إضاءة القناديل في رمضان .. سُنَّة عُمرية
كتبه : منصور الدعجاني
•تذكر كتب التاريخ أن إضاءة المساجد كانت بدايتها في عهد النبي ﷺ عندما حمل تميم الداري معه من الشام إلى المدينة قناديل وزيتاً ، وعلقها في مسجد رسول الله ﷺ فلما غربت الشمس أسرجها فخرج النبي ﷺ إلى المسجد فإذا هو يُزهر فقال:”من فعل هذا؟ قالوا : تميم ، فقال: “نورت الإسلام نور الله عليك في الدنيا والآخرة” .
وفي عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن جمع الناس لصلاة التراويح على إمام واحد ، أمر رضي الله عنه بأن يضاء المسجد النبوي للمصلين بالقناديل ، فهو أول من أضاء القناديل في رمضان ، فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه مر على المساجد في رمضان وقد أضيئت بالقناديل فقال : ” نور الله على عمر في قبره كما نور علينا مساجدنا”
وفي أول توسعة للمسجد الحرام في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة ١٧هـ/٦٤٠م اشترى الفاروق دوراً ووسع المسجد الحرام وجعل له جداراً قصيراً وكانت المصابيح توضع عليه ، واستمرت جهود الخلفاء في إضاءة المسجد الحرام وكانت القناديل يزاد عددها تحديداً في شهر رمضان المبارك ،ففي القرن الثالث الهجري يذكر مؤرخ مكة ( الأزرقي ) أن عدد القناديل في المسجد الحرام بلغ ٤٥٥ قنديلاً ، وفي شهر رمضان يضاف عليها ثمان ثريات يكون لها ضوء كثير ثم ترفع في سائر السنة .
كما أن القناديل كان لها دور مهم في تحديد وقت دخول السحور ، ووقت الفجر والإمساك للصوم ، حيث يذكر ابن جبير و ابن بطوطة في رحلتيهما ما شاهداه في المسجد الحرام في شهر رمضان حيث ذكرا بأن القناديل كانت توضع على مآذن المسجد الحرام ، قبل الفجر في شهر رمضان لتدل على دخول وقت السحور ليراها سكان مكة الذين لا يسمعون نداء التسحير ، فإذا دخل وقت الفجر أطفئت القناديل وأمسك الناس للصيام .
وفي القرن التاسع الهجري يذكر تقي الدين الفاسي أنه في شهر رمضان يزاد عدد القناديل في المسجد الحرام حول المطاف لتضيء للطائفين وحول المقامات الأربعة وفي مقام إبراهيم وفي أروقة المسجد الحرام لتضيء أماكن الصلاة وقراءة القرآن وختمه في الليال العشر الأخيرة من رمضان .
وقد اهتم الخلفاء والسلاطين بزيادة الإضاءة في شهر رمضان في الحرمين الشريفين وفي سائر الجوامع في أقاليم الدولة الإسلامية فقد جاء عن أحمد بن يوسف الكاتب العباسي أن الخليفة المأمون أمره بأن يكتب لكل الأقاليم بتعليق المصابيح في رمضان إضاءة للمتهجدين وأنساً للسابلة وتنزيهاً لبيوت الله عن وحشة الظُلَم .
وجاء في نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب أن الخليفة الحكم المستنصر لما زاد في الجامع الكبير في قرطبة زاد في عدد قناديله وثرياته منها أربع ثريات كبار إحداها في القبة الكبرى وكانت تضاء في العشر الأخيرة من شهر رمضان .
فإذا قلنا أن من ضمن أوليات عمر بن الخطاب أنه هو أول من جمع الناس بعد النبي ﷺ لصلاة التراويح جماعة واحدة خلف إمام واحد بعد أن كانوا يصلون فرادى وجماعات متفرقة ، فمن ضمن أولياته رضي الله عنه أنه هو أول من أضاء المساجد بالقناديل في شهر رمضان فهي سُنَّة عُمرية استمرت من بعده وأصبحت عادة ومظهرا من مظاهر شهر رمضان المبارك وتعبيراً عن الفرحة والبهجة لقدومه .