
مقال: الأستاذ برهام جوب قمر في سماء إفريقيا
د.عبد اللطيف طلحة
دُعيت إلى التليفزيون السنغالي في أوائل يناير 2014 م لأحد البرامج التليفزيونية، دخلت إلى مبني التليفزيون قرابة الساعة الثالثة عصراً ، وفي طريقي داخل التليفزيون استوقفني رجل يبدو على وجهه البهاء والوقار قائلا : أن من يلبسون هذا الثياب (الزي الأزهري ) إنما هم رسول للإنسانية ونحن هنا في السنغال نقدرهم ونجلهم منذ سيدي شيخ الإسلام الحاج إبراهيم إنياس ، قلت له أيها الرجل المحب للأزهر ورجاله من تكون ؟ ، قال : إن الأزهر هو المؤسسة التي قيضها الله تعالى لشرح صحيح الإسلام وكنت ولا زلت على تواصل معها واُدعى إلى كل مؤتمر يقام في الأزهر، ثم قال تعالى هنا في غرفة جانبية فأنت ضيف على بلدي نتناول الشاي فأنتم أهل مصر تحبون وتقدسون الشاى ، قلت له على الرحب والسعة ، جلسنا قرابة الربع ساعة حدثني فيها الرجل عن الأزهر العملاق قائلا : أنا إبراهيم محمود جوب عضو مجمع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وتعاملت مع شيوخ للأزهر كُثر ، لكنني لن أنسى فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر الذي لحق ربه في العام 1996 ، هذا الرجل والكلام ما زال لإبراهيم جوب اسم على مسمى لا مكان للخوف عنده ، لا يجامل في شرع الله ، يوم أن زارنا في السنغال كان يوماً وطنياً وإسلاميا بامتياز ، يومها قال لي الإمام جاد الحق : إني لمست لديكم في السنغال السماحة والفطرة السليمة ، وقال الأستاذ جوب : إننا هنا في السنغال نعتبر الأزهر المؤسسة الأولى للتعليم ، وقال : إن سيدي شيخ الإسلام الحاج ابراهيم انياس رحمه الله تعالى كان يعشق مصر وفي القلب منها الأزهر الشريف حتى أن أولاده كلهم تعلموا في الأزهر ، وقد أوصى أولاده بضرورة الاهتمام بأبنائهم من خلال إلحاقهم بالتعليم الأزهري في مصر وهم ما زالوا على العهد والوعد ، مرت الوقت بسرعة ونحن نتبادل أطراف الحديث الشيق الممتع مع هذا العملاق ، وقبل الافتراق طلبت منه رقم الهاتف للتواصل ، غادر الأستاذ إبراهيم جوب مبنى التليفزيون بينما ذهبت أنا إلى الاستديو ، مضت خمسة أيام بادر هو بالاتصال بي لتناول الطعام معه في بيته ، لكن لظروف مؤتمر كلفت به اعتذرت ولم أذهب للموعد ، بعدها بأيام طلبته على الهاتف فوجدته مغلقاً ، كررت الطلب في أيام لاحقة والهاتف مغلق ، سألت أحد الأصدقاء السنغاليين فاخبرني أنه ذهب للعلاج خارج السنغال ، ظل يعالج إلى أن توفاه الله تعالى في المغرب في يونيه 2014 م ، يوم أن شيعت جنازته كان يوماً مشهوداً في السنغال بأكمله حيث بكاه الصغير قبل الكبير والنساء قبل الرجال ، بل بكاه العالم الإسلامي .

يعد “جوب ” هو التلميذ النجيب البارع الملازم لشيخ الإسلام الحاج إبراهيم إنياس رحمه الله، رافقه في رحلات كثيرة وكان ساعده الأيمن وسكرتيره الخاص ، في أحد لقاءاته العلمية في الرباط عاصمة المغرب أعجب به الملك الحسن الثاني لقوة ألفاظه وبلاغته غير المعهودة ، وفي مصر إبان ثمانينات القرن الماضي وأثناء القائه خطابا أمام الرئيس حسني مبارك آنذاك أعجب به إعجابا شديدا وهو يلقي خطابه حتى أن مبارك قال (من هذا العالم الجليل صاحب الكلام المنمق فكلامه يسلب العقل واللب .
شغل الاستاذ جوب مناصب عديدة لخدمة العالم الاسلامي منها
1 ـ عضو مجمع البعوث الاسلامية بالقاهرة قرابة 20 عاماً
2 ـ رئيس رابطة علماء الاسلام بالمغرب
3 ـ عضو رابطة العالم الاسلامي بمكة المكرمة قرابة ربع قرن .
4 ـ رئيس جمعية أنصار الدين السنغالية ، عموما هناك مناصب كثيرة تولاها الفقيد لا يسعها مقالنا المتواضع ،بالإضافة إلى بحوث ودراسات أثرى بها المكتبة الإسلامية ليس مجال ذكرها اليوم
الأستاذ جوب الذي تعدى الثمانين بعامين قبل وفاته ليس قمراً في سماء إفريقيا فقط ، بل كان من المدافعين الأشداء عن كل القضايا العربية والإسلامية ،فهو العالم والداعية الكبير والخطيب الفصيح المتمكن من اللغة العربية .. ما هو إلا نموذج لعشرات بل مئات من أولئك العلماء الأعلام الذين دافعوا عن الإسلام واللغة العربية في القارة السمراء وغيرها من القارات .
كنا نتخيل أنا وزملائي أن هذه البلدان بلا علماء ، لكن ثبت لنا أن هذا الشعب لديه من العلماء والمجاهدين الأفذاذ من يستحقون أن نحترمهم ، لا بل هناك من يستحق أن ندرسهم ونضع قاماتهم في مناهجنا الدراسية ، فهؤلاء هم من نشروا الإسلام وبصدق في ربوع إفريقيا ، والكثير من الدول الأوروبية والأسيوية ، إن السنغال التي أنجبت الحاج عمر الفوتي ، والشيخ أحمد بامبا ، والشيخ الحاج مالك سي ، مروراً بشيخ الإسلام الحاج ابراهيم انياس ، وصولاً إلى حبر السنغال الأستاذ إبراهيم محمود جوب هي بلد أنجب العلماء الذين يجب أن نرفع لهم القبعة ، تحياتي لهذا الشعب وعلمائه ومجاهديه لأن التواجد في وسطهم شرف لنا .