أروني عظيما مثل رسول الله محمد..
د.عبد اللطيف طلحة
لما فتح النبي صل الله عليه وسلم مكة لم تجر أرضها بالدماء ، ولم يعُد مع عشرة آلاف جندي من أتباعه لينتقم أو يُنكل، ولو أراد بإشارة واحدة قتل هؤلاء انتقاماً منهم لجرائمهم وأفعالهم معه هو وأصحابه لأيده الكثيرون في ذلك، لكنه قال لأهل مكة مَا تَظُنُّونَ أني فاعل بكم ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: فَإِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، قال اذهبوا فأنتم الطلقاء، هذه الواقعة تمثل جانب الأخلاق الفاضلة وجانب القدوة الحسنة وجانب المنهج التربوي، فهذه مناهج العِظام كما يقول صاحب كتاب “العظماء المائة وأعظمهم محمد” ، هذه الحادثة تمثل يا سادة الرسالة التي أراد أن يُرسي في العالم المبادئ الإنسانية العظيمة مثل عدم الاستقواء على الضعفاء والتسامح في أبهى صوره والعفو عند المقدرة .
على جانب أخر وقبل إسلامه أعلنها صريحة وهو أحد قادة الفكر الغربي، الألماني الدكتور زويمر إذ قال: “إن محمدًا كان ولا شك من أعظم القادة المسلمين الدينيين، ويصدق عليه القول أيضًا بأنه كان مصلحًا قديرًا وبليغًا فصيحًا وجريئًا مغوارًا، ومفكرًا عظيمًا، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء”.
وكان الرّسول صلى الله عليه وسلم ُيلوّح باستعمال القوة من أجل ردع أعدائه حتى يُعيدوا حساباتهم، ويسعى قدر الإمكان إلى تجنب الحرب وويلاتها، وكُتُب السيرة تروي لنا أن المسلمين عندما وصلوا إلى تبوك، وعلموا أن الرّوم قد انسحبوا منها إلى داخل بلادهم، حينئذ آثر الرسول صلى الله عليه وسلم الانسحاب وكان بإمكانه تعقب ومطاردة قوات الرّوم المنسحبة، وإيقاع الخسائر الفادحة في صفوفها، وما أيسرَ القتالَ مع عدو منسحب.
أما نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فوحده الذي كشف حياته للناس جميعًا، فكانت كتابًا مفتوحًا، ليس فيه صفحة مطبقة، ولا سطر مطموس، يقرأ فيه من شاء ما شاء.
وهو وحده الذي أذن لأصحابه أن يذيعوا عنه كل ما يكون منه ويبلغوه، فرووا كل ما رأوا من أحواله في ساعات الصفاء، وفي ساعات الضعف البشري؛ وهي ساعات الغضب، والرغبة، والانفعال.
وروت نساؤه كل ما كان بينه وبينهن، فهاكم السيدة عائشة -رضي الله عنها- تعلن في حياته وبإذنه أوضاعه في بيته، وأحواله مع أهله، كيف يأكل، وكيف يلبس، وكيف ينام، وكيف يقضي حاجته، وكيف يتنظف من آثارها.
فأروني عظيمًا آخر جرؤ أن يغامر فيقول للناس: هاكم سيرتي كلها، وأفعالي جميعًا، فاطَّلِعوا عليها، وارووها للصديق والعدوِّ، وليجد من شاء مطعنًا عليها!
أروني رجلا عظيما مثل النبي لم تلوث يده بدماء ولم يدعوا لخطاب الكراهية ولم يغتر بقوته عندما عفى عن أسرى بدر وهم الذين أذاقوه وأصحابه الحرمان من كل شئ بل أخذوا منه كل شئ .
أروني رجلا عظيما مثل النبي الذي رفض رفضا قاطعاً الوساطة والمحسوبية عندما جاؤوه ليعفوا عن حد المرأة المخزومية التي سرقت وقال قولته الخالدة” لوأن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها “.
أروني عظيمًا آخر حرم الدماء والولوغ فيها سواء أكانت لمسلم أو غير مسلم، إن العالم الذي استطال بعضلاته اليوم لاغيا عقله، استطال على الضعفاء في فلسطين وسار يُقتِل الأطفال والنساء والغلمان دون وازع أخلاقي أو ديني حري به أن يخرج من تحت هذه السماء وليبحث له عن إله أخر ، فليخرجوا من تحت سمائنا والجحيم ينتظرهم بإذن الله تعالى.