مقال : الرسول الأعظم في نظر المنصفين في الغرب ..
د. عبد اللطيف حسن طلعة
يريد كل واحد منا أن يظهر أمام أهله ومجتمعه أنه حامي الحمى، ولا يقترب من أفراد أسرته أحد، فلها الحصانة المطلقة، أخطأت أو أصابت، إلا رجلا واحدا فقط قالها صراحة وبدأ بأهل بيته حين قال: “لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا”، هكذا بدأ الكاتب الألماني (همر) كلامه عن نبي الإنسانية -صلى الله عليه وسلم- وأضاف: “أن دعوته تجذب القلوب والعقول، وتعالج النفوس المريضة فالقيم الإنسانية التي ننادي بها اليوم هي في صلب خطابه؛ لذا لا عجب أن يزداد مريديه كل يوم”.
حلول مشاكلنا جميعا في الاقتداء بالمعالجة الموضوعية للأمور التي تعرض النبي المصطفى لها في أثناء حياته، مثل: واقعة الحجر الأسود عندما أرادت كل قبيلة من قبائل قريش أن يكون لها شرف وضع الحجر الأسود في مكانه حين انتهوا من بناء الكعبة، فتنازعوا ولم يتفقوا وكاد أن يحصل بينهم قتال، حتى قال رجل منهم: “نُحَكِّم أول رجل يخرج علينا”، وكان رسول الله أول مَن خرج، فحدثوه في أمْرهم، فأمَرهم برفع الحجر على قطعة قماش، ويمسك كل زعيم من زعمائهم بطرف منها، حتى وصلوا مكان الحجر. اقتنع الجميع بالحل، ونزع من بينهم فتيل حرب كادت تودي بحياة الكثيرين.
لم يكن (همر) الوحيد الذى أشاد بحكمة وحسن إدارة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فهذا المستشرق الكندي الدكتور (زويمر) يتناول بلاغة النبي وشجاعته ورجاحة عقله بقوله: “إن محمدًا كان مصلحًا قديرًا، بليغًا فصيحًا، جريئًا مغوارًا، ومفكرًا عظيمًا، لا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء”.
يدرك مثقفو الغرب، وساساته، وقادة الرأى فيه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن عدوا لدين قط، أو مناهضا لجماعة بعينها، أو يعمل لحساب أحد، وفي سيبل ذلك تحمل الاضطهاد، وكل صنوف التعذيب النفسي والبدني، لا لأجل شئ إلا لنجاة الإنسانية. فما قاله الكاتب الإنجليزي الساخر (برنارد شو) إنصافا للرسول الكريم، إذ قال: “لو أنَّ محمدا جلس بيننا الآن؛ لقام بحل مشاكل العالم بقدر ما يُشرب فنجان من الشاى”.
يدرك المتشدقون والمتعصبون في الغرب وفي الشرق أيضا أن العدل والمساواة والحرية قوام بناء الدول، فقد كان رسول الأمة صلى الله عليه وسلم حريصا على ذلك، فعلى المستوى العام: وجدناه ينصف المضطهد المنكسر (بلال ابن الرباح ) ، ويعقد اتفاقية الدفاع عن المدينة مع الكفار أنفسهم، ويدافع عن حقوق النصارى بتصريح (عدم إيذاء النصارى)، وعلى المستوى الإنساني: ينتصر لليتيم في جعل مكانة عظيمة له، وللوالدين بالحرص على الرحمة بهما، وللحيوان حتى أن الجمل همس في آذنه.
أما آن للغرب والشرق، والقاصي والداني أن يعودوا إلى رشدهم؟!