Articles

السنغالي بين الأعياد والولائم ..أعباء لا تنتهي !

بقلم الأستاذ أحمد جاه

 تردّدنا كثيرا في اختيار عنوان يناسب ما يعتلج به الصدر تجاه الأوضاع الاجتماعية التي نعيشها في السنغال مع المناسبات الدينيّة والروحية أو العائليّة والفلكلوريّة؛ أيكون العنوان: السنغال في قيود الولائم، أم السنغاليّ أمام المناسبات، أم الاقتصاد الوطني بين هوّات الأعياد المتقاربة والحفلات الاجتماعية.. 

  لو حاولنا تعداد ما في السنغال من أعياد وولائم رسميّة وغير رسميّة، هل يمكن لصفحة واحدة دون هوامش أن يستوعبها؟ نذكر منها: يوم الاستقلال الوطني، في وطن يريد أن يستقلّ تربويّا واقتصاديّا واجتماعيّا، ولمّا يتوفّرْ له. ومن تلك الأعياد والمناسبات: أيّام ميلاد المسيح .. يوم نهاية السنة الميلاديّة .. عيد الفصح ... بين أعياد مسيحية أخرى، في مجتمع لم تتجاوز فيه نسبة النصارى 5% من مجموع أفراده. أيّام عيد الأضحى .. عيد الفطر .. العاشوراء .. أيام التعظيم .. أيام المولد .. ولائم شكر .. مؤتمرات منظّمات نقابيّة أو دينيّة ... بين أيّام وليال أخّر ينظمّها المجتمع السنغالي وحده، تارة، ومع هيئات الحكومة وإداراتها في غالب الأحيان. حسب الوزن التاريخي أو العقدي أو الاجتماعي؛ وأحسب ـ مع ضيق أفقي في التحليل التنموي أنّ هذه الأعياد بولائمها يُعتبر قيودا ترسف بها السنغال بكاملها عن مسار التنمية الشاملة والتقدّم والازدهار، والالتحاق بركب الدّول المتقدمة.

 أما الفرد السنغالي وخاصّة المتزوّج الشابّ يعيش احتمالات معقّدة، جعلت كثيرا من الشباب يتخوّفون من الزواج ويعيشون بين أحلام اليقظة وكوابيس الليل! نتيجة المناسبات العائلية الفلكلوريّة من حفلة يوم العقد، يتبعها حفلة استقبال الهدايا RECEPTION ثم حفلة عرض الحناء HENNE TIME  بعد ذلك أيام الزفاف بولائمها... وإذا قدّر في الزواج ولد؛ فالعقيقة الكبرى إكراما للولد البكر .. مع أعياد يوم الميلاد anniversaries للوردة الحبيبة،  أو للولد المدلّل ...وعلى هذا فكم سنة يَدّخر؟ وكم ملايينَ سينفِق هذا الشاب؟ وكم مساعدات تجمع من أفراد أسرته المقرّبين وأصدقائه الأوفياء؟ وقد يستدين مبالغ ضخمة، حتّى يضمن نجاح هذه الحفلات بكلّ فخر واعتزاز؛ ليتلقّى تراكيب المدح من قوَّالين وفنّاني الحفلات، ويتأهّل بتقَلُّد وِسام أفضل من يكرم النساء والأطفال!

 نعم نجاح هذه الحفلات تخصّ الفرد السنغالي كفرض عين عليه وإن كان يُسهم في الإنفاق عليها وترتيبها من أشرْنا إليهم قريبا من أقرباء وأوفياء. أضف إلى ذلك نفقات الأعياد والحفلات الجماعيّة والمناسبات الوطنيّة، والتي على الشابّ المرجُوّ ـ في السنغال ـ أن يُسهم في نجاح كلّ منها على حدة! كما يلزم على الشاب المتزوّج بدرجة لا تقبل المجاملة من المجتمع إذْ "يُعفى عن العازب في الأعياد ما لا يسمح للمتزوّج" مهما قلّ دخله مقارنة مع عازب يتلقّى من الدخل أضعاف ما للمتزوّجين، في السنغال.. فيصبح الزواج مسؤولية وغرامة اجتماعية في سنغال المفارقات! رُحمى للشباب المتزوّجين، ورُحمى للمقبلين إلى الزواج!

  من هنا يمكن أن نتساءل عن الأثر التنموي لهذه الأعياد والحفلات والمناسبات الوطنية والاجتماعية في وطننا هذا.. وقد تختلف الاتجاهات في تقويم أو تقييم مؤشرات النماء الاقتصادي والازدهار بأبعاده، لكن سننزِل بالحوار لنتفاهم مع القارئ الجليل، الذي نتشرّف بتبسيط البراهين معه، لنقول: إذا كانت السنغال دولة على سبيل التطور؛ وفي كلّ سنة دراسيّة تخسر عشرات أيام بساعاتها؛ لأجل التعيّد والاحتفال على حساب التحصيل العلمي في المدارس والجامعات، كما تخسر طاقات غالية؛ تُصرف في الرقص والغناء والطبخ ونصب الخيام؛ لتنشيط المناسبات الدينيّة والاجتماعية والفلكلوريّة؛ وهي طاقات لو صرفت في ردم واد يمتلئ في موسم الخريف، أو حفر برَك لجمع مياه الفيضانات، قصد استغلالها في مواسم الجفاف للزراعة وسقاية المواشي، أو صرفت لتنظيف شوارع مدينة، أو ساحة قرية ... لكان أجدى في سبيل التنمية وأحرى.

 ننفق من الأموال في الأعياد والمناسبات ما لو جمع في إحصاء دقيق وشامل، لكفى في تمويل مؤسّسات اقتصاديّة صغيرة ومتوسّطة ـ وربما ـ كبيرة، حسب حجم المناسبة.. أمّا الاجتماع للأكل والشرب والتفاخر باللباس والحلي واللهو واللعب وتوزيع الأوراق البنكيّة BATTRE  مثل هذه التصرّفات لن يرفع من الناتج المحلّي "حتى يلج الجمل في سم الخياط"   بل يبقينا في هوّة من التخلف عميق.

 أذكر قصّة أمٍّ فهمت صعوبة المعادلة الحالية، فتصرّفت بحكمة في منظور البعض المتنوّرين وتلقّت انتقادات لاذعة في ظلال الأشجار عند نقاش سيّدات لا يوافقن معها في هذا التصرّف .. لأنها بدَل أن تأتي بهدايا متفرّقة من أقمشة وآواني وحُليّ وكؤوس ونعال وعطور... لتُوزَّع شذر مذر إلى قريبات زوج بِنتها .. قد اشترت ثلاجة كبيرة وقدّمتها في مساء يوم العقيقة الكبرى لبِنتها، وأرشدها إلى إنتاج الثّلج والحلويّات؛ لتربح ما تستعين به في تكاليف البيت، وتُعاوِن به زوجه الشابّ في مواجهة النفقات اليومية. 

  والسؤال المطروح متى نفهم المعادلة مثل فهم هذه الحَماة ونصبر على انتقادات فارغة من الموضوعية؛ حتّى نتحرّر من قيود الولائم الفخريّة، ونشارك في انتشال الاقتصاد الوطني بين هوّات الأعياد المتقاربة والحفلات الفلكلوريّة؟ 

مفتش التعليم العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى