actualite

السنغال والصراع علي الهُويَّة

محمد علواني

إن هُوية الإنسان هي دينه الذي ينتظم حياته؛ بقيمه ومبادئه، وأخلاقه وسلوكه، وأفكاره وتصوراته، وهي ثمرة العقيدة، والعقيدة جزء لا يتجزأ منها، وعلي قدر قوة هُوية المرء يكون أثره في المجتمع من حوله، وقبوله أو رفضه لأي مبادئ أخرى تناقض هُويته.

والإسلام هو هُوية المسلم، بشموله وعمومه، بعقيدته وشريعته، بأخلاقه ومعاملاته، وعندما نقول: إن هُويتنا إسلامية، فمعني ذلك أننا نؤمن بعقيدة هذه الأمة، ونعتز بالانتماء إليها، ونحترم قيمها الحضارية والثقافية، ونتجمل بإبراز شعائر الإسلام، ونعتز ونتمسك بها، ونشعر بتميزنا عن الأغيار على اختلاف عقائدهم، ونؤمن أن علينا واجبًا تجاه ديننا بالتزام منهجه وتبليغه إلي الناس، وحملهم عليه.. هذا، وبقدر التزام المجتمع بقيم الإسلام ومبادئه، بقدر قوة أو ضعف هُويته الإسلامية.

والسنغال بلد تتنازعه هُويات ثلاث:

الهُوية الأفريقية: وهي القِيَم والمبادئ، والمعتقدات والأخلاق والسلوكيات التي كانت تسود المجتمع من قبل أن تشرق عليه شمس الإسلام، والتي ما زالت لها الأثر الذي لا يمكن إغفاله في تشكيل وجدان وعقلية وتصورات المسلم السنغالي حتي الآن.

والهُوية الإسلامية، وهي شغل الدعاة الشاغل في الحياة، فبها يبشرون، ومن أجلها يجاهدون، وفي سبيل نشرها وحمل الناس عليها يضحون بالأرواح والأموال، وكل رخيص وغالٍ.

والهُوية الغربية: هُوية فرنسا، وهي التي منذ أن وطأت أقدامه أرض السنغال وهو يحاول فرضها على المجتمع فرضًا، ويبذل أقصى ما يستطيع في سبيل سلخ المجتمع من هُويته الإسلامية، وصبغه بهُويته الفرنسية، حتى يضمن ولاءه الدائم له، ودوام غفلته عن حقيقة دينه، ودوام عزلته عن أمته.

ولقد كان _ ولا يزال _ الصراع علي هُوية المجتمع السنغالي حربًا ضروسًا بين أنصار الهُويات الثلاثة، انتصر فيها الإسلام حين فرض نفسه دينًا على المجتمع حتى اعتنقه أكثر من 95% من أبناء المجتمع السنغالي، فانتصر الإسلام في هذه الجولة على الوثنيين، ثم انتصر علي المستعمر الذي حاول تنصيرهم.

والحرب الآن ضروس بين دعاة الإسلام والمستعمر وأذنابه على حقيقة الدين التي يعمل المستعمر ليلًا ونهارًا على طمسها وتشويهها وإطفاء جذوتها في قلوب أبناء الأمة، ولعله نجح كثيرًا في ذلك؛ ففرض ثقافته على المجتمع، وأكسبه لغته، ودرَّس أبناءه تاريخه، وغيبهم عن تاريخ أمتهم، وصبغهم بصبغته، حتى إنك لتظن أنك في فرنسا غير أن البشرة سوداء!

مكونات الهوية الثلاثة

وقد دار الصراع على مكونات الهوية الثلاثة وهم:

أولاً: العقيدة: ونقصد بها الدين فكرًا وشريعة، وعقيدة وسلوكًا، فـ«الهوية الإسلامية في المقام الأول انتماء للعقيدة، يترجم ظاهرًا في مظاهر دالة على الولاء لها، والالتزام بمقتضياتها.. والعقيدة أساس الدولة والفرد والمجتمع، وأساس تكوين العقلية والنفسية، وأساس الدستور والقوانين، وبالمجمل هي أساس كل شيء في حياة المسلمين، واستهدافها بالهجوم لا يُراد منه تبديلها، وإحلال غيرها محلها، بل يعني فصلها عن الحياة اليومية، وإبعادها عن كل مناحي الحياة، وبذلك يسهل علي المستعمر فرض ثقافته علي المجتمع، وضمان ولائه، وتحييده عن هموم أمته وقضاياها.

وكان من سبل الحرب على العقيدة في السنغال: فرض علمانية الدولة، وتحييد الدين عن السياسة، فالعلمانية هي مذهب المستعمر في الحكم، ولما قرر الرحيل عن السنغال عسكريًّا، لم يرحل عنه سياسيًّا ولا ثقافيًّا، وخلَّف في البلاد من رباهم على مذهبه وثقافته وضمن ولاءهم له، فكانت المادة الأولى من الدستور السنغالي تنص علي أن «جمهورية السنغال علمانية ديمقراطية واجتماعية، تضمن تساوي جميع المواطنين أمام القانون، دون تمييز بسبب الأصل أو العرق أو الجنس أو الدين، وتحترم جميع المعتقدات»، ومن هنا يحظر القانون السنغالي تأسيس أي أحزاب سياسية على أساس مرجعية دينية.

ومن سبلها أيضًا دعم أصحاب العقائد المنحرفة ماديًّا ومعنويًّا، والترويج لمذاهبهم، فالمدارس الكاثيولوكية مثلًا تحظى في السنغال بدعمٍ أكبر بكثيرٍ مما تحظي به المدارس العربية من حيث الدعم المادي، ومن حيث تسهيل إجراءات الترخيص، وكثير من هذه المدارس قد يفرض نظامُها على بنات المسلمين الملتحقات بها زيًّا مخالفًا للشريعة الإسلامية، كما تنفذ هذه المدارس أجندة التنصير في السنغال؛ فهي لم تُنشأ إلا لهذا الغرض.

ثانيًا: التاريخ:

فأمة بلا تاريخ هي أمة بلا مستقبل، وبالتالي فهي أمة بلا هُوية، مما حدا بعض الأمم التي لا تملك تاريخًا مشرفًا إلي أن تقوم بترقيع تاريخها، وتأليف أمجاد لها، بل وتسعى في أحيانٍ أخرى إلى سرقة التاريخ من غيرها، حتى تُنَشِّئ أبناءها على الاعتزاز بالانتماء إليها والعمل على نهضتها ورفعتها.

وتاريخ أمتنا يختلف عن تاريخ غيرها من الأمم، فهي أمة بدايتها مع بداية الخليقة، لأن الرباط الذي يربط أبناءها هو رباط العقيدة، فتاريخها هو تاريخ النبوة المتصل بآدم عليه السلام، والممتد حتي رسالة محمد عليه الصلاة والسلام.

ومما يؤسف له في السنغال أن مناهج التعليم في المدارس العمومية، وكذلك في الجامعات، يحظي فيها تاريخ الغرب بنصيب الأسد، بينما لا تكاد ترى أثرًا لدراسة التاريخ الإسلامي؛ فحتي البكالوريا تكاد تكون دراسته منعدمة، وفي المرحلة الجامعية دراسته قاصرة على القسم العربي، ومصادره ما كتبه المستشرقون، ممارسةً لتجهيل أبناء الأمة بتاريخهم، وتوجيهًا لانتمائهم نحو الغرب، ولعل المدارس العربية بالسنغال لها جهد مشكور في هذا الميدان، فتقوم بتقديم صفحة مشرقة من تاريخ الأمة الناصع لأبنائها، إلا أن ذلك لا يكفي، ويجب أن يتعداه إلى كل المناشط الدعوية حتى تقف الأمة جيدًا على تاريخها، فتستفيد من ماضيها لحاضرها، وتستشرف به مستقبلها، كما يجب كذلك بذل الجهد في الميدان العلمي لتوفير العدد الكافي من المتخصصين في التاريخ الإسلامي، وفي الميدان السياسي بالمطالبة بتعديل مناهج التعليم بما يخدم هذا الشأن.

ثالثًا الثقافة:

والثقافة في نسقها الإسلامي تعنى علوم المجتمع وآدابه وقيمه إلى جانب اللغة المعبر بها، والهوية الثقافية لأمتنا لا يمكن أن تخرج بحالٍ من الأحوال عن الهوية الإسلامية، فثقافتنا إذن محكومة لا حاكمة، تسيرها ضوابط الشريعة وتقيسها، فما وافق الشرع قُبل، وما خالفه رفض ورد، وهذا المعنى هو جوهر الهوية الإسلامية وغايتها.

واللغة حافظة وناقلة لهذه الثقافة، فهي تحفظ للأمة وحدتها وترابطها، وتمكن أفرادها من التواصل والتعبير عن تركيبهم الثقافي والقيمي، وفيما يخض اللغة العربية فهي أصل أصيل، ومركب لازم من لوازم هوية هذه الأمة، فهي لغة القرآن، وضياعها ضياع لهذا الدين؛ لذا فإن تعلمها والحفاظ عليها واجب، حتى قال ابن تيمية رحمه الله: «اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهمان إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».

ولذا فأول ما فكر فيه المستعمر ليسلخ الأمة من هويتها هو أنه فرض لغته علي البلاد التي احتلها فرضًا، وعمل عملًا دؤوبًا على حرب التعليم العربي، فأصبحت اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للبلاد، ونصت المادة الأولي في الدستور السنغالي على أن «اللغة الرسمية للسنغال هي الفرنسية»، فبها يتم التعليم، وبها تكتب الدواوين، ويُتعامل بها في المصالح الحكومية، حتي ربى أجيالًا جاهلة بتاريخ أمتها، تفكر برأسه، وتؤمن بثقافته، وتحترم تصوراته، وتصدق أكاذيبه وأراجيفه.

ميادين الصراع على هُوية الشعب السنغالي

ولقد كان الصراع على هوية الشعب السنغالي في ثلاثة ميادين، وهي:

الميدان الأول: ميدان الجهاد المسلح ضد الوثنيين والمحتل الفرنسي

وحول هذا الميدان نستطيع أن نقول: إن الصراع قد بدأ فيه منذ بداية القرن السابع عشر الميلادي وحتى العقد السادس من القرن التاسع عشر، إذ قامت حركات جهادية مناهضة للوجود الأجنبي في المنطقة تحت قيادة زعامات دينية سنغالية كان منها:

١_ حركة الشيخ سليمان راسين بال في فوتا، حيث تمكَّن من القضاء على الحكم الوثني في دينيان كوبي وأقام بها دولة إسلامية في القرن الثامن عشر الميلادي عرفت بالدولة الإمامية نسبة إلي الأئمة الذين كانوا يقودون حركة المقاومة في هذه المنطقة، وتم تطبيق الشريعة الإسلامية في هذه الدولة في جميع نواحي الحياة.

٢_ وخلفه الشيخ عبد القادر كن في حكم هذه الدولة، فشهدت منطقة فوتا في عهده نهضةً دينيةً وثقافيةً منقطعة النظير حتى أصبحت فوتا في عهده تعرف بأزهر الغرب الأفريقي، وبنى المساجد، وعين لكل مسجد فقيهًا يتولي فيه تعليم الناس أمور دينهم ويفصل في نزاعاتهم، وفرض له راتبًا مقابل هذه الوظيفة.

٣_ ثم جاء الشيخ المجاهد: عمر الفوتي تال، والذي كان له جهد كبير في نشر الدعوة الإسلامية في السنغال بالتعليم والتأليف، فله مؤلفاته التي يحترمها السنغاليون، ثم عمل على توحيد كلمة المنطقة، فأعد العدة، وجند الجنود، وأعلن الجهاد سنة ١٨٤٨م ضد الوثنيين أولًا؛ فاستقر له الأمر في مناطق شاسعة في السنغال، ثم ضد المحتل الفرنسي الذي عمل على التصدي لحركته الجهادية حتى هادنوه في نهاية الأمر، وتم بينهما صلح اضطر إليه حتى يتمكن من نشر الدعوة في السنغال، وحمل الوثنيين على اعتناق الإسلام، فكانت مملكة فوتا الإسلامية التي طبق فيها الشريعة، فتم تحريم الخمور ولحم الخنزير، وتم ضبط الأحوال الاجتماعية وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وأقام العدل بين الناس، وظل مجاهدًا في سبيل الله إلي أن سقط شهيدًا سنة ١٨٦٤م مع عشرات الآلاف من الشهداء الذين بذلوا دماءهم في سبيل نشر دعوة الإسلام كما يؤمنون.

٤_ وجاء بعد ذلك الشيخ المجاهد: مابا جاخو باه

ولقد أوقد شعلة الجهاد والمقاومة في نفوس أبناء منطقة السنغامبية ضد المحتل الفرنسي ابتداءً من سنة ١٨٦٥م وحتى سنة ١٨٦٧م، وتمكن من إقامة دولة إسلامية فيها بعد قضائه على الدولة الوثنية التي دامت فيها أكثر من ستة قرون ونصف القرن، وقاد حملة سلمية واسعة لنشر الإسلام بين الوثنيين، وخاض معارك جهادية ضد القوى الظالمة التي تحول بين الناس وبين الإسلام منها: معركة ندوف ونغور، ومعركة: نيوجور، وأصبحت في عهده المنطقة من ضفاف نهر السنغال إلي ضفاف نهر غامبيا دولةً مستقلةً تتمتع بالعزة والمنعة والكرامة.

وبالطبع فلن يقف الاستعمار الفرنسي مكتوف الأيدي ومثل هؤلاء الأشاوس موجودون في المجتمع، فعمل على استقطاب الكثيرين بالترهيب والترغيب، حتى استطاع أن يجعل الخلف يتخلون عن منهج السلف، ويقنعون أنفسهم بترك الجهاد والرضا بالواقع ومهادنة المستعمر للتفرغ للتعليم ونشر الدعوة، لتبدأ مرحلة جديدة ما زالت إخفاقاتها تتجدد، ليتحول الصراع على الهُوية إلى ميدان آخر، فكان ميدان التعليم!

الميدان الثاني: ميدان التعليم

لقد كان الهدف من التعلـيم زمـن الاسـتعمار وبعده مسـخ الهويـة القوميـة وإبـدالها بالثقافـة الغربية، وحول ذلك كتب موريس دالافوس بوصفه واليًا عامًّا علي هذه المنطقة في مجلة «ADF» سنة ١٩١٧م، وكذلك جورج هاردي الذي كان في ذلك الوقت يشغل منصب مدير التعليم العمومي يخاطبان المعلمين الفرنسيين آنذاك بقولهما: «إن السبيل الوحيد لتغيير المجتمعات البدائية في مستعمراتنا _ وجلهم مؤمنون بغايتنا، ومساهمون في تنفيذ برامجنا _ هو توفير التعليم للمواطنين منذ صغرهم حتي يتكيفوا مع عاداتنا العملية والخلقية»

ويتحدث «بريفي» الذي كان «حاكمًا عامًّا» على الغرب الأفريقـي سـنة 1351هـ = 1933م

عــن أهــدافهم بشــكل أوضــح فيقــول: «إن مــن واجبنــا إضــافة إلى المتطلبــات السياســية والاقتصادية أن يكون لنا هدفان من التعليم:

الأول: تكوين كفاءات وطنية لخدمتنا في كل المجالات.

الثاني: تغيير نمط حياتهم حتى يتوافق مع مقاصدنا الحضارية.

وهذا فيدرب: أحد ولاة فرنسا في السنغال زمن الاستعمار، يقول صراحة: «نحن الحاكم في السنغال، وكل من يعملون معنا باسم فرنسا، نعلم بأن أكبر شيء يجب علينا أن نسيطر عليه هو تربية الأولاد في البلدان المستعمرة، بالإضافة إلي أن الحكومة الفرنسية التي تهتم بشؤون العائلات والأسر لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي أمام تربية أبناء المسلمين».

وما كان للمخلصين من أبناء الشعب السنغالي ودعاته أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام مخططات المستعمر والإجراءات التي اتخذتها حكوماته المتعاقبة تحقيقًا لهذه الأهداف دون أن يقولوا كلمتهم ودون أن يتخذوا الموقف الذي يفرضه عليهم واجبهم تجاه دينهم وعقيدتهم ووطنهم وأمتهم، فنشطوا في إنشاء المدارس العربية والكتاتيب، وغذوها بالمحتوى العلمي الذي يحافظ علي هوية الأمة، وأوفدوا أبناءهم إلي الدول العربية حتى يكتفوا من الكفاءات القادرة على تدريس العلوم الشرعية واللغة العربية في مدارسهم، حتي أصبح التعليم العربي الآن في السنغال ينافس التعليم الفرنسي من حيث الإقبال عليه، وإن كان مستواه لم يبلغ بعد درجة الإعداد الجيد للخريج بما يناسب متطلبات المجتمع، والأمر بالطبع راجع إلى قلة الإمكانات وضعف الدعم الحكومي، والحرب الموجهة ضده، إلا أنه جهد مشكور يُحمد لهؤلاء المخلصين استطاع إلى حدٍّ كبيرٍ التصدي لأهداف المستعمر وأذنابه.

ثالثًا: الميدان السياسي

ولقد سجل التاريخ كثيرًا من المواقف المشرفة لدعاة السنغال على اختلاف مشاربهم في هذا الميدان، ومن هذه المواقف:

١_ موقف شيوخ السنغال من قانون الأحوال الشخصية الذي يناقض الشريعة الإسلامية، والذي دفعه إليهم ليوبول سيدار سنغور _ أول رئيس للسنغال بعد الاستقلال _ لتدارسه، فاجتمع الشيوخ بدعوة من الخليفة العام للطريقة المريدية حينئذٍ الشيخ محمد فاضل امبكي، وكان ردهم علي الحكومة:« إن من جملة ما طالعنا من مشروع القانون أبوابًا وموادًّا تتعلق بالنكاح والطلاق ومدة الحمل والميراث وثبوت النسب، وهي قضايا وأحكام قد فصلت في الشريعة الإسلامية تفصيلًا لا مزيد عليه ولا داعي لتطويره، ولا يجوز لمسلمٍ الخروج فيها عن دائرة الشريعة الإسلامية في مصادرها الأربعة المعروفة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس»، وأتبع علماء السنغال ذلك بتأسيس لجنة (سيركوف) وهي اختصار يعني: التجمع الإسلامي لتغيير مدونة الأحوال الشخصية بالسنغال، وقاموا بتفصيل قانون للأحوال الشخصية بديلًا عن قانون سنغور، وقدموه إلي الحكومة علي شكل كتيبٍ صغيرٍ، وهذا العمل وإن كان لم يؤبه له شأنه شأن غيره من الجهود التي أهدرتها الحكومات المتعاقبة، إلا أنه كان مؤشرًا لكل المتآمرين علي هُوية الأمة أن في السنغال رجالًا يحبون الله ورسوله ويعون جيدًا ما يراد بهم وبدينهم.

ومما سجله التاريخ أيضًا في هذا الأمر لعلمائهم موقف الشيخ: عبد العزيز سه من هذا القانون، إذ قال:« لسنا في حاجة إلي هذه المدونة، ولا يملك أحد فرض مفاهيم وقوانين أجنبية على الشعب السنغالي وخاصة أنها تتصادم مع قناعات أبنائه».

٢_ تكوين الهيئة التأسيسية للجمعيات الإسلامية، والتي تضم اليوم أكثر من ثمان عشرة جمعية إسلامية، منها: جماعة عباد الرحمن وحركة الفلاح، وكان الهدف منها: وجوب إصدار بيانات موحدة تعبر عن موقف الإسلام من الأحداث السياسية التي تجري على الساحة الإسلامية عامة، وعلى الساحة السنغالية خاصةً، فليس الإسلام تجربة شخصية وعلاقة فردية بين العبد وربه كما يقولون، بل إن الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا، وعلى رجال الدين ألا يكونوا بمعزل عن المسرح السياسي وألا يتخلوا عن دورهم تجاه الشعب السنغالي، كانت هذه هي الفكرة التي جمعت من يطلق عليهم: أبناء الصحوة، فخرجت هذه الهيئة عن دائرة العمل الثقافي إلى النشاط السياسي واتخذت مواقف سياسية جريئة بين حينٍ وآخر، ومن ذلك معارضتها لزيارة بابا الفاتيكان للسنغال على شكل بيانات تم نشرها في الصحف والمجلات وتم وصولها إلي المعنيين، مما أدي إلي تأجيل الزيارة تحت هذا الضغط منهم. وعارضت كذلك المسابقة الدولية لاختيار ملكة الجمال الأوروبية التي قررت الحكومة السنغالية تنظيمها في مجمع الملك فهد للمؤتمرات بمناسبة انعقاد قمة المؤتمر الإسلامي بداكار سنة ١٩٩١م، وأرسلت رسالة مفتوحة إلى نواب الشعب تدعوهم فيها إلى الحيلولة دون حدوث هذا الحدث المشؤوم، كما شاركت في تظاهرة ضد كتاب سلمان رشدي: آيات شيطانية، وغيرها من المواقف.

٣_أصدرت جماعة عباد الرحمن بيانًا بتاريخ 9 يناير (كانون الثاني) 2021، طالبت فيه الحكومة السنغالية بسن قانون يجرم بشكل واضح المثلية الجنسية، كما طالبت الجمعيات الإسلامية والزعامات الدينية ونقابات المعلمين ومنظمات المجتمع المدني بالتكاتف والتصدي لمحاولات إدراج التربية الجنسية في قطاعات التعليم والإعلام والصحة، أتى هذا في إطار التصدي لدعوات بعض جمعيات حقوق الإنسان التي تروج للمثلية الجنسية تحت غطاء الدفاع عن حقوق الإنسان.

٤_ ولم يكن دعاة السنغال كذلك بمعزل عن قضايا الأمة المحورية، ففي التفاعل معها وحث الشعب السنغالي على مناصرتها تعزيز للهُوية الإسلامية؛ فقامت جمعيات إسلامية وعلى رأسها جمعية الرحاب الإسلامية، والتجمع الثقافي الإسلامي، ورابطة الأئمة والدعاة بالسنغال، وجماعة عباد الرحمن بتأسيس تحالف لمناصرة القضية الفلسطينية، وأعلن عن هذا التحالف بتاريخ 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، وعنه قال المنسق العام للتحالف عرفان جوف: «إن التحالف يأتي لقطع الطريق أمام الأنشطة «المشبوهة» التي تقوم بها السفارة الإسرائيلية بالسنغال من أجل اختراق المجتمع السنغالي عبر الدوائر الدينية.

وأضاف – في تصريحات للجزيرة نت – أن السنغاليين كانوا دائما يؤازرون الشعب الفلسطيني أثناء الاعتداءات والجرائم الصهيونية التي يتعرض لها على أيدي الإسرائيليين، لكن التحالف سيكون إطارًا دائمًا للتفاعل مع القضية الفلسطينية ولتوعية الشعب السنغالي بمختلف أبعاده»

وكما رأينا، فالحرب ضروس على هُوية هذا الشعب، كما هي ضروس على هُوية الأمة بأسرها، والمستعمر وأذنابه لا يألون جهدًا في سبيل سلخ هذا الشعب عن هُويته كما هو شأن كل الأنظمة الكافرة المعادية للإسلام وأذنابها في كل بقاع العالم، والهدف واحد: اغتيال الدين في قلوب أبناء الأمة، ومن ثم اغتيال الانتماء إليها _ فالعقيدة موحدة الأمة ورابطها الوثيق _ وذلك حتي يستطيعوا تحقيق أطماعهم ورعاية مصالحهم واستنزاف خيرات بلاد الإسلام بمباركة بعض أبنائها وتحت غفلة الباقين، وكما، أينا أيضًا، فما زال الخير في الأمة، وما زال بين أبنائها من يحبون دينهم، ويزودون عن حياضه، ويفطنون لمكر الأعداء، وان كانت الجهود المبذولة ما زالت دون المستوى الذي تفرضه الأحداث المتلاحقة، مما يوجب على كل المخلصين من أبناء الأمة أن يوحدوا جهودهم، وأن يطوروا أداءهم، وأن يفرغوا وسعهم في سبيل الحفاظ على هُوية الأمة، وتمسكها بكتابها، وسنة نبيها، وتنبيه الغافلين من أبنائها إلى ما يحاك لهم ويراد بهم، والله من وراء القصد، وعليه قصد السبيل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫41 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى