Articles

مقال: تقاعس معظم أغنياء قارتنا عن تنفيذ المشاريع الخيرية ..ترى ما هي العلة !…؟

د.محمد الأمين سوادغو

أيُّها الأفارقة ، متى نَبني مساجدَنا ومدارسَنا ونحفر آبارنا ونكفل أيتامنا بأموالنا في أفريقيا؟!

لا شكّ أنَّ العمل الخيري الإنساني عملٌ عظيمُ الأجر والثوابِ، يُضاعف الله أجرَ المُتبرعين والوسطاء والمنفِّذين في حياتهم وبعد مماتهم، هي صدقة جاريّة لهم، وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم عليه في أحاديثَ كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم “من كان معه فضلُ ظَهرٍ، فليعد به على من لا ظَهرَ له، ومَن كان معه فضلُ زادٍ، فليعد به على مَن لا زادَ له”. أخرجه مسلم في صحيحه .

انطلاقاً من هذا الحديث وغيره كما أسلفتُ كان آباؤنا وأجدادنا في أفريقيا يحرصون كل الحرص على بناء مساجدهم من عِرق جَبينهم، من حلالٍ واضحٍ، لا يشوبه شائبة، لم يكنوا يقبلون أخذ التَّبرعات من أيّ متبرعٍ لبناء مساجدهم إلاّ بعد التّحقّق التامّ من طبيعة أموال المُتبرّع، كم من مسجد بُني في أفريقيا بأموال البُسطاء ومن الطوب اللَبِن، يرفضون مبدئياً أموال الأثرياء؛ لأنّهم يشكّون في مصدره، لا يريدون أن يبنوا بيوت الله بأموال مشبوهة محرَّمة، كانوا يشيّدون مساجدهم بأنفسهم، بمشاركة جميع من يثقون في نظافة ماله، خوفاً من أن يقعوا في الحرام عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم “إنّ الله تعالى طيّب لا يقبل إلاّ طيباً”. رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وبعد انتشار الإسلام في أفريقيا وخاصَّة مع نهاية القرن العشرين توجّه المسلمون الطيبون إلى أفريقيا للدَّعوة وفعل الخيرات، ومساعدة الفقراء والمساكين والمستضعفين، فوصلتْ قوافل دعويّة خيريَّة لنشر الإسلام فيها من كل أنحاء العالم الإسلامي، منهم عرب وعجم، ثم تطوّر في الفترة الأخيرة إلى تقديم خدمات جليلة في جوانب عديدة، تشمل الجانب الإنساني والاقتصادي والتّنموي، من بناء المساجد والمدارس الاسلامية وحفر الآبار وكفالة الأيتام وإفطار الصائمين وغيرها من الدعم الإنساني الإسلامي الممتاز الذي يقدمه بعض المحسنين للمسلمين في أفريقيا.

لكن بعد دراسة مُعمقة؛ ومُتابعة دقيقةٍ، وفحص كشّاف، أدركتُ بلا ريبٍ أن الّذين يتبرعون لهذه الخدمات الإنسانية للأفارقة في أفريقيا من العرب وغيرهم ليسوا جميعاً أغنياء، بل معظمهم أصحاب حاجّة وفاقّة، ليسوا أثرياء كما يعتقده بعض الأفارقة في أفريقيا، يقيم بعضهم في بلدانهم بالإيجار، تجد أحدهم موظفا عاديا يعمل بجدّ مقابل رواتب شهريّة متواضعة، أو صاحب محل تجاري متواضع؛ لكنّهم يتبرعون بسخاء للمشاريع الخيريّة في أفريقيا، وفينا في مَن هم أكثر منهم ثراءً، من أصحاب المليارات ومئات الملايين من أبناء المسلمين؛ لكنه يُصلي في مسجد بناه لهم شخص خارج أفريقيا أقلّ منه مالاً وثراء.

ماذا تقول لأفريقي مسلم يمتلك ملايين ويصتف على طابور طويل جداً بين النساء والأطفال بُغية الحصول على كليو ونصف من اللحم في يوم العيد صدقةً من أناس خارج أفريقيا ولا يتحصل عليها إلا بعد مشقّة، ويصل به إلى منزله بعد الظهر من يوم العيد، هذامثال بسيط جداً على قلّة تفكيرنا وتقديرنا لما نمتلك من أموال وقدرات.

يا تُرى ما هي العلّة…؟

تعود العلّة حسب متابعتي وقراءتي ورصدي المتواضع إلى عدة أسباب، منها على سبيل المثالٍ/

1- الإنسان الإفريقي مهزوم نفسياً؛ بسبب الغزو الثّقافي الغربي الشّديد والمركّز عليه، حيث أقنعونا في أفريقيا أنّنا فقراء، وأنّ أفريقيا قارة فقيرة مريضة مشلولة، عليها الاعتماد على الآخرين كلياً في كل شيءٍ حتّى في حفر الآبار ولحوم الأبقار، فتجد أفريقيا غنياً يتسوّل، ويَقبل الصدقات بل يتعاركون بشدّة حولها، ويتصرف كأنه فقير كادح، أو مسكين مفلس، ينتظر من شخص خارج أفريقيا أن يبني لهم مسجدهم، أو مدرستهم أو يحفر لهم بئراً في قريتهم، والسّبب هو أنّه وضع في عقله الصغير أنّ جميع العرب والآسيان أغنياء، كما يعتقد أنّ جميع البيض في الغرب أثرياء، وحدهم الأفارقة فقراء مساكين وإن كان يمتلك مئات الملايين، أويمتلك آلافا من رؤوس الأبقار.
لا بدّ أن يقتنع الأفارقة أنّ أفريقيا ليست قارة فقيرة، وأنّ الأفارقة ليسوا فقراء على الاطلاق، علينا جميعا البحث عن مصدر هذا البؤس الشّديد، والتّعاسة اللامحدودة، فقرنا في عقولنا وليس على أرضنا، وفي تصوّراتنا، بَرْمَجُونا كالأجهزة كي نؤمن أننا فقراء ونعيش في تعاسة شديدة ومستمرة وبيدنا الأموال، نحتاج إلى تفكيك هذه البرمجة تماماً.

مثلاً؛ “في عام 2008 أنتجت أفريقيا ما يقرب من 505 طناً من الذهب، وهو ما يعادل نسبة 25% من إجمالي إنتاج الذهب في العالم، واحتياطيات القارة من الذهب تصل إلى 50% من احتياطات العالم” وفق بعض الدراسات الأفريقية غير الدقيقة؛ لأن الرقم أكبر بكثير من هذا، يسرقونها لهذا لن يكتبوا لنا الأرقام الصحيحة.

وتقول دراسات أفريقية وغربية أخرى غير دقيقة أن أفريقيا تملك “حوالي 124 مليار برميل من احتياطي النفط، وهو ما يقدر بحوالي 12% من إجمالي احتياطي النفط العالمي، هذا بالإضافة إلى 100 مليار برميل على شواطئ القارة في انتظار أن يتم اكتشافها.”

نحن في عالم التقنية الحديثة، منها الأجهزة اللوحية الذكية، والهواتف وغيرها، التي تصنع من مادة الكوبالت الباهضة الثمن، يتم إنتاج 50% من المادة الخام الموجودة في أسواق العالم من أفريقيا، وبالتحديد من جمهورية كونغو. مثال آخر، لا يخفي عليكم أن جمهورية ساحل العاج هي أكبر منتج عالمي لكاكاو، 40 % من السوق العالمية تعتمد على انتاجها. وجمهورية النيجر هي التي تنوّر فرنسا، ” يمد يورانيوم النيجر فرنسا بأكثر من 35% من احتياجاتها من الطاقة النووية والتي تسهم بدورها في 75% من الطاقة الكهربائية الفرنسية” .

وحدث ولا حرج عن أصحاب رؤوس الأموال في إفريقيا،
فالبنوك الأوربية والآسيوية مليئة بالأموال الأفريقية، قالت مجلة “فوربس”، في تقرير حديث لها حول أغنى الأغنياء في العالم، أكدت أن في ثمانية دول في القارة الإفريقية، 25 مليارديراً، أثرياء حتّى النخاع، وهم من المشاهير أمّا غير المشهورين في أفريقيا فكثيرون جداً، منهم أصحاب المزارع والمواشي تقدر بالمليارات، أملاك ضخمة.
هل بعد كل هذه الأمثلة البسيطة جدا والتي ضربتها لك لازلتّ تقول إن أفريقيا قارة فقيرة، وسكانها فقراء، عليهم أن ينتظرون شخصاً يأت خارجها ليوزع لهم الملابس ويبني لهم المساجد والمدارس ويحفر لهم الآبار ويوزع لهم اللحوم في الأعياد…؟!

2- جهل معظم “أثرياء المسلمين وتجارهم” بأهمية الأعمال الخيريّة في أفريقيا:
الباحث عن طبيعة “أغنياء المسلمين” في أفريقيا يُدرك بوضوح أن نصيب معظمهم في العلوم الإسلامية بسيطة، يتعلّم أحدهم في الكتاتيب ردحاً من الزمن ثم يلتحق بالتّجارة ويوفَّق فيها، فلا يعرف أهمية وقيمة هذه الأعمال الخيرية في صحيفته يوم القيامة بل ينتظر أن يأت أي عربي من الخليج أو شمال أفريقيا بأمواله وزكواته لبناء مساجدنا وحفر الآبار لنا؛ فأمثالهم بحاجّة إلى التّوعية والتّثقيف والحثّ على هذه الأعمال الخيريّة والإنسانية في أفريقيا.

3- انعدام الثقة بين معظم أغنياء المسلمين في أفريقيا ومعظم الشيوخ والدعاة العاملين في المشاريع الخيرية الاسلامية:
الباحث عن سبب عزوف معظم أغنياء المسلمين وتجارهم عن تنفيذ بعض المشاريع الخيرية الاسلامية الضخمة في أفريقيا يدرك بجلاء أن هناك أزمة ثقة بين معظم الأثرياء والتجار والعاملين في هذا السلك الخيري، بسبب الفساد الذي دب في جسد العمل الخيري في أفريقيا، احتيال، وسرقة، ونهب بطرقة غريبة وعجيبة، يأخذ أحدهم ملايين لبناء مسجد ويدخل فيه “ربع المبلغ” ويجيّب البقية ثم يكلّف المصلين أو أهل القرية بالمشاركة في بناء المسجد الذي أخذ تكلفته كاملاً هكذا يفعل بعض المحتالين مع حفر الآبار وبناء المدارس وكفالة الأيتام وغيرها، تراه بعد فترة وجيزة بل بين عَشية وضُحاها ثريا، يمتلك أفخم السيارات وأضخم الفيلات، يمتلك ما لا يمتلكه التاجر، ثم يطلب من التاجر دعما لهذه المشاريع، والكل يعرف أنه تلاعب بأموال المشاريع الخيريّة، ومنها بنى حياته ومَجدَه، فكيف يثق به التجاروالمتبرعون؟!

فبعض الذين يعملون في المشاريع الخيرية في أفريقيا يمتلكون ما لا يمتلكه التجار والأغنياء، في فترة زمنية قياسية بعد خوضه غمار هذه المشاريع الخيرية، شيوخ ودعاة أغنياء بالاحتيال، فنزع الله البركة من أعمالهم، وحول قلوب التجار عنهم؛ لأن الأموال التي سيتبرع بها لبناء مسجد أومدرسة أو كفالة يتيم لن تصل الى المستهدفين كما ينبغي؛ فيفضل ألا يقدم أمواله للمحتالين اللصوص، يصرفها في شيء آخر.

4- هناك مجهودات جبّارة مشهودة لبعض أغنياء المسلمين وتجارهم في أفريقيا في مجال الأعمال الخيرية، من بناء المساجد والمدارس وحفر الآبار وكفالة الأيتام وغيرها لكن لا ترقى إلى المستوى المطلوب والتحدّي، مناطق المسلمين بحاجة الى المستشفيات والمدارس والآبار وغيرها، نريد أن يتحمل الأفارقة مسؤولية دعم المشاريع الخيرية الإسلامية كلياً، ويتم تمويلها من جيوب الأفارقة، وألا يعتمدوا على أموال الآخرين، كفاكم ذلا ومهانة، وفيكم أثرياء لا ينقصكم إلا الإرادة الصادقة.

إذن علينا نشر التوعية بين أوساط تجار المسلمين وحثهم على تمويل المشاريع الإسلامية الخيرية والاستثمار فيها، وزرع الثقة بيننا وبينهم من خلال محاربة المحتالين في الأعمال الخيرية واللصوص الذين يستغلون الأعمال الخيرية لنهب أموال الفقراء والأيتام والمساجد والمدارس وغيرها.

داعية إسلامي إفريقي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. مقال جميل يحتوي على معلومات صادقة ،جزى الله خيرا مسطره ،فهو على دراية تامة بماتعانيه قارتنا الجميلة ، والله المستعان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى