Articles

ماغل ..ذكرى نفي الشيخ الخديم
بطلنا الذي قهر غطرسة المستعمرين بالثبات على الحق

بقلم فاضل غي

لم يتعرض لظلم المستعمر الفرنسي وغطرسته في السنغال أحد مثل ما تعرض وعانى منه الشيخ الخديم “أحمد بامبا” ، ضايقوه فلم يعبأ بهم ،واتهموه بالاستعداد للجهاد ضدهم كاذبين ، ورد عليهم بقصيدة نفى فيها تهمة الجهاد الذي يقصدونه هم ، مبينا لهم أنه بالفعل مجاهد ..لكنه يجاهد بالعلوم وبالتقوى ، فجعلوا أصابعهم في آذانهم ، ونفوه خارج وطنه الذي يعرفه ويحبه ، وذهبوا به إلى أفريقيا الاستوائية ،وتركوه هناك في غربة ووحشة لأكثر من سبع سنوات ، أعادوه بعد هذه السنوات الطوال إلى البلاد ، لكنهم لم يتركوه يسترد حريته ويتفرغ لأسرته وتلاميذه وأتباعه ، بل وضعوه في إقامة جبرية إلى أن انتقل إلى جوار ربه سنة ١٩٢٧. وتعيش مدينة طوبى هذه الأيام أجواء ” ماغال ” وهي ذكرى نفي أبي المحامد بطل الإسلام وقاهر الأصنام ،، صنم الجاه والجوائز والمال، صنم الثروة ومتاع الدنيا الفانية ، الشيخ الخديم من قبل المستعمر الفرنسي الجائر .
المألوف أن يحتفل الإنسان بيوم السعادة .. يوم الفرح والسرور والحبور ، أما الشكر والحمد والاحتفال بذكرى النفي والإبعاد عن الوطن فلا يقوم به إلا الصالحون الذين يرون في الابتلاء نعمة لا نقمة ، وفي المحنة سعادة وتقربا إلى الرب الخالق الذين وطّنوا أنفسهم على مبدإ لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وجعلوا شعارهم قول الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه وهو يشكو إلى ربه ضعف قوته وقلة حيلته يوم ابتلاه المولى عزّ وجل بكفّار طائف ومجرميها الذين رموه بالأحجار حتى ادموا جسده الطاهر :” فلك العتبى حتى ترضى ” ..
ولا يشك منصف في أن الشيخ أحمد بامبا انتهج منذ صباه نهج الحبيب المخدوم صلى اللّه عليه وسلّم ، واهتدى بهديه وتمسّك بسنته ، فلا يستغرب عليه والحال هذه أن يُقبل على محنة الغربة سعيدا مبتهجا حريصا عليها .. بل معتبرا هذا الابتلاء نعمة يشكر الله عليها ، وقد تجلّى ذلك في أقواله وأفعاله قبل وأثناء وبعد هذا النفي ، وليس أدل على ذلك من قوله: أسير مع الأبرار حين أسير * وظنّ العدى أنّي هناك أسير
حافظ بطلنا على عقيدته الإسلامية ، ودافع عن مبادئ الدين بقوّة إيمانه وحسن تربيته ونقاوة سريرته ..
قابل الشيخ الخديم الكفر بالتوحيد ، وبغي المستعمر الفرنسي بشجاعة المؤمن الواثق بربه .
ردّ على التنصير الذي جاء مع الاستعمار بقوله:
يا جملة قد ثلثّوا بضلالهم * من لم يكن ولد له أو والد ،
ثم لما يئسوا من زعزعة إيمانه وكسر ثباته وصموده اختلقوا الأكاذيب كعادتهم مستخدمين بعض الوشاة المرتزقة من المواطنين لاتهامه بالجهاد .. لم ينكر الشيخ الخديم تهمة الجهاد ، بل اعترف بأنه مجاهد لكنّه جهاد من نوع مختلف ..وقال:
ومقالكم إني أجاهد صادق * إني لوجه الله جلّ أجاهد
أجاهد بالعلوم وبالتّقى * عبدا خديما والمهيمن شاهد
سيفي الّذي يَفري طُلى من ثلّثوا * توحيده فهو الإله الواحد
ومدافعي اللاّتي بها أنفي العدى * وبها يفارقني عنيد قاصد
ذكر حكيم أحكمت آياته * ممن يزحزح ما يريد المارد
أما رماحي فالأحاديث التي * وردت عن الماحي ونعم الوارد
وبها أزحزح بدعة قد أحدثوا * وبها يلازمني سعيد عابد
هكذا واجه أحمد بامبا الآلة العسكرية المستعمرة..وعلى هذه المبادئ عاش وسط أعدائه المستعمرين في منفاه بإفريقيا الإستوائية ..وقضى هناك في الغابون ما يزيد عن سبع سنوات وحيدا يستأنس بكتاب ربّه وحب ومدح حبيبه أبي القاسم صلوات الله وسلامه عليه دائما فلما عجز المحتل الفرنسي عن القضاء على صموده اضطّروا لإعادته إلى أرض الوطن..والعجيب أنه كتب بعد وصوله إلى ميناء دكار قائلا:
عفوت عن الأعداء طرّا لوجه من * نفاهم لغيري سرمدا لست أدفع..
هذه هي قصة وتاريخ هذه المناسبة الوطنيّة التي تعتبر ذكرى ينبغي أن تدفعنا جميعا إلى إعادة قراءة حياة ومواقف هذه الشخصية الإسلامية الفذة الذي قهر غطرسة المستعمر وجبروته باللاعنف ، وتمسّك بسنة المختار صلى الله عليه وسلم كأكمل ما يكون التمسّك ، متصوّف نعم ..لكن التصوّف في مفهومه وممارسته هو الزّهد وما أظن أن أحدا ينكر أهمية الزهد في الإسلام .
فهنيئا للسنغال بهذه الذكرى ، وهنيئا للإسلام والمسلمين بأعمال و مواقف هذا البطل الإسلامي الكبير.

.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى