actualite

فارس الكلمة والموقف هوى عن جواده

أد. أسعد السحمراني

رحل من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة يوم الخميس (٢٦-١١-٢٠٢٠) الإمام الصادق المهدي إمام جماعة الأنصار، والأمين العام لحزب الأمّة القومي في السودان.
لكنّ الرحيل لمثل الفقيد الكبير رحيل للجسد، فمثله هوى عن جواده بوصفه فارس الكلمة والموقف بالجسد، لكنّ فكره ومواقفه الرائدة وبصماته المؤثّرة خالدة بين أجيال الأمّة.
العالم الرائد، والقيادي المتنوّر، والفقيه الرشيد، والمنبريّ الجاذب لسامعيه، والمفكّر الموسوعي، كلّها سمات الشخصيّة التي تفرد بها الصادق المهدي.
كانت رحلتنا في التواصل للمرّة الأولى في رحاب الأزهر الشريف يوم لبّينا دعوة لمؤتمر مجمع البحوث الإسلاميّة في القاهرة بدعوة من الإمام الأكبر الأسبق للأزهر الشريف العلّامة الحجّة المرحوم جاد الحقّ علي جاد الحقّ، وكان ذلك في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام ١٩٩٢ للميلاد، وبعد هذا التاريخ كان التواصل الدائم، وكان حضور مؤتمرات وفعاليّات فكريّة وفقهيّة، وكنت في كلّ لقاء أتعلّم من أطروحته التي تلتزم هويّة الأمّة الوسط، ومن ثباته على المبادئ مهما كان الثمن، وكانت تجمعنا مع قبيل علمائي توجّهات واحدة هي: الوحدة، والمواطنة، ومقاومة الكيان الصهيوني وكلّ احتلال وتطاول على الأمّة، ورائدنا دعم الصمود لفلسطينيّي الداخل وللمقاومة مساراً وخياراً، وهمّنا المشترك إنتاج ثقافة المقاومة وفكر المواجهة، مع توسيع آفاق التنوير والتحفيز على الحرّيّة والعزّة، ونشر الفقه الرشيد الذي يتصدّى للنوازل بجرأة مقرونة بالعلم والخبرة وذلك لمواجهة الجمود والجحود.
منذ ثلاث سنوات احتضنت العاصمة الأردنيّة عمان ملتقى علمائيّاً حضرناه معاً وتعانقت مواقفنا وأفكارنا ولاحظ ذلك كوكبة العلماء من الحضور حيث جمعنا ودّ مع عدد منهم، وفي يوم الحزن نذكر منارة فقدناه منذ ثلاثة أشهر كان من الداعين ورعاة الملتقى في عمان هو العلامة الأستاذ الدكتور عبدالسلام داود العبادي، أمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي، والوزير الأسبق للأوقاف في الأردن، وشهدنا منذ عامين كذلك رحيل صديق وأخّ ثالث تميّز بالعطاء والصدق والمواقف الرياديّة في جمع الصفوف والفكر التصالحي هو المرحوم فخامة المشير عبدالرحمن سوار الذهب.
ذكرت الفرسان الثلاثة ممّن رحلوا عن دنيانا خلال عامين للبيان أنّ ألم الفراق للأحبّة حافز لنا للدفع بعلماء جدد إلى ساحات الفكر والفقه، هذا مع لفت عناية الجميع إلى ضرورة الوقوف بكلّ جديّة مع الفكر والتجارب التي خلّفها كلّ من: الإمام جاد الحق علي جاد الحق، والمشير عبدالرحمن سوار الذهب، والأستاذ الدكتور عبدالسلام داود العبادي، والإمام الصادق المهدي
فكلّ واحد من أعلامنا -رحمهم الله تعالى- شكّل مدرسة في العمل الوطنيّ والعربيّ والإسلاميّ.
وكان للجميع اهتمام في الاستثمار في الفكر والتربية لكونهما المرتكزين في بناء الإنسان وفي التنمية البشرية التي هي أساس النهوض الحضاري.
غياب الإمام الصادق المهدي استدعى في ذهني هذه الكوكبة الرائدة في مشروعنا النهضويّ المعاصر، واختم بالدعاء: اللهم تقبّلهم في الصالحين، وعوّضعهم الغرفة في جنّات عليّين، واجمعنا بهم في مستقر رحمتك سبحانك وأخلف على الأمة بمثلهم من العلماء والمفكرين، ولعائلات الأعزاء الأربعة ومحبيهم العزاء والتضامن…

أ.د. أسعد السحمراني
لبنان- محافظة عكّار
مساء الخميس في ٢٦-١١-٢٠٢٠

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. التهديد بموجة ثالثة لهذا الطاعون، من شأن وزارة الصحة والأطباء، وكم يصيب الوطن والمواطنين من خيبة أمل في فخامة رئيسنا حين يعلن هذا التحذير، دون لمسة حانية تتضمن طمأنة لمن يقودهم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى