إذا فُعل به بعض هذا، وكل ذلك محرم فإنه من وحي إبليس وأمره” وقد حارب هذا الاعتقاد كما حارب مظاهر التبرج والسفور والاختلاط في العقائق، وحارب البدع والعوائد المخالفة للشريعة في الختان بكل جرأة يقول في ذلك: ” ومن البدع المحرمة ما يُفعل في بعضها من أنهم يَختنون الصبيان حين يبلغ كلّ واحد منهم حدّ الختان بإخفاء ويعبّرون عن ذلك بختان السنة ثم يجمعون كثيرا من من المراهقين والصبيان فيجتمع عند الفاعل جميع أهل تلك البلدة وحواليها رجالا ونساء مدة ثلاثة أيام بلياليها يلعبون بجميع أنواع الملاهي ويذبحون كثيرا من البقر والغنم، وبعضهم يذبحون عن كل صبي بقرة ثم يذبحون بهم إلى الصحراء ويجمعونهم بها ثلاثة أشهر، ويكون معهم جميع شبان تلك المحلة للأكل واللعب في جميع تلك المدة على حالة لا تصلح معها صلاة ولا إكمال طهارة، وهكذا النساء يفعلن بالجواري….” وهكذا حارب البدع في باب الجنائز، ودعا إلى الوحدة ونبذ الفرقة بين الطرق الصوفية والتعصب، وخلاصة القول هي أن الشيخ يؤمن بوحدة القلوب لا وحدة العقول، وقصيدته” تنبيه الأغبياء على اتحاد طرق الأولياء” دعوة إلى ذلك.
مخرجات مجلسه : باعتبار نشر العلم هدفا ساميا وغاية نبيلة عظيمة، فقد جعل مجال التربية والتعليم ساحته الفيحاء وأنفق في حقولها الخضراء وقته وجهده وماله لبناء الإنسان بناء ربانيا، وقد شاء الله أن تخرّج بين يديه رجال من أهل العلم والصلاح ومن طلابه المشهورين من أهل السنغال:
١- الشيخ الحاج سيدي جابي نزيل قرية تسليم، وهو أكبر أولاد الشيخ محمد فودي جابي وناشر تراثه وكتبه
٢- الشيخ الحاج سالم الشهير ب (الحاج كرمبا كِيبَا) وهو ابن شقيقه الكبير الشيخ محمد التسليمي جابي.
٣- الأستاذ الحاج محمّد سيسي نزيل مدينة “انجُومُ” في فوتا طورو.
٤- الإمام الحاج باطورا سيسي، نزيل مدينة “كَبِندُ.
٥- الشيخ الحاج محمّد المغيلي مِنتِي الشهير ب (الحاج انفَا منتي) نزيل قرية طوبى كُتَ في منطقة كاسماس.
٦- الأستاذ القدير “علي جالي من دولة السودان العربية:
ومن طلابه المشهورين من أهل غينيا بيساو:
١- الأستاذ علي سيد الفلاني من أهل ووي دونتو.
٢- الأستاذ عرفن خليل بِيَاي من منطقة بِراس.
٣- الأستاذ خليفة جَيْتِي نزيل قرية “بِنَارْ”.
٤- الأستاذ عرفن كيبا سُنكُ من أهل جِدَاجِ.
ومن طلابه المشهورين من أهل غينيا كناكري:
١- الأستاذ الحاج سُواربا جابي نزيل مدينة بُوكِّي، وهو ابن أخيه الكبير الشيخ الحاج عثمان جابي الشهير ب “كَرَن تَاتِي امبِمبَا جابي”.
٢- الأستاذ الحاج با إبراهيم تَنجًا نزيل مدينة بُوكِّي
٣- الأستاذ الحاج فودي سالم قِرَاسِي الشهير ب “الحاج امبِمبَا قراسي نزيل قرية كَنكَيَارْ.
٤- الأستاذ الحاج شريف يوسف دَنسُخُ الشهير ب “شِرْفُ دنسخ” نزيل مدينة “كَانغَا”.
ومن طلابه المشهورين من أهل غامبيا :
١- الأستاذ عبد الله دِبَسِ من أهل جاخابا، ولكنه يسكن حاليا في بلاد الحرمين.
٢- الأستاذ الحاج خليل كنتي من أهل بَدِبُ انجَابَ كُندَا.
٣- الأستاذ الحاج إبراهيم جابي من أهل قرية جَاخَابَا.
٤- الأستاذ الحاج محمّد ساخو نزيل مدينة دِبَكُندَا.
٥- الأستاذ الحاج با لامين نُوبَهْ من أهل سَابِجِ.
٦- الأستاذ عبد القادر غسنم الشهير ب “قُطُبُو غَسَنمَ” نزيل كُنبُ سِفُو.
زوجاته وأولاده: وأما زوجاته فهن:
١- أم الخير غراسي وهي الأولى وهي والدة الشيخ الحاج سيدي جابي
٢- حجّ فاتو جخبي وهي ابنة خاله.
٣- حجّ أُنْسَنْما جابي من فوت طوبى
٤- آمنة جابي ابنة جيربا جابي نزيل قرية جاتا كندا
٥- كُمب كِينِي كمار من قبيلة سرخولي
٦- آدم جوب وهي ولوفية من دكار
وهو تزوج ببعضهن بعد وفاة أخرى أو طلاق، لم يخرج قط عن الحد المشروع في العدد.
و أما أبناؤه فهم :
١- الشيخ الحاج سيدي جابي
٢- الحاج محمّد المغيلي جابي
٣- سيد المختار جابي
٤- الحاج أحمد جابي
٥- الحاج يدالي جابي
٦- الحاج إدريس جابي
٧- مصطفى جابي
٧- كرنبا جابي
٨- محمّد الخير جابي
٩- محمد كاسو جابي
١٠- سعيد جابي
١١- أحمد بمب جابي
١٢- عبد العزيز جابي
١٣- عائشة جابي
رحيله إلى الرفيق الأعلى :
بعد حياة قوامها نشر العلم والدعوة الإصلاحية انتقل الشيخ إلى الرفيق الأعلى ليلة الاثنين سنة 1980م في مدينة مرساسُ، ودُفن بوصية منه في قرية تسليم التي بناها نجله الشيخ الحاج سيدي جابي تحت إشرافه 1976م، فالشيخ واحد من علماء كاسماس الذين أسهموا في رفع صرح العلم والثقافة الإسلامية في السنغال وفي البلدان المجاورة، عليه وعلى أسلاف أسرته المباركة واللاحقين به، شآبيب رحمة الرضوان.
Tarabya su kaçağı tespiti Eyüp su kaçağı tespiti: Eyüp’te su kaçaklarını teknolojik cihazlarla buluyoruz. https://sosyalanne.com/read-blog/5559