مقال: ظاهرة «المؤثرين» تنتظر التقنين… والجمهور مشتت
الرياض: صالح الزيد
هل نشأت حاجة لتغيير المفاهيم حول مشاركة «نجوم التواصل الاجتماعي» في العمل الإعلامي؟
يصف البعض العمل الاتصالي بمختلف مجالاته، سواء الإعلامي أو الإعلاني أو التسويقي، بأنه قطار من التطورات والتغيرات التي لا تتوقف، ففي كل يوم يستفيق هذا المجال على أفكار جديدة، تدعو إلى التغيير ومواكبتها، ووضع ضوابط ورقابة لها. وخلال السنوات الأخيرة، مع التغيرات الحاصلة في وسائل التواصل وبروز شبكات التواصل الاجتماعي، ولدت ظاهرة «المؤثرين»، التي زادت من ضرورة مواكبة العمل الإعلامي والاتصالي لمختلف الجهات الإعلامية وغيرها لمتغيرات المرحلة الاتصالية وفهم وسائل الإقناع والتسويق. وهكذا، ما عاد يغيب مؤثرو شبكات التواصل الاجتماعي عن معظم الحملات الاتصالية، بل صاروا يستخدمونها كأداة فعالة لتحقيق انتشار أوسع، سواءً لأهداف مادية أو إخبارية.
توجه بعض الجهات أو المؤسسات إلى توظيف المؤثرين في حملاتها الإعلامية والإعلانية أدى إلى ربط هؤلاء المؤثرين بالعمل الصحافي أو الإعلامي. وهذا أمر ينفيه متخصصون في هذا المجال، إذ يشيرون إلى العديد من الفوارق بين العمل الصحافي أو الإعلامي والتغطيات الترويجية التي يضطلع بها المؤثرون في منصات التواصل الاجتماعي. ورغم اختلاف تسميات هؤلاء وتعددها – مثل «مشهور» و«مؤثر» و«نجم» و«فنان» -، فإن المسمى الذي يوضح دورهم في هذه الحملات هو «مؤثر»، وهو ما يستخدمه المعلنون.
ومن ثم، يمكن تعريف «المؤثر» بأنه شخص يتبعه العديد من الأشخاص في صفحاته على منصات التواصل الاجتماعي، وذلك من عشرات الآلاف على أقل تقدير إلى ملايين المتابعين. وبالتالي، بمقدوره التأثير على نسبة منهم سلوكياً. وتثبت هذا الواقع الإحصاءات التي يحققها المؤثرون في سرعة الانتشار لجمهور أوسع، والعوائد المادية التي يحققها المعلن، من زيادة الإقبال والمعرفة بخدماته أو منتجاته.
من ناحية أخرى، يرى بعض المتخصصين والعاملين في مجال الاتصال، أن الاعتماد على مؤثري شبكات التواصل الاجتماعي يوحي بضعف اتصالي لدى الجهة. ويضاف إلى ذلك أن استضافة المؤثرين قد تنعكس بعيوب اتصالية على الصورة الذهنية للجهة المستضيفة، كونها لا تستطيع فرض نوعية المحتوى الذي ينشره المؤثر، على المدى القصير أو الطويل. وجانب ثالث، يستحق الإشارة، هو أن الاعتماد على مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي، وبشكل مفرط، يجعل من بعض المؤثرين أقرب إلى «ناطقين» باسم الجهة المعلنة.
استطراداً، ورغم الأخطاء الاتصالية التي قد تنشأ من الاعتماد على المؤثرين، فإنه يمكن لمؤثر واحد إنعاش منتجات أو خدمات وتوجيه متابعيه لاقتنائها أو استخدامها، أو إثارة انتباه الجمهور لحدث معين، لا سيما، إذا توافرت لديه قاعدة جماهيرية ضخمة، يستطيع التأثير عليها. وبالفعل، حققت العديد من الحملات الإعلانية والإعلامية السابقة التي وظفت مؤثرين للتسويق لمنتجات أو الإعلام بخدمات، انتشاراً وإقبالاً كبيراً، وعادت بأرباح ضخمة.
ظاهرة جديدة
الدكتور خالد الحلوة، أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود سابقاً في العاصمة السعودية الرياض، يرى أن ظاهرة المؤثرين ظاهرة جديدة انتشرت في أنحاء العالم مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، ومنها العالم العربي. ومن ثم «ظهر العديد من الأشخاص في مختلف منصات الإعلام الاجتماعي الشهيرة، وباتوا يروجون لسلع وخدمات أو لشركات أو لحملات إعلامية لجهات حكومية أو غيرها من المؤسسات». ثم يوضح أن «السبب في لجوء هذه الشركات والجهات الحكومية إلى هؤلاء المشاهير، أو المؤثرين، هو التغير الكبير في طبيعة سوق الدعاية والإعلان والتسويق خلال السنوات الأخيرة».
جمهور مشتت
ويتابع الدكتور الحلوة حديثه، فيشرح: «إن الإعلان في وسائل الإعلام التقليدية، مثل الجرائد والمجلات الورقية والتلفزيون، ما عاد يصل إلى قطاعات واسعة من الجمهور كما كان الوضع عليه في السابق. إذ غدا الجمهور الآن مشتتاً ومتوزعاً بين العديد من وسائل الإعلام الجديدة ومنصات التواصل المختلفة. وهكذا، صار من المتعارف عليه راهناً أن الوصول للجمهور يجب أن يكون عن طريق البحث عنهم أينما كانوا، وعلى وجه الخصوص… في المنصات الجديدة». وتابع «قد يكون أفضل مَن يصل إلى هذه القطاعات أو الشرائح في وسائل التواصل الاجتماعي المشاهير… الذين صنعوا لأنفسهم حشداً كبيراً من المتابعين. ومن هذا المنطلق، تسعى الجهة المعلنة إلى الوصول لقطاعات هذا الجمهور عن طريق هؤلاء المشاهير أو المؤثرين».
حوكمة الإعلان
وفي سياق شرحه هذا الواقع، ينصح الدكتور الحلوة بأنه «نظراً لحداثة هذه الظاهرة، فإنها تحتاج إلى المزيد من الرقابة وتطبيق التشريعات الهامة التي تضبط عمل هؤلاء المؤثرين». وهنا يشير إلى أنه «في الولايات المتحدة الأميركية تتولى هيئة التجارة الفيدرالية مهمة ضبط هذه الظاهرة عن طريق القوانين ومتابعة تطبيقها من قبل المشاهير والجهات المعلنة. ومن أهم ضوابط إعلانات المؤثرين التي تطبقها الهيئة مسألتا الصدق والموثوقية في الإعلان لتجنب خداع المستهلك، وكذلك أهمية تنبيه المستهلك بأن ما يشاهده هو إعلان مدفوع الثمن، وأن يبرز ذلك بشكل واضح وصريح. ثم يوضح أن العديد من الدول بدأت بتطبيق قوانين مشابهة للقوانين الأميركية، مثل بريطانيا وأستراليا وغيرهما».
الحالة السعودية
في المملكة العربية السعودية، تتجدد بين كل فترة وأخرى، مطالب بضرورة «حوكمة» نشاط وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً الإعلانات بها، والتي يكون خلفها عادةً المشاهير والمؤثرون. وهو ما انعكس أخيراً، بإلزام إشارة المؤثرين إلى أن المحتوى الذي يقدم هو مادة إعلانية.
وخلال الأسبوع الماضي، نشر عبد الرحمن الحسين، المتحدث الرسمي لوزارة التجارة السعودية، مقطعاً مرئياً عبر منصة «تويتر»، أوضح فيه 4 ضوابط إلزامية للإعلان في منصات التواصل الاجتماعي، إذ قال إنه يجب أن يلتزم المعلن سواء كان فردا أو منشأة بضوابط الإعلان المنصوص عليها في نظام التجارة الإلكترونية، مشيراً إلى أن من أهم هذه الضوابط: أن يصرح بوضوح أنه يقدم مادة إعلانية، وأن يذكر اسم المنتج أو الخدمة المعلن عنها، وأن يتحاشى تضليل المستهلك بادعاءات كاذبة، وأن يمتنع عن الإعلان عن منتج مقلد أو مغشوش أو علامة تجارية لا يملك موفر الخدمة حق استخدامها.
المؤثر ليس إعلامياً
وحول عمل المؤثرين وعلاقته بالعمل الإعلامي، عودة إلى الدكتور الحلوة، الذي يقول «إن المؤثر ليس إعلامياً، وفي الغالب هو شخص من الجمهور، له متابعوه بحكم خبرته أو جاذبيته الشخصية، وهو يستفيد من هذه الشهرة في نقل أفكاره للجمهور، ومن ضمن ذلك الترويج للسلع والمشاركة في الحملات الإعلامية وغير ذلك». ويردف موضحاً «في التعريف الأكاديمي للمؤثر… هو شخص له شبكة واسعة من المتابعين أو الصداقات في المجتمع، بحيث يكون له دور في تشكيل الرأي حول قضية معينة، لما يملكه من خبرة أو جاذبية أو سمعة لدى جمهور محدد»، ويختتم بالقول «المؤثرون ليسوا إعلاميين بقدر ما هم قادة رأي في مواضيع محددة، وفقاً لمتطلبات البيئة الاجتماعية التي يمارسون فيها نشاطهم».