يحيى السنوار : روح المقاومة وشعلة الصمود التي لن تنطفئ
د. هناء سعادة
الجزائر-
في عالمٍ ينوء بثقل الظلم والاستبداد، حيث تتصارع الجيوش وتزمجر الطائرات في سماء تفوح برائحة البارود، إنبثق من بين الركام صوتٌ مهيب، صوتٌ جسد حكاية شعبٍ أَبى أن يركع، ذلك الصوت هو يحيى السنوار. قائدٌ لا يشبه إلا الخالدين، سطّر اسمه بدمائه الزكية على تراب فلسطين الطهور، ليتحوّل إلى أيقونة حيّة تُجسد الشجاعة والتضحية. لم يكن السنوار مجرد قائدٍ عابر، بل كان روحًا نابضة بمجد المقاومة، وكأنه القدر الذي شاء أن ينطق باسم الحرية، حاملاً راية الكرامة في وجه أعتى الاحتلالات.
يحيى السنوار لم يكن مجرد قائد ميداني، بل كان شعلةً لا تخبو، وروحًا ترفض الخضوع… جسّد السنوار بوجوده كل معاني الصمود والتحدي، ليس فقط في ساحات المعارك، بل في عقيدةٍ ثابتة وإيمانٍ لا يتزعزع بعدالة قضيته… هو الذي خرج من ظلمات السجون الصهيونية ليعود محاربًا يحمل لواء النضال، وكأنه قدرٌ… إذ كتب عليه أن يكون الحارس الأمين لفلسطين، والمقاتل الذي لا يستكين.
لقد حاولت ماكينة الدعاية الصهيونية على مدار سنوات أن تخلق صورة مشوهة لهذا الأسد المقدام، مدّعيةً بأنه يختبئ في الأنفاق، بعيدًا عن ضجيج الحرب ومخاطرها. لكن القدر أراد غير ذلك؛ فاستشهد السنوار وهو يقف على خط النار، يقاتل مع أبناء وطنه، مؤكدًا أن القادة الحقيقيين لا يعرفون الخوف ولا يهابون الموت. لقد كشف استشهاده زيف تلك الادعاءات، ودحض تلك الأكاذيب، لتبقى صورته مرفرفة فوق كل ساحة مواجهة، شاهدةً على عظمة هذا القائد الذي لم يختبئ، بل واجه الموت بعزيمةٍ نادرة.
يحيى السنوار كان أشبه بنهرٍ جارٍ، لا يهدأ ولا يتوقف، دائم الحركة نحو تحقيق حلم الحرية. فكل خطوة خطاها كانت ترجمةً لصوت الشعب الفلسطيني، الذي يرى فيه نبض الأمل وروح الكرامة. كان قلبه ينبض بالوطن، وروحه تهتف بالنصر، وجسده يتقدم دون أن يحسب حسابًا للخطر أو الموت… هو الذي لم يعرف في حياته سوى مبدأ: إمّا النصر أو الشهادة.
اليوم، ونحن نرثي هذا البطل، لا ننظر إليه كمن رحل، بل كمن ارتقى ليظل حيًا في ضمير الأمة… يحيى السنوار ليس مجرد اسمٍ عابرٍ في تاريخ فلسطين، بل هو شعلةٌ ستظل توقد نار المقاومة، ورمزًا لكل من آمن بأن الأرض لا تُحرر إلا بدماء أبنائها. سنظل نذكره، ليس فقط كقائدٍ عسكري، بل كروحٍ ملهمةٍ تأبى الانكسار، وكصوتٍ حيٍّ يهتف بالحياة من وسط ركام الموت.
سلامًا على روحك يا يحيى السنوار، يا من علّمتنا أن القادة العظام لا يموتون، بل يتركون خلفهم إرثًا خالدًا يملأ الأفق نورًا. سلامًا على من عاش مقاومًا واستشهد مقاتلاً، على من سطر بدمه حكاية شعبٍ لن ينكسر.