Articles

من أجل التجديد .. رسالة إلى ممثلي الشعب المحترمين

البروفيسور عبد العزيز كيبي

بادئ ذي بدء، أود أن أشكر الله عز وجل الذي من علينا مجددًا نعمه وحمايته، خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة. ثم أصلي وأسلم على ربيع القلوب، الحبيب المصطفى، محمد، هادينا إلى الأعمال الصالحة. وأقدم تهاني القلبية لجميع المنتخبين وأتمنى لهم دورة تشريعية تتميز بالتجديد والمصالحة.
لقد لاحظنا أنه منذ الاستقلال، يعتمد نظامنا الديمقراطي على أساس ثنائية القطبية: السلطة مقابل المعارضة. لقد قبلنا جميعًا بأنه يجب أن يكون هناك “سلطة تحكم ومعارضة تعارض”. ورغم القيود والصعوبات، لقد ساهم هذا النظام في التقدم الديمقراطي في وطننا إلى درجة جعله نموذجًا في غرب إفريقيا. ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، تولدت من هذه الثنائية عناصر الضعف ومخاطر الانقسام داخل الأمة. يمكن أن نتعمق في التفكير ونوسع نطاق الملاحظة، متسائلين عن حدود هذه الثنائية على الوحدة الوطنية من ناحية، ومن ناحية أخرى عن العيوب في الديمقراطية الانتخابية في عصر الرقمية، إذا علمنا تأثير صناعات التلاعب الرقمي، وراء “شاشات الدخان”. لكن هذا ليس موضوع رسالتي إلى الإخوة والأخوات المنتخبين حديثًا.
أعتقد أن من الضروري، أن نكون واعين بالمسؤولية التي تقع على عواتقنا لوضع شروط التجديد الديمقراطي والسياسي. إذا تركنا الأمور على حالها، قد يؤدي بنا هذا الموقف إلى السكون والانحدار. كما كان يذكره سيرين شيخ تيجان سي (رضي الله عنه) بحق، إن مما يساهم في تدهور الأمور، غياب الرؤية والابتكار ” : “لُو فِي غِـسْ مُ يَاقُّ، نِي لَـنُـمَـكُ جًـخِِ مُـوكُ يَـاقّْ”. يجب أن يهز هذا الإلزام للتجديد ضميرنا، ويوقظ فينا المسؤولية لبناء الوحدة مع احترام التنوع، والخصوصية مع مراعاة التعدد. ويجب أن ندرك أن شعار وطننا العزيز “شعب واحد، هدف واحد، عقيدة واحدة” ليس مجرد ألفاظ نذكرها عند المناسبات، بل يجب أن يكون بوصلة، وروحا تحيى بها أعمالنا اليومية، تذكيرًا بالأخوّة والحفاظ على وحدة الأمة.
قد تُقدم لنا الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة فرصة لإعادة بناء وحدة الأمة وتجميعها على تجسيد شعارنا الوطني، وخلق ظروف تناسب التجديد السياسي مع جميع أبناء الأمة وبناتها دون استبعاد التنوع؛ أما العداوة، نعم! دون استبعاد الاختلاف؛ أما الإقصاء، نعم! دون استبعاد التناقضات؛ أما التعارض، نعم!
عند امعان النظر في النتائج التي أحدثتها الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة دعتني، تلك النتائج، لمراجعة هذه الآية من سورة آل عمران:

“واعْتَصِمُوا بِِحَبْل اللهِ جَمِيعًا ولَا تفَرَّقوا. وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ۖ وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”
تذكرنا هذه الآية الثنائية المتنازعة والدائمة والقاتلة بين الكيانين السوسيولوجيين في المدينة قبل الهجرة، الأوس والخزرج. قبيلتان كانتا تتقاسمان مساحة يثرب (المدينة المنورة) دون أن تتفقا على أي شيء. دائمًا في صراع مسلح، دائمًا ضد بعضهم البعض، مدفوعين بكراهية متبادلة وعداء مميت. وهذا يشبه تمامًا وضع بلدنا في الأشهر الأخيرة. وشكل مجيء الحبيب المصطفى، رسول الله، العامل الفعال للتجديد في أوساطهم. فتحولت العداوة إلى تصالح، والانقسام إلى تلاحم، والكراهية إلى أخوة، على أساس ما لديهم من مشترك، المدينة. على أساس ما كانوا يرغبون فيه للمدينة، النور. حول رسالة السلام والأخوّة، دين الإسلام. على هذا وبفضل الله، أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهمْ فَأَصْبَحُوا بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا.
بصفتنا مؤمنين ومسلمين، تعظنا هذه الآية. وقد أردت أن أشارك النواب المنتخبين، بما هو تصور متواضع من جانبي. أعتقد أنه بغض النظر عن انتمائهم الحزبي، إن من واجبهم ارتداء عباءة المصالحة بين القلوب، وإخراجنا من “شفا حفرة من النار”، من الكراهية والاختلاف، لإنقاذنا من الانقسام الثنائي، بفضل الله عز وجل. لقد تحدثت عن القرآن كمسلم، وأعلم أن روح السلام والأخوّة يشاركها النصارى بقدر ما تتشاركها الحكمة الأفريقية.
على الحكمة الأفريقية أود أن أبني النقطة الثانية من هذه الرسالة الموجهة إلى الإخوة والأخوات الذين يمثلوننا.
سوف يجلس ممثلو الشعب على مقاعد المجلس الوطني، “بِـنْـجُ نْـدَوِي رِيـوْ مِ”. يجب عليهم إذن أن يتذكروا الدلالة وراء مفهومي “بِـنْـجُ” و” انْـدَوِي رِيـوْ مِ”. لا ينبغي أن تقتصر السيادة على تعبير الهوية والاختلاف أمام الآخرين، بينما لا نحقق أي تغيير في الأنماط والمواقف والمبادئ. إن أردنا تحقيق السيادة سيكون من الأفضل أن يستمد تغيير الأنماط في المجلس الوطني ” بِـنْـجُ نْـدَوِي رِيـوْ مِ ” من الموارد الإيجابية التي أنتجتها مجتمعاتنا، ومن المكانة التي نرغب في احتلالها اليوم في العالم. وهذا ما يدعونا للاعتماد على “أفريقيايتنا” دون رفض ما يصلنا بالعالم.
” بِـنْـجُ” كما نعرفه جميعًا يشكل في نظامنا الاجتماعي، فضاء للحوار السياسي والاجتماعي، إذا اتفقنا على أن السياسة هي فن إدارة المدينة بشكل جيد. تعتبر ” بِـنْـجُ ” في مجتمعاتنا فضاءات للحوار، لست أقول الإجماع التام. بالطبع، هناك تعرض الاختلافات، وتًقدم الحجج من هنا وهنا، بحماسة في بعض الأحيان. ولكن الهدف النهائي هو التوصل إلى نتيجة توافقية، عادلة وسلمية. ولهذا السبب أعتقد أن نوابنا، لهذه الدورة التشريعية، يجب أن يكونوا متأثرين بروح ” بِـنْـجُ ” دون خيانة موكليهم وأحزابهم. يدافعون عن أفكارهم دون مهاجمة الآخرين، يقنعون بحجج عقلانية ولا يحاولون لا الإذلال ولا الإهانة، يفككون الأفكار بأسلحة الأدلة والبراهين القاطعة دون هتك شرف المواطنين. باختصار، فليكونوا “غِـيـلَـوَارْ” أعنى أن يتصفوا بالمروءة، في القاعة.
علاوة على ذلك، فإن مصطلح “انْـدَوِي رِيـوْ مِ” هو بحد ذاته معبر. النواب هم رسل الأمة. تم تفويضهم من قبل الأمة، بغض النظر عن لون قوائمهم خلال الانتخابات. وهذه الصفة (ممثلي الشعب) تمحو المصالح الحزبية بالذات، والخصوصيات الدينية والإقليمية، والهويات المحددة. الأمة وحدة غير قابلة للتجزئة، ومن هذه الزاوية هم مراقبو هذه الوحدة.
إذا كانت هذه الدورة التشريعية تعمل وفق نموذج الدورات السابقة، فلن تحقق التحسينات المطلوبة والتجديد الديمقراطي الذي هو في متناولها: تجديد تنعشه روح ” بِـنْـجُ نْـدَوِي رِيـوْ مِ ” من أجل الوحدة الوطنية.

حفظ الله السنغال ومواطنيها!

مع خالص التحيات!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى