actualite

مقال : حوار وطني أم مؤامرات سياسية ضد مصالح الوطن ..؟!

كتب #محمدالأمين غي “ابن الزهراء” .

الحوار الوطني الثاني الذي أطلقه الرئيس ماكي صال عقب انتخابه رئيسا للبلاد لمأمورية ثانية مع المعارضة السياسية و شرائح المجتمع المدني ليس حوارا بعيدا عن مصالح المواطنين السنغاليين ، بل يمكن القول أنه تحول إلى وباء أخطر من كوفيد-19، يستغله النظام الحالي لفرض سياساته التي تنصب لمصلحته الخاصة.

◈عودة إلى البدايات :

في 20 مارس 2016، نظم الرئيس ماكي صال استفتاءً عاما ضم 16 نقطة تتمحور أغلبها حول التعديلات الدستورية وتخصيص امتيازات لصالح المعارضة وزعيمها ، وتم تحديد الفترة الرئاسية بخمس سنوات ، بحيث لايستطيع أي رئيس البقاء في السلطة أكثر من ولايتين .
وركزت النقطة السادسة عن تعزيز حقوق المعارضة ، وزعيمها وحالة معارضتها ، وعقب فوزه بالأغلبية الساحقة في الاستفتاء أطلق الرئيس ماكي صال حوارا وطنيا شاملا ، تم فيه الحوار مع معارضيه ، وأفراد المجتمع المدني ، والجمعيات الدينية ، والاجتماعية ، لاكن في ختام المشاورات لم يستفد منه إلا النظام الحالي الذي اتفق مع المعارضة في محاولة اطلاق سراح المتهمين باختلاس أموال الدولة (كريم واد الإبن وزملاءه) تحت غطاء مصالحة سياسية بين الرئيس وأفراد من المعارضة ، والذي أكده أخيرا وزير المعادن الجديد عمر صار خلال جلسة عامة للتصويت على ميزانية وزارته في مجلس النواب ، حيث قال أنه هو الذي قام بالوساطة بين ماكي وواد الأب خلال مشاركته في الحوار الوطني الأول لإبرام بروتوكول يهدف إلى إطلاق سراح كريم واد ،
وشهدت الساحة السنغالية بعده سجالا سياسيّا بين زعماء الأحزاب الذين قاطعوا الحوار الوطني ، وكان ذلك نتاجا للسياسات الإنتهازية التي سلكتها الحكومة الحالية في تعاملها مع المعارضة ، وانتهى هذا السجال بالقبض على الزعيم السياسي خليفة صال رئيس بلدية دكار لرفضه المشاركة في الحوار وتضعيف قوة الحزب الحاكم في العاصمة دكار في الانتخابات البلدية ، وهو ماأدى إلى أن يُحكم عليه بالسجن 5سنوات مع غرامة مالية تقدر ب5مليارات فرنك سيفا بعد إدانته بالتزوير في ميزانية بلدية دكار ، لأن النظام اعتبره منافسا قويا لا بد من القضاء عليه .
وفي الوقت ذاته، كان السياسيون المشاركون في الحوار الوطني يستغلون الوضع لكسب قاعدة شعبية كبيرة لصالحهم ، خاصة فيما من يمثلونهم في البرلمان السنغالي ، إذ تم تنظيم الانتخابات التشريعية في يناير 2017 ، وكان أبرز الفائزين هم نواب الحزب الحاكم (تحالف بِينُو بُوكْ يَاكَارْ ) الأغلبية الساحقة التي حصلت على 125 مقعدا، و 19 مقعدا لصالح الحزب الديموقراطي السنغالي (تحالف غَجَانْت وَتُّو سِنِكَال) بزعامة الرئيس الأسبق عبد الله واد، و7 مقاعد لتحالف المعارضين البارزين باسم ((“مَانْكُو تَخَاوُو سِنِكَالْ”)) بزعامة خليفة صال وإدريس سك وشيخ بامب جيي ووو… ، و3 مقاعد لحزب الوحدة والتجمع بزعامة السيد عيسى صال (مرشح في رئاسيّات 2019 ) ومقعدان لتحالف (كَادُّو أَسْكَنْوِ) والمقاعد الباقية للأحزاب ال9 الباقية في المعارضة ، منهم نوّاب للسنغاليين في الخارج.
ويلى ذلك ظهور الزعيم السّياسي عثمان سونكو بشكل غير متوقّع بعد فوزه بمقعد في البرلمان ، نظرا لما يتّسم به خطابه السياسي من مواصفات معارض ، حاول خلاله اتهام الحكومة وعلى رأسها ماكي صال بالفساد وسوء الإدارة مما كان له أكبر الأثر في خوضه غمار رئاسيات 2019 لمواجهة النظام الحالي.
وأجريت الانتخابات الرئاسيّة في 24 فبراير 2019، في ظل مخاوف على مستقبل تطبيق الديموقراطية بشكل متوازن في المشهد السياسي، وأظهرت النتائج التي أعلنها المجلس الدستوري عن فوز الرئيس المنتهية ولايته ماكي صال بأغلبية ساحقة في الدور الأول بنسبة 58,26%، بينما لم يحصل إدريس سيك الذي احتلّ المرتبة الثانية إلاّ على20 % ، ويليه في المرتبة الثالثة عثمان سونكو بنسبة 15% تقريبا، والخُلاصة هي أن السيد ماكي صال فاز في الجولة الأولى ، وتم انتخابه رئيسا للسنغال لولاية ثانية قد تنتهي في سنة2024 .

◈تكرار نفس السيناريو ، وخطورته على مستقبل الدولة :

دعا الرئيس المنتخب ماكي صال المعارضة بمختلف أحزابها السياسية وشرائح المجتمع المدني إلى حوار وطني ثانٍ عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية 2019 .
و لدى افتتاح جلسات الحوار الوطني الثاني الذي أطلقه في 28 مايو 2019 ، أكد الرئيس ماكي صال على الحاجة إلى التوافق في سياق عالمي و إقليمي، قائلا « إن المخاطر تكمن في عدم التوصل إلى توافق في الآراء بما يعكس مصالح السنغال… وأردف قائلا: أريد من انطلاق، هذا الحوار الموسع أن نلبي احتياجات جميع المواطنين السنغاليين، و نبتعد عن كل ما من شأنه أن يكون سببا التراجع الاقتصادي .

مرت الدولة خلال هذه الفترة بمراحل صعبة جدا بعد تراجع كبير في نمو البلاد واستثمارها، والسبب في ذلك بيع تراخيص الصيد للأوروبيين ، وسوء استغلال العقود للموارد الطبيعية وأبرزها النفط والغاز اللّذان يُحتمل أن يستفيد منهما الشعب السنغالي في رفع النمو وتنمية البلاد في جميع القطاعات.
أضف إلى ذلك ظهور جائحة كورونا في مطلع العام الجاري بشكل مفاجئ، وأضرارها الكثيرة التي ضربت كافة القطاعات الحيوية في البلاد وخصوصا الاقتصاد.
كل هذا ، والسياسيون المُلَّبُونَ لدعوة الرئيس في الحوار الوطني يتآمرون على مصلحة الوطن والمواطنين ، الأمر الذي دفع بعض المعارضين إلى مغازلة النظام، وعلى رأسهم رئيس حزب” رومي ” السيد إدريس سك الذي عينه الرئيس ماكي صال على رأس المؤسسة الثالثة على مستوى الدولة ، وهي المجلس الإقتصادي والاجتماعي والبيئي، مع حقيبتين وزارتين في الحكومة الحالية ، ويليه أفراد من المعارضة كعمر صار الذي عُيّن وزيرا للمعادن والجيولوجيا، وأيستا تال صال رئيسة للديبلوماسية السنغالية التي أعلنت قبيل الإنتخابات الرئاسية الأخيرة دعمها للمرشح ماكي صال.
وواضح أن انضمام السياسي إدريس سك إلى صفوف الموالين للنظام كان بمثابة قنبلة لدى أبناء الشعب والمراقبين ، إلا أن الأخير سلّط الضوء- ربما للتخفيف من وقع القنبلة- مبررا عمله بجانب رئيس الجمهورية بأنه ضرورة فرضتها الظروف الدولية القاهرة بسبب الجائحة التي دفعت بالعديد من الدول إلى الحضيض.
أضف إلى نتائج الحوار الوطني، تكاتف أغلب الساسة مع الحزب الحاكم في نفس المسار لتقسيم الكعكة على حساب الشعب المضطهد .

والحقيقة أن الحوار الوطني الذي دام أكثر من سنة و7 أشهر كشف المؤامرات السياسية التي وضع آلياتها الأسد النائم لجلب الصيد الثمين في المعترك السياسي لتقوية نفسه وتجاوز العقبات عبر خطتين :
-كسر شوكة المعارضة لقطف بطاقة التأهل في رئاسيات 2024 ، والتي يرى المراقبون إستحالته قانونيا.
-تهيئة الجو للحصول على المخرج المشرف للتخلي عن الرئاسة ، وترك خلف قوي ينوب عنه تجنبا للملاحقات في المستقبل … .

◈ختاما :
في ضوء ماسبق؛ يمكن القول: بأن الحوار الوطني ليس إلا مأدبة طعام تضم ألّذ المأكولات وأبرد المشروبات يتقاسمها أفراد من الشعب وهم الساسة ، لسد جوعهم ومناقشة قضاياهم وتجاذب أطراف الحديث بينهم على عاتق الشعب الضحية .
وبعبارة أخرى إنه مجرد مسرحية عديمة الفائدة ولايمت للتنمية بصلة وكنا نعول على هذا الحوار لإنقاذ البلاد من أزماتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى