
بقلم شعيب بن حامد لوح.
من الذين تربّوا وتتلمذوا وتخَرجوا على يديْ مولانا الشيخ أحمد بامبا -رضي الله عنه-، الشيخ امباكي بصُ (1864 – 1945م)، والشاعر الشيخ موسى كه (1891 – 1966م)، وهما من الرجال الأفذاذ الذين خلَّدوا بصماتهم في عالَم المعرفة، وتركوا إرثا ثمينا من مصنفَات قيمة، ومؤلفات تظهر براعتهم في الفنون.
وإمعانُ النظر في تُراثهما يؤدي بنا إلى القول إن بينهما عدة قواسم مشتركة، من حيث الإكثار من التصنيف، وطرق عدة جوانب من التأليف، فكل منهما صاحب قَدم راسخة في هذا المجال؛ إذ تكلم الشيخ امباكي بصُ في عشرين علما من العلوم الشرعية والإنسانية. أما الشاعر الشيخ موسى كه فقد برعَ في مجال التأريخ (الإنساني والإسلامي والوطَني) ومعرفة النسب، والطريقة المريدية معرفة لا تشُوبها شائبة شك أبدا.
ومؤلفات كل منهما تُنبئُ عن عالم يُدَقِّق في المسائل، ويعرف الفروق، ويأتي بالتفاصيل بكيفية مبسَّطة لا تَرهق الفهم، ولا تكلفه العناء والمشقة.
وإذا كان الشاعر المؤرخ الشيخ موسى كه يغلب على شعره اللغة الولفية، فإن الشيخ امباكي بصُ ركَّز اهتمامه باللغة العربية، وإذا كان الأول من المكثرين قول للشعر، فإن البصوبي يُعد من المقلين في قَرض الشعر.
وعلاقة الشاعر الشيخ موسى كه بالشيخ امباكي بصُ كانت علاقة تلميذ مع شيخِه يأخذ منه المسائل الدقيقة، يدلُّ على ذلك أن الشاعر الشيخ موسى كه اتخذ ثلاثا من أعيان وكبار المُريدين مراجعَ يأخذ منهم كثيرا، وهم: الأخ الصغير للشيخ أحمد بامبا الشيخ إبراهيم فاطِ امباكي، والشيخ عبد الرحمان لوح، والشيخ امباكي بصُ، حيث يكثر من الرجوع إليهم عبر تآليفه، يقول الشيخ موسى كه:

Luma la wax man ci Sëriñ ndaam laa jële
Walla Sëriñ Mbàkke Busoo may tuxale
أي: فكل ما أذكره آخذه إما من الشيخ عبد الرحمان لوح، أو أنقله من الشيخ امباكي بصُ.
كأن سائلا سأل لماذا هما بالتحديد:
Seex Abdu Rahman Lóo dakoy waxtaane
Nako ko Bàmba waxe woon mooy waane
Seex Mbàkke buso moom dakoy bindaati
Namu ko binde woon mahal aayaati
أي: فإن الشيخ عبد الرحمان لوح يروي لك الواقعة كما سمعها دون زيادة ولا نقصان، أما الشيخ امباكي بصُ فيكتبها كما هي مع توضيحها وشرحها بالآيات إن اقتضى الأمر.
وقد سمَّى الشيخ امباكي بصُ في كتابه (مِرآة أولى الأبصار) بعالم زمَانه، وفريد دهره، وإمام عصره. أضف إلى ذلك أن الشيخ موسى كه قد رثى الشيخ امباكي بصُ مرثية طويلة أظهر فيها براعته وإلمامه بفنون مختلفة، مطلعها:
أهَاجَ كَلكَلِيَ حالُ شَوْقِي = لفَقدِ سالكٍ طريقَ الحقِّ
شيخِ الشيوخ كاشِفِ الكُرُوبِ = الݣِدَوِي العالِمِ البُصُوبِي
قَرْمِ القُرُون عَيْلَمِ السُّودَانِ = بَحْرِ البحور مَوْرِدِ الظَّمْآنِ
هو طَوِيلُ البَاعِ في الفُنُون = وصاحبُ الشرف في العُيُون
أبكي على دِعَامَةِ البُصُوبي = الشيخِ امباكي بُوسو ذي الحُرُوبِ
والمرثية مزدوجة اللغة (العربية والولفية) معا، يقول مبرزا مكانة الشيخ امباكي بوسو من شيخه ووسيلته الشيخ أحمد بامبا:
Su Bàmba doon fihal mu man di faahilu
Mbaa mudi mafhoolun bihii ne faadilu
Su Bàmba doon nahtu mu doon manhootu
Moo tópp jikko ya ba man koo wootu
Xafad na bidhatan ba rafaana sunna
Nasabna fardan ba sukuun na janna
وقد استعمل هنا مصطلحات في النحو العربي، أي: لو كان الشيخ أحمد بامبا فعلا أو نعتا لكان الشيخ امباكي بصُ فاعلا ومنعوتا، ولا يخفى على دارس النحو الصلة المتينة التي بين كل من الفعل والفاعل والنعت والمنعوت حيث لا يصح أحدهما إلا بوجود الآخر، وفي البيت الأخير يشير إلى كون الشيخ امباكي بصُ واضعا قدمهُ على الصراط المستقيم مستعملا أيضا مصطلحات نحوية، بأنه خفض البدع، ورفع السنن، ونصب الفرائض وكان جزاؤه السكون في الجنة مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
ومن القواسم المشتركة بينهما أن تُراثهما ما زالا عالقَيْن، وهو (أي: تراثهما) من النَّفاسة والجَودة ما يفوق الوصف، ويعجز القلم واللسان، وأعمالهما بحاجة إلى جمع في سِفر، وتقريب إلى الباحثين، وتسهيل للدارسين، وما ذلك على أسْرتهما بعزيز. وفَّق الله الجميع.