Articles

قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها

كتب – جبريل عائشة لي

ولماذا إلى الآن لم يمتلئ إناؤك الصغير من فيوض المنّة والهداية، من كوثر الإيمان والإحسان. ولم يرتو روحك الظامئ -لحد الحظة- بل ظلّ يتأرجح من قاع إلى قاع..يتدحرج من ظلمات بعضها فوق بعض؛ بحثا عن مكان دافئ يصلح للغفوة والعجعة؛ لأنّك ببساطة، لست مستعدا بعد، للالتفات إلى وجه رب السموات والأرض. لأنّك يا صديقي! لم ترم نفسك إلى بحار ” السير إلى الله” لتسبح في اللاشيء فتصل إلى خالق كل شيء سبحانه وتعالى .
واعلم أنك بدون الإخلاص لن تصل إلى الرّوابي الطاهرة ولن ترتقِيَ إلى المصاعد المباركة للوصول إلى علياء القبول ومرضاة الله العزيز الوهاب.

بالإخلاص تتدفّق البركات وتقال العثرات وتتحقق الفتوحات وتعمّ الخيرات وقد صدق ابن الجوزي رحمه الله تعالى لما قال في كتابه (صيد الخاطر) : إنما يتعثّر من لم يخلص. وفي كتاب (شذرات من ذهب في أخبار من ذهب) لابن العماد..لمّا قيل لسهل ابن عبد الله التستري شيخ العارفين : أيّ شيء أصعب على المرء ؟ قال : الإخلاص. قيل له لمَ ؟ قال : لأنه لا حظّ للنفس فيه..ما أعظم هذا الكلام ! فتأمّل يا صديقي.
معنى أن تكون مخلصا ألا تطلب بعمل الآخرة شيئا من حظوظ النفس في الدنيا الفانية.
الإخلاص أن تحفر بينك وبين عيون الخلق خندقا. تعبد الله داخل كهفك وتجأر إليه تضرعا وخشية ولا تريد شيئا سوى التمتع بلحظات الأنس وساعات الخلوة مع الأحد الصمد، ليقبل لك ولو سجدة واحدة..
الإخلاص هو الإدمان على فتح بوّابة الهزيع الأخير عندما يغرق الكون كلّه في ظلام دامس، لتسجد للّه وتبكي بكاء الأطفال في محرابك وحيدا ..وكل الخلق نيام ..وبالإخلاص عرج السلف الصالح إلى التلال الخضراء ونالوا رضى الله . في كتاب (صفة الصفوة ) لابن الجوزي رحمه الله تعالى، قرأت كلاما مدهشا لم أقرأ مثله في الإخلاص وهو قول محمد ابن واسع عندما قال : كان الرجل – من السلف- ليبكي عشرين سنة خشية لله وامرأته معه لا تعلم بكاءَه . ما أعظمكم أيها السلف الصالح .
صديقي القارئ إنّ من أسرع الوسائل للانشقاق من بوتقة الضياع الروحي والخروج من فلوات التيه الايماني؛ قراءة كتب الرقائق والعكوف على تدبّر حكايات الأولياء والأصفياء والتلذذ برشف صفحات أنباءهم والانزواء للتمتع بقصصهم التي أفاضت نورا وألقا إلى تاريخ هذا الكون القديم..
في هذه الفقرات والصفحات تنعكس شمس العارفين والسالكين- الذين تقرأ رواياتهم- على عقلك العليل وقلبك المريض، فينبعث من أعماق روحك ومض من نور المعرفة.. وهنا تدرك أنّ أعظم مقاصد العلم هو الخشية. وإن عجلات العلم التي لا تقودك إلى محطات الخشوع ، كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا .

السماوي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى