Articles

صدام الحضارات في السنغال: الشيخ أحمد بمبا والإمبراطورية الفرنسية (1895-1927) 33 سنة

محمد جوب البيري

لم يكن ما جرى بين الشيخ أحمد بمبا والإمبراطورية الفرنسية حدثًا عابرًا في سجل الاستعمار، بل كان مواجهة مباشرة بين مشروعين متناقضين في الغاية والمصير؛ مواجهة جسّدت صدامًا حضاريًّا صريحًا( the clash of civilisations) .

فرنسا، وهي تحمل لواء ما أسمته بـ”الرسالة الحضارية”( mission civilisatrice)اندفعت لتفرض سلطانها على الأرض والعقول، مُسخّرة جيوشها الجرّارة وترسانتها العسكريّة وقوتها الاقتصادية، وهيمنتها الثقافية، لترسم ملامح عالم على صورتها. فالشيخ الخديم ينقدهذه الغطرسة الاستعماريّة الفرنسية، في قصيدته إلهام السلام:
” وبعد فالمجوس والنصارى ” صاروا لإبليس الغوي أسارى “
وغرّهم بكيده حتى طغوا” في كل بلدان جميعاوبغوا”!
وفي المقابل، وقف الشيخ أحمد بمبا بثبات، يحمل رسالته الإسلامية الراسخة، يواجه الحديد والنار بصلابة الروح، وقوة الإيمان، وحكمة الفكر. وفي هذي القصيدة المذكورة سلفايبيٌن تضاد المشروعين:الغربي- الاستعماري والخديمي الإسلاميّ…وينقد بشدة قابلية الاستعمار ( La colonailisabilté) .

كان الميدان غير متكافئ؛ إمبراطورية استعمارية تملك المدافع والبوارج، في مواجهة رجل أعزل إلا من يقينه، وشجاعته الأخلاقية، وقلمه الذي كان أمضى من السيف.
” إن كان للأعداء أسلحة بها * خيفوا فأسلحتي ته واجاهد” .
لقد نفته فرنسا إلى المنافي البعيدة، وأحاطته بسلاسل المراقبة، وحاولت مرات أن تضع حدًا لحياته، لكنها لم تفلح في كسر إرادته.
وهب لي الوهاب يوم الثلاثا” ماأخجل العشروالثلاثا” !

وعند ختام تلك المحنة، صدح الشيخ بكلماته الخالدة:
« جهادي انقضى وعمري ربحا
ولسواي ساق كل كلب نبحا »

واليوم، وبعد أن طويت صفحات ذلك الصراع، تشرق الطريقة المريدية، ويبلغ الإسلام الذي دعا إليه الشيخ قلب العواصم التي كانت يومًا مراكز لقرارات الاستعمار – باريس، ولندن، ونيويورك – من غير أن تُراق قطرة دم واحدة، وكأن هذه النهاية كانت الدليل الأبلغ على أن الانتصار قد يكون بالثبات أكثر منه بالسلاح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى