Articles

مواساتي لك أيها الطود الشامخ!

سلام الله عليكم، أحسن الله إليكم وبوركتم من أخ صالح وشكرا على جميل التعزية وحسن المواساة. لا أراكم الله فيمن تحبون ما يسوؤكم”
” شكرا على التعزية وعلى حسن المواساة وحفظتم منكل مكروه”
بهذه الكلمات العامرة بالتوحيد، المفعمة بالإيمان والثبات والمليئة بالخير والحبّ ردّ  الأستاذ الدّكتور العلامة الشيخ محمد سعيد باه على بعض رسائل التعزية التي تدفقت إليه كالسيل الجارف عبر شبكات التواصل الاجتماعي بمناسبة التحاق حرمه السيدة الدكتورة مام ميانغ جون (رحمها الله رحمة واسعة) بالرفيق الأعلى.
وتحضرني في لحظات قراءة كلمات الردّ على التعزية من أستاذنا الجليل، تلك الأبيات لأيقونة الشعر العربي في السنغال ولبنان السيدة إكرام قديح مكي في قصيدة كان يواسي بها الشاعر عبد الكريم شمس الدين بعد إجراءه لعملية جراحية في القلب، عنوانها   “في هيكل الشعر”  ومطلعها:
أحنو على مبضع الجرّاح أسأله                       لا توجع القلب فهو الخافق الجذل
يعلو على الجرح لا يشكو توجعه                    فمشتهى الجرح أن تشتاقه المُقَل
في الحقيقة، يعتبر الدكتور محمد سعيد باه من الشخصيات العلمية والقمم الفكرية التي أعجبتني وراق لي أسلوب تفكيره، وسلاسة قلمه، وقوة طرحه للقضايا ودماثة أخلاقه.  لقد عرفته منذ ما يقرب من ثلاثين عاما عندما عيّنت معلما للغة العربية في مدارس زيغنشور الحكومية، وكانت سماحته آنذاك مسئولا للجنة مسلمي أفريقيا الكويتية (العون المباشر حاليا) في زيغنشور.
وكان أول ما شد انتباهي إلى هذا الرجل الظريف وجعله محلّ إعجابي وتقديري هو مستوى فكره وقوّة طرحه لقضايا الدعوة والحركة؛ فهو شديد الحرص على توعية الشباب المسلم وتثقيفه وتحصينه ضد التيارات الفكرية المنحرفة والمتطرفة، لأنه يؤمن بأن النهضة الحضارية المنشودة للأمة لا تتم إلا بوعي شبابها وعلو همته وبإيجاد النموذج الحيّ للعالم المسلم الملتزم السائر على منهج الوسطية.
وخلال التقائي بهذا البحر الممتد في العلم والفكر سحرني تواضعه، تسامحه، بساطته، رزانته، تديّنه، حفظه لشعائر الإ سلام، حبّه للعمل الخيري والإسلامي ونفوره واشمئزازه من التعصب الديني والمذهبية الفكرية والحزبية والانغلاق في مساحات الأطر الضيقة التي لا تخدم قضايا الإسلام الكبرى.
واليوم، وبعد مضي ما يقرب من ثلاثين سنة على تعرفي على هذا النجم اللامع في العمل الخيري، الضالع في علوم القرآن والدين، الرائد في فقه التنزيل وشروط النهضة الحضارية،  وبمناسبة الفاجعة الأليمة التي ألمت به، لم يصدأ الحديد، بل ازداد تألقا وتصلبا، لقد ظل على معدنه الكريم والأصيل وفكره السليم، ونهجه القويم وسلوكه الرفيع وصموده العتيق.
في مثل هذه اللحظات التي انهارت فيها قمم شامخة وحارت فيها عقول عبقريات وتزعزعت فيها عزائم راسخة من شدة الهول والابتلاء، نجد استأذنا العلامة يصدق الله ويرفض التبديل، نجده يرسخ على نهج حبيبه الكريم وقدوته العظمى الذي قال  عندما  فقد ابنه إبراهيم: ” أن العين تدمع ، و القلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا  بفراقك  يا إ إبراهيم لمحزونون”
نعم، أبى الدكتور محمد سعيد باه  إلا أن يلقن لشباب الدعوة ، إلى جانب  دروسه النظرية ، درسا حيّا  في الثبات والرسوخ والجلد والصبر. وهذا من شيمة  العظماء  وحاملي الهم العالية. وحقا لقد برهن أستاذنا القدبر على أنه من هذا الطراز الراقي .
إنّ الموقف لا يسع لأبوح بكل ما اعرفه عنك ، أيها الأستاذ الجليل. فالمقام مقام عزاء، مقام  مواساة، مقام حزن،  مقام  فقد عزيزة علينا، مقام  فراق أمّ داعية، مقام صراع بين قبول الإرادة الربانية والاستلام  لضعف النفس البشرية، مقام تأكيد على عبودية الإنسان  لخالق الإنسان، مقام صمود  أمام الابتلاء.
آه، لكم تمنيت أن أملّك القوة الخارقة أو أكرم بالمعجزة الباغتة لأدفع عنك هذا المصاب الجلل، لكنها حدود عالم البشر أمام السنة الخالدة والمشيئة الإلهية الفاعلة لما تريد.
فلعل كلماتي هذه تفلح في تثبيط دمعة مختنقة عندك، أو مسح عبرة منهمرة في خلوة لك، أو تخفيف ألم ملحّ معك، أو تذليل وطأة حزن مصمّم عليك، أو طرد شبح خاطرة زائرة لك، أوتغييب طيف الذكريات المؤلمة عن لياليك، أو بعث أمل الصلاة والرحمة الموعودة للصابرين في قلبك، أو تفي ولو قليلا بواجب أداء الشهادة علنا في ظرف الابتلاء لرجل عظيم مثلك تفانى في خدمة أمّته ودينه ووطنه، ولكن الكثير يجهله.
فلك مني يا سعادة الدكتور أصدق كلمات العزاء وأبلغ عبارات المواساة وأسمى آيات التضامن، وأغلى معاني التوادد. زادك الله قوّة على التحمل وأجارك في مصيبتك وجعلك من الصابرين الذين قال الله في حقهم:  ”  وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم  مصيبة  قالوا إنا لله  وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات عليهم  ورحمة وأولئك هم المهتدون”
وأخيرا، نقول في حقّ الفقيدة: ” وإنا على فراقك يامام ميانغ لمحزونون  صلت عليك ملائكة السماء، ورافقتك الرحمة الإلهية في مثواك الأخير، وألهمك الله حسن الجواب عند المسألة، وجعل من قبرك روضة من رياض الجنة، وجعلك من المعتقات من النار، وجعل من أعالي الفردوس مسكنك الأخير الخالد برفقة الحور.
 
 
 
أخوكم ومحبكم: موسى نيانغ
مفتش التعليم العربي والقرآني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى