actualiteCulture

السنغال: رمضان السنغال زائر يحتفى به ويشتاق إليه

عماد محمد بابكر – الخرطوم / الجزيرة نت
شعر المديح النبوي قديم في السنغال وأكثره ذيوعًا ذلك الذي كتبه أعلام المتصوفة أمثال الشيخ أحمد بامبا، والشيخ محمد الخليفة إنياس، وشيخ الإسلام إبراهيم الكولخي، وهي قصائد عالية في معناها ومبناها.

على الرغم من تشابه الاحتفاء بالشهر الكريم في كل البلدان الإسلامية؛ فإن الذي لا شك فيه أن لكل بلاد ما يميزها من العادات والتقاليد. في السنغال بلاد (التيرانغا)، أي الكرم في اللغة الولفية (الأكثر شيوعا بين اللغات المحلية)، لرمضان ما يختص به من عادات.

لدى أهل السنغال رمضان زائرٌ يحتفى به، ويشتاق إليه شوق المحب إلى المحبوب. ولأجل ذلك فإنهم يترقبون مجيئه، ويستعدون له بما يناسبه.
إبراهيم جون الأستاذ في كلية الآداب بجامعة أفريقيا العالمية، في إفادته للجزيرة نت، يقول “ستخبرك حركة الأسواق باقتراب الشهر الكريم، فكل أسرة تجتهد في شراء حاجات رمضان، وتبذل الحكومة ورجال الأعمال جهودا كبيرة في تخفيض الأسعار عما كانت عليه قبلًا”، ولكن أهم ملامح الاستعداد لرمضان في رأيه تهيئة المساجد والدعاء طوال شهري رجب وشعبان، أن يبلغهم الله رمضان، وترتيب جداول الأئمة، والمحاضرين.
ويقول جون إنك “إن ذهبت لترتيب محاضرة، أو درس بعد انتصاف شعبان، فأغلب الظن أنك لن تجد متسعا في جدول داعية أو شيخ”.


وإن كانت هذه بعضا من ملامح الاستعدادات السنغالية لاستقبال الضيف الكريم، فإن الأديب فاضل غي رئيس نادي السنغال الأدبي، ورئيس تحرير صحيفة “رفي دكار” الإلكترونية اليومية يقربنا من ملامح أخرى فيقول “قبل رمضان تُجهَّز المساجد، وتكوَّن لجانٌ لتنظيم التراويح، والإفطارات الجماعية في بيوت الله”. ويضيف غي -في حديثه للجزيرة نت- “كان أجدادنا من مشايخ البلاد يستقبلون الشهر بقصائد من الشعر الجميل، مثل قصيدة الشيخ أحمد بامبا (Ahmadou Bamba)‏ (1853-1927) التي مطلعها:
يا خير ضيف أتى بالبشر والمدد
أهلا وسهلا وترحيبا بلا عدد
حلقات نهارية وصلوات ليلية بينهما إفطارات جماعية
تهيئة المساجد وتزيينها فعل ينشط في شهري رجب وشعبان، أما في رمضان فاكتظاظ المصلين والمتعبدين هو السمة الأبرز خاصة في المساجد الكبيرة، ومساجد الطرق الصوفية، بحسب إفادة الدكتور محمد نيانغ الذي يتوقف عند أمر يكاد يكون مشتركا في مساجد السنغال؛ فيقول “بُعيد صلاة الظهر يتحلق المصلون لتلقّي الدروس، وغالبا ما يكون الدرس عقب الظهر تفسيرًا للقرآن الكريم، وهناك درس بعد صلاة العصر في أحكام الصيام”، ورغم الاتفاق على تفسير القرآن بعد الظهر إلا أن هناك اختلافا في التفاصيل، والطرائق.
وهذا ما يوضحه الشاعر السنغالي محمد الأمين جوب بقوله “بعض المشايخ يكون حريصا على أن يمرّ على أجزاء القرآن الكريم كلها في رمضان، أما الأغلبية فتفسر دون قيد لكن الشيخ يكون يستهل التفسير العام المقبل من حيث انتهى هذا العام”.
وكما هو الحال في جميع أرجاء العالم الإسلامي ينتظم المسلمون في صلاة التراويح طوال ليالي الشهر، والتهجد في العشر الآواخر منه، وغالبا ما يختم الإمام القرآن في التراويح.
وبين عمارة المساجد بالدروس نهارا والقيام ليلا تنشط الإفطارات الجماعية في المساجد، وبوجه أخص في المساجد الكبيرة، ويواصل الدكتور محمد نيانغ إفادته فيقول “لا يخلو مسجد في السنغال من إفطار جماعي ويسارع أهل الخير إلى توفير مستلزمات هذه الإفطارات، وهذا مما يقوي الوشائج المجتمعية”.
تسامح وسماحة
الغالبية العظمى من الشعب السنغالي تدين بالإسلام، في حين هناك نسبة من السنغاليين على الديانة المسيحية، وعلى أن رمضان مناسبة دينية إلا أن التسامح بين مكونات الشعب السنغالي يدفع من لم يكن على الإسلام إلى تهنئة المسلمين بالشهر، بل وإعداد الإفطار وتوزيعه على الصائمين كما تفعل الكنسية في دكار فقد شهدت شوارع العاصمة توزيعًا للإفطار على السيارات، والمارّة من الصائمين.
المسلمون فيما بينهم يشيعون روح التسامح ويطلبون من بعضهم العفو، ويترفعون عن الخصومة في هذا الشهر، وهناك من العادات السنغالية ما يدعم هذا الجو خاصة في النطاق الأسري.
يقول إبراهيم جون في إفادته المتصلة إن “الجلسات الأسرية من أهم العادات التي يحرص السنغاليون عليها، وفيها يلتئم شمل الأسرة وتناقش قضاياها، وكل ما يهمها، وتسهم هذه الجلسات في حلحلة كثير من المشكلات، وسيادة جو حميم”.
ويضيف جون “تفقد الجيران، والوقوف على أوضاعهم، وتبادل الإفطار بين الأسر يظلل المجتمع السنغالي بسحابة من السماحة والود تمتد امتداد الشهر”.
الإنشاد وأدب المديح النبوي
ولأدب المديح النبوي تاريخ طويل في السنغال، وكتب فيه عددٌ كبيرٌ من الشعراء باللغة العربية الفصحى، وبلغات محلية لكن الفصيح أكثر، وربما كانت الطرق الصوفية من أسباب ذيوع ذلك، بحسب إفادة الشاعر محمد الأمين جوب “شعر المديح النبوي قديم في السنغال وأكثره ذيوعًا ذلك الذي كتبه أعلام المتصوفة أمثال الشيخ أحمد بامبا، والشيخ محمد الخليفة إنياس، وشيخ الإسلام إبراهيم الكولخي، وهي قصائد عالية في معناها ومبناها”.
كما تُفرِد القنوات التلفازية والإذاعات مساحة له بحسب قول إبراهيم جون “تتمدد مساحة ما هو ديني في الأجهزة الإعلامية، ويحظى المديح النبوي وإنشاده بوضع مميز في خرائطها البرامجية”.
أما الدكتور محمد نيانغ الذي تناول في رسالته للدكتوراة هذا الأدب (المدائح النبوية في الشعر العربي السنغالي) فيرى في رمضان موسما من أهم مواسمه كتابة وانتشارا، ويقول إن “أدب المديح النبوي يزدهر في رمضان وكذلك إنشاده، وتقام لذلك حلقات وجلسات، وإسهام السنغاليين في ذلك كبير، وإن لم يكن مشهورا في الشرق”. ويعلق نيانغ على حضور هذا الأدب في البرامج التلفازية قائلا “أحيانا يكون المقصود الأدب نفسه وأحيانا أخرى يذكر ارتباطا بشعرائه فهم مشايخ ودعاة، وعنهم تتحدث بعض البرامج”.
سكر رمضان وفكاهة “المسحراتي”
قبيل الشهر، وفي النصف الأخير من رمضان تتبادل الأسر سلال رمضان أو ما يسمى بـ(سكر رمضان) الذي كان في أصله سكرًا يهدى في رمضان ثم تطور بمرور الأيام ليتجاوز السكر إلى أشياء أخرى، في ما أفاد به الإعلامي فاضل غي -للجزيرة نت- فقال “تشتري النسوة بعض المواد الغذائية لتقديمها إلى شقيقات وأخوات أزواجهن بمناسبة رمضان المبارك”.
لكن الأمر تجاوز أصله -كما يقول فاضل غي في تتمة حديثه- “فبلغ ببعضهن شراء الذهب، وأفخر الثياب لتكريم أمهات الأزواج وأخواتهم”. ولئن كان الأمر في أصله محمودا من حيث تبادل الهدايا، فإن التفاخر الذي طرأ عليه لا يعجب كثيرين.
محمد الأمين جوب واصل إفادته متناولًا سكر رمضان فقال إن “الهدايا وتبادلها أمر حسن، فإعطاؤها جالب للمودة لكن التفاخر وتخير الهدايا الغالية يضغط على كثيرين ويكلفهم فوق طاقتهم”.
وتتنوع عادات السنغاليين الرمضانية، وفي عادة منتشرة بين الشعوب المسلمة يطوف شباب الأحياء خاصة الشعبي منها في عتمة الليل ضاربين بالدفوف إيقاظا للصائمين لتناول وجبة السحور، ويبدو أن المضطلعين بهذه المهمة دائما ما تسكنهم روح الدعابة.
وفي هذا يقول الدكتور محمد نيانغ إن “الشباب يضربون بالدفوف جائلين في الأزقة لإيقاظ الصائمين، وغالبا ما تؤلف أغنيات خفيفة على هذه الإيقاعات تكون كلماتها ذات طابع خفيف مرح، وربما يزج ببعض الأسماء فيها”.

العيد فرحة الصائم و”أندونل” الأطفال
العيد فرحة بختام شهر من الطاعات والقربات والصبر للصائم، وللأطفال أجواء من الفرح والحبور تزيد بما يقدم من أعطيات، أو كما يقال لها بالولفية “أندونل” (niane Ndewénale)، وعادة ما يطوف الأطفال بالبيوت مهنئين بالعيد موزعين الابتسام بين الأهل الذين يبادلونهم إياها ويجودون عليهم بأعطيات العيد.
والملاحظ أنهم يلبسون في الأغلب الأعم أزياءهم القومية على اختلافها، التي يصفها نيانغ بالتمايز في أنواعها والاتفاق في كلفتها العالية إذ تدفع الأسر قماشها إلى محالّ الخياطة منذ الأيام الأولى لرمضان، وتصرّ الأسر عليها محافظة على العادات وإدخالا للفرح، ويتبادل الجميع عبارات التهنئة بالعيد “عيدكم مبارك” (دِوِينَت).

المصدر : الجزيرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى