قراءة في (الشأن المالي) هل روسيا كفيلة كحليف إستراتيجي وبديل سياسي ؟
جبريل لي “السماوي “
من السّذاجة التوهّم بأنّ التعاقد الحاصل بين الحكومة الانتقالية في مالي، والشركة الرّوسية (فاغنر ) التي تعمل في مجال بيع الأسلحة، وغرس الميليشيات في المناطق الحسّاسة؛ اجراءات جيّدة نحو ايجاد حلول أمنيّ للحفاظ على (الأمن القومي) في دولة مالي الشّقيقة. هذه الشركة الرّوسية (فاغنر) التي تديرها رجال أعمال مرتزقين ، مقاتلين بالمقابل ، ليست بأقلّ ضرر من تواجد الاستعمار الفرنسي في مالي ؛ فالشّركة روسية محضة ضخمة، متخصّصة في دعم الأنظمة الشمولية، وقمع الثورات، ووأد خيارات الشّعوب،واجهاض الانتفاضات النبيلة ، بتغيير بوصلتها ومساراتها الصحيحة لأجل التدخل لأهداف شخصيّة؛ لأنّها بدون صناعة الحروب والصراعات؛ لا تبيع أسلحتها ولا تزيد نفوذ (موسكو) السياسي والاقتصادي . إن شئتَ اقرأ ما صنعوه في (سوريا) (وليبيا )من انتهاكات لحقوق الانسان والهمجية والقتل .
الدُّبُّ الروسي ( بوتين )مشغول منذ فترة بالتوسّع والتمدّد الجغرافي، وصناعة خلفاء له خاصة في افريقيا ، لأجل مصالح اقتصادية وسياسية وأمنيّة وحتّى دينية ( نشر المسيحية الأرثودكسيّة) اقرأ ما يحدث في أكرانيا، وتابع مجريات الأحداث في كازخستان حاليا. وعلى دول المنطقة (جنوب افريقيا ) عامّة والشعب المالي على وجه الخصوص أن تدرك هذه المخاطرة، والمغامرة الغامضة في التعاقد مع (فاغنر ) التي تخدم مصالح (موسكو )جيوسياسيّا ، مع العلم أنّ المنطقة حسّاسة جدّا في هذه الآونة، تضجّ بالعصابات المسلحة والارهاب ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا ستستفيد شركة ( فاغنر ) الروسية في حلّ النزاعات والاستقرار المالي ؛ علما أنّ مصلحتها هي تغذية الحروب، وتحريض الشعوب ، لأنّها في النّهاية شركة بيع الأسلحة تستفيد من الاضطرابات الأمنية في جيوبليتيك ؟
لا غرو على (الحكومة الانتقالية) في مالي أن تتعاقد مع مجرمين مرتزقة بحجم (فاغنر) لأنّها حكومة عسكريّة، والعقلية العسكريّة، لا تتقن فنّ ايجاد الحلول الأمنيّة بالدبلوماسية، والمفاوضات، بل لا تعرف سوى استخدام القوّة لفرض القوانين والحلول، ولو كان على حساب الشّعوب، وهنا تكمن خطورة بقاء (المجالس العسكرية ) في السّلطة والحكم فلا يتمتعون بالأهليّة السياسية.
يمكن فهم القراءات والتّحليلات العاطفيّة، في محاولة تأطير الاقتراب مع روسيا، وطرد فرنسا التي حطّمت الانسان الافريقي ، اقتصاديّا وثقافيا وتاريخيّا، ممّا جعل الكثير في (الرأي العام الإفريقي )يؤيّدون الانقلاب، ويحاولون تبريره بإطارات وتأويلات نظريّة. كيف لمثقّف مطلع على الجيوستراتيجية والجيوسياسية، ويعرف المعايير والمقاييس الدولية لشرعنة أيّ سلطة أو نظام ؛ أن يبرر الانقلاب بأي شكل من الأشكال ؛ الكثير يقول أنّ (المجلس العسكري الانتقالي) مُرحّب به من قبل الشعب المالي ، لكن هل هذا سيجعله سلطة رسميّة ديمقراطية ، تتمتّع بالشرعيّة الدولية، من دون أن تأتي عبر الانتخابات الرئاسيّة؟
نحن جميعا ضدّ المصالح الفرنسية في المنطقة ، لكن ليست على حساب ترك الشعب المالي الشقيق كرهينة للمجلس العسكري بقيادة (غويتا) ولا بتأييد انقلاب عسكري وُلدَ من رحم انقلاب عسكري آخر، بل نحارب النفوذ الفرنسية في القارة السمراء ، بنخب سياسية مثقّفة، تتمتع بالخبرة والأهليّة السياسية الكافية، وبإدارة استراتيجية محنّكة، وترسم خارطة طريق واضحة ، فالعسكر لم يصنع نهضة بلد، ولا نجح في صناعة نموذج إقتصادي حيّ في العالم أبدا. حتّى بول غاكامي الذي صنع نهضة روندا رغم أنه كان زعيم حزب رواندي من عرقية (التوتسي) الذي قاد الجبهة الوطنية الرواندية إلى النصر على نظام (الهوتو)في المجازر العرقية ربيع عام (1994)تولى رئاسة رواندا بتزكية البرلمان عام 2000 ثم انتُخب في الأعوام 2003 و2010 و2017.
اقرؤا أيضا تاريخ (تركيا) الذي صار نموذجا في التقدّم والتطور الإقتصادي ، فقبل تولّي حزب (العدالة والتنمية) الحكم في تركيا ، عاشت الدولة التركية تحت لعنة الجيش والعسكر (80 سنة ) بدون اقتصاد، ولا أمن قومي، ولا هيبة جيوسياسية على المستوى الدولي، ولمّا جاء أردوغان وانتخب كسياسي مدنيّ صنع نهضة تركيا في غضون عشرين سنة ، وأعادت الهيبة إلى تركيا يعني الحكم ليس للعسكر إنما عمل الجيش في الحدود ، ومكانه المعسكرات لتأمين الدولة وليست ارتجالات سياسية في القصر لأجل مصالح شخصيية .
السّماوي