actualite

ظاهرة انتقال الطلاب من المدارس العربية الفرنسية إلى المدارس الفرنسية !!

سرنج امباكي جوب خضر

قديما كان التلامذ يفضلون المدارس العربية البحتة على المدارس الفرنسية، ولذا كان أجدادُنا يدخلون أطفالهم في الكتاتيب إذا بلغوا سن التعلم ليتعلموا القرآن الكريم كتاب الله المجيد؛ فإذا حفظوه حفظا جيدا ورسموه بخط أيدهم، ينتقلون منها إلى المجالس العلمية التقليدية قبل الانخراط في سِلك الدارسين في المدارس العربية، إلا أن الأمور انقلبت رأسا على عقب ، فشرع الطلاب يتوافدون على المدارس الفرنسية المجاورة لمدينة طوبى بعد الحصول على الشهادة الإبتدائية أو الإعدادية ، كما لوحِظ ذلك في السنوات الأخيرة.

لقد أصبح هذا الانتقال الجاري- حاليا- يهدِّد كيان المدارس العربية الفرنسية الطوبوية المزدوجة منها وغيرها ، إثر ما كانت تأخذ نصيب الأسد من الطلاب أوان التسجيل – قديما – ظل ظاهرة تعرقل سيرها في سَبيل التثقيف والتربية والتعليم، ولكن نصرح قائلا هل لهذا الانتقال أسباب وحلول؟!

للإجابة على هذا السؤال المطروح هنا ننطلق من هذا المثل العربي:((مصائب قوم عند قوم فوائد)) صحيح هناك أسباب ترجع إلى الطالب نفسه كثيرا ما نسمع التلاميذ يشكون من صعوبة التعليم المزدوج لديهم وبعبارة أخرى معادلة الحصص العربية والحصص الفرنسية في كل يوم. لهذا السبب ينتقل بعضهم من هذه المدارس إلى المدارس الفرنسية العمومية أو الحرة  ، بعدما فطنوا وحذقوا في اللغة العربية ، ولا يستطيع أحد من العاملين في الحقل التربوي والتعليمي أن ينكر هذا البرهان الذي يحتجُّون به، لأننا- نحن المدرسين- قلما نرى طلابا كيِّسين بارعين في لغتيِّ العربية والفرنسية في هذه المدارس إلا شرذمة منهم .. إما أن يكونوا خبراء في لغة الضاد وبلداء في اللغة الفرنسية ، غير أننا نتساءل فنقول هل المشكلة ترجع إلى الأساتذة ؟! أم إلى المناهج الدراسية؟! أم إلى الطلبة أنفسهم ؟! هذه الأسئلة كلها تحتاج إلى الدراسة الجادة والتنقيب ، فعلى كل مدرس واع أن يعلم أن التعليم المزدوج ليس بالأمر الهين اليسير ،  وبالتالي فإن التلميذ في هذه الحال كالريشة التي تحركها الرياح يمينا وشمالا ،  أو كالكرة التي يتلاعب بها اللاعب بين رجليه، فإذا كان معلمو اللغة العربية والشريعة الإسلامية يبذلون قصارى طاقتهم في مهنتهم يكون التلامذة مائلين كل الميل إلى العربية، ولكن المدرسين إذا كانوا كسالى يتأخرون دوما ولا يعطون للدروس أية أهمية في منازلهم ،  وقد يبغضهم الطلاب ويكرهون ويسأمون من دروسهم والعكس كذلك صحيح . 

وإذا رجعنا البصر كرتين في المنهج الدِّراسي للمدارس العربية الفرنسية ككتاب اللغة العربية ، والتربية الإسلامية ز نرى تكرر بعض الموضوعات في المراحل الدراسية الثلاث : الإبتدائية، والإعدادية، والثانوية ووجود الأخطاء الواردة في ديباجة النصوص التي لا يلفت بها الانتباه إلا المعلم الخبير اللبق البصير، ولكن لا تثريب على اللجنة التي قامت بهذا العمل الجلي الذي يعتبر تجربة أولية ومبادرة حسنة ، وهذا أكبر دليل على أن الإنسان- مهما عظم تبحره في العلم-لا يتخلص من ارتكاب الخطأ في عمله.

أما ما يتعلق بالطلاب فإن الملاحظ في الغالبية العظمى هو الجُنوح إلى اللغة الفرنسية في المدارس العربية الفرنسية إما لغلبتها في وسائلنا الإعلامية: المرئية والمسموعية والمقروءة التي تغرس في أذهانهم حبَّها حبًّا جمًّا، أو لانحطاط مستواهم في اللغة العربية ولذلك يرددون هاتفين بأعلى صوتهم:” أن اللغة الفرنسية أسهل من اللغة العربية أو أن مستقبل دراسي الفرنسية في السنغال أحسن وأجود من مستقبل دراسي العربية”.

نعم، إن هذه الكلمة لا نرميها وراء الحائط لما تلوح في ظاهرها من الصدق وما تبطن في باطنها من الكذب.

أسأل بالله الكريم- أيها القارئ- إلى متى ترسخ هذه الآراء في عقولنا؟! أليس الوطن ملكًا للجميع؟! إن المشكلة كل المشكلة تكمن في أنفسنا لا أزال أردد أننا لا نكاد نجد بونا شاسعا وفرقا واسعا في بعض المواد المقرر تدريسها في كلتي المدرستين إلا في اللغة، فهذا يدرسها بالفرنسية وذاك يدرسها بالعربية، أما المستقبل الصالح البسَّام فلم يكن محتكرا في اللغة أبدا، بل يرجع إلى قضاء الله وقدره وجهد الإنسان

وإن يسؤك ما قضى الله الصمد = فلا تزال في غرام ونكد

إن مما لا يتناطح فيه عنزان أن المستعرب يكون في بعض الأحيان أضمن  مستقبلا من المتفرنسي كما يكون المتفر نسي أحسن مستقبلا من المستعرب. كما أشاطر الطلاب تماما في قولهم :"إن اللغة العربية أصعب من الفرنسية" فكأين من ناطق فرنسي في السنغال وهو لم يدخل في المدرسة الفرنسية ولم يتعلمها من معلم محقق، إلا أنه يسمعها في التلفاز والندوات فيبدأ يحاكيهم فيخطئ في أول وهلته إلى أن يغدو متقنا لها  كل الإتقان ، ومن جانب آخر نرى طالبا يقضي جل أوقاته في تعلم اللغة العربية حتى أصبحَ من حاملي الشهادات العالية كالليسانس والماجستير ، ولكن الأدهى والأمر أنه لا يستطيع أن يكون جملة مفيدة أمام تلاميذه ، إما لقصوره ،  أو لضعف  دراسته في الجامعات العربية أو لجنوحه إلى الترف والتنعم.

إضافة إلى ذلك قد يتمكن المرء من التكلم والكتابة باللغة العربية الفصحى بدون التسلق إلى الجامعات الكبرى بهمته وعزيمته.

 انظر إلى التكاليف الباهظة التي يصرفها الطالب للفرنسية  في التنقلات ذهابا وإيابا ،  والمشكلات التي يعاني منها في كل يوم إن كانت المدرسية من المدارس العمومية يدفع الطالب مبلغا كبيرا أجرة سيارة النقل في أكثرها، ولكن حبّك الشيء يعمي ويصم لو تأملت جيدا - أيها المستعرب - قبل انتقال إلى المدارس الفرنسية ستدرك بوضوح وجَلاء أن تعلّمُك داخل طوبى أيسر عندك من التعلم في الخارج ، لا سيما إذا كنت تنتمي إلى أسرة فقيرة التي تحتاج إلى المساندة في بعض الأحوال والظروف. أما إذا كنت تنتمي إلى أسرة ثرية فلا غضاضة من انتقالِك إذا أدليتَ ببراهين قوية يقبلها العقل الصحيح تارة ينتقل الطالب بسبب انتقال رفيقه وصديقه وإن كانت حالتهما الإجتماعية تتفاوت تماما- والله- إن هذا لهو عين الإمعة والتبعية التي نهانا الإسلام عنها فاعتبروا يا أولي الأبصار وإن تطيعوا أكثر من في الأرض يضلوك عن سواء السبيل .

ولا تحسبن من هذا القول أنني من خُصماء اللغة الفرنسية أبدا إلا أن هدفي منه هو التصريح والبيان عن حقيقة الأمر الذي أصبح واقعا ملموسا في أحياء مدينة طوبى يتهامس به رؤساء المؤسسات العلمية والمدارس ، والمدرسون والطلبة أنفسهم في ساحات المدارس والفصول. يدخل المدرس في فصل من فصول فإذا أدار بصره يمينا وشمالا فلاحظ أنه لم ير بعضا من تلامذته المجتهدين يطرح سؤالا أين فلان وفلان ؟ هل تركوا أم انتقلوا؟ يجيب الطلاب إنهم في المدارس الفرنسية.

وعلى هذا، قد تتولد من هذا الانتقال سلبيات تعد بالأصابع منها: تقليد الأعمى في اللباس والقول ، وكسب ثقافات شنيعة لا تلائم جو مدينة طوبى المحروسة ، كم من نسوة يلبسن ثيابا غير فضفاضة لتعلمهن في المدارس الفرنسية التي لا تراعي تعاليم الإسلام في اللباس و لا في القول ،إلا النادر منها. تراهن يختلطن بالرجال اختلاطا سافرا عند نزولهن في السيارات والحافلات- مع الأسف الشديد- يعتبرن ذلك ازدهارا وتطورا ومدنية.

 على المشرفين على   المدارس أن يقوموا بتكوين لجنة مكلفة من كوادر الأساتذة تسهر على إجراء التعديلات الملائمة لمناهجنا الدراسية في كل سنة دراسية ، لأن الواقع يفرضه علينا دون التحفظ على المناهج القديمة ،كما نأمل من المشايخ الكرام أن يقوموا بتشييد مدارس فرنسية في طوبى المحروسة لأنه بات من ضروريات الحياة في الوقت الحاضر مع مراقبة المدرسين فيها مراقبة مكثفة بعد  اجتباههم في الخلق والدين، نظرا لكون الفرنسية لغة كسائر اللغات التي تدل على آيات الله- تعالى-، وإلا ستصبح المدارس العربية الطوبوية كالأطلال في السنوات اللاحقة ؛ لأن هذا يكبح جماحهم ويساندهم على التحفظ بثقافتهم القيمة ، كما يعد الحل الأمثل لهذه المشكلة المعضلة. إن اللغات كلها وسائل وقديما قالوا: " من تعلم لغاة قوم أمن من مكرهم" والعكس بالعكس. 

الكل يعرف أن المدارس الفرنسية المجاورة لمدينتنا مكتظة بأبناء أهل طوبى المحروسة لاسيما أنجال الشيوخ من شك في ذلك فجل في ساحاتها المترامية الأطراف ترى عددا ضخما منهم الذي لا يحصى عددهم إلا الله. كما نطلب من معنيي المدارس العربية الفرنسية أن تضافروا جهودهم في المناهج الدراسية تلبية لرغبة  المتدرسين ورفعا لنسبة التمدرس في طوبى، أضف إلى ذلك عقد جلسة عامة للتشاور في هذه القضية حري أن تتولد منها نتائج مثمرة وحلولا جذرية، وعلى المدرسين أيضا أن يغرسوا حب اللغة العربية في عقول طلابهم دون تقليل شأنها وتحقيرها أمامهم كما يفعل بعض الأساتذة الذين يجهلون أو يتجاهلون  المكانة التي تحظى بها اللغة العربية أثرى اللغات وأكثرها بركة بمفرداتها وذورة بلاغتها إلى غير ذلك مما لا يخفى على أحد. 

سرين امباكي جوب خضر الطوباوي مدرس اللغة العربية والشريعة الإسلامية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. ماشاءالله سرين امباكي جوب خصر
    إن هذه الظاهرة منتشرة في العقد الأخير منذ أنت تم تحويل الكثير من المدارس العربية أو بعض من الإبتدائيات في هذه المدارس إلى مدارس عربية-فرنسية، حيث وضوعوا استراتيجية ناجعة لصياغة برامج دراسية مناسبة مع مطالبهم.
    الطفل يتعلم بشكل لا يسيطر عليه البرنامج الدراسي العربي بل العكس يحدث، فحينما ينتقل التلميذ من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية لا يكتسب حينها مستوى مكين في اللغة العربية.
    فهذه التحديات تحتاج إلى مراجعة رسمية في الحقيقة.
    شكرا

  2. ماشاءالله سرين امباكي جوب خصر
    إن هذه الظاهرة منتشرة في العقد الأخير منذ أن تم تحويل الكثير من المدارس العربية أو بعض من الإبتدائيات في هذه المدارس إلى مدارس عربية-فرنسية، حيث وضوعوا استراتيجية ناجعة لصياغة برامج دراسية مناسبة مع مطالبهم, أي الساسة
    الطفل يتعلم بشكل لا يتأثر بالبرنامج الدراسي العربي بل العكس يحدث، فحينما ينتقل التلميذ من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية لا يكتسب حينها مستوى مكين في اللغة العربية.
    فهذه التحديات تحتاج إلى مراجعة رسمية في الحقيقة.
    شكرا

    1. أني أحيي في أخينا العزيز سرين امباكي جوب خضر هذه الغيرة على اللغة العربية، وعلى العلوم الشرعية، ثم على مدينة “طوبى المحروسة، إنها ظاهرة قد يلفت إلا أنظار النابهين أمثاله، حفظه الله تعالى ورعاه، لكن الإشكال كامن فيما هو أعمق قليلا، فكما قيل في المثل العربي:”الناس على قادتهم”، فقد انتشر في الآونة الأخيرة بمدينة “طوبى”، وخاصة في هذا العقد من الزمان، أن كثيرا من عيال الشيوخ عندنا (بنين، وبنات)، شرعوا ينتقلون من معاهدنا ومدارسنا العربية، إلى المدارس الفرنسية، بمدينة امباكي المجاورة، إلا الذين لا ليس لهم مستوى في اللغة الفرنسية، تمكنهم من هذا الانتقال، وشكرا لكم أخي على الإثارة، ونعوذ بالله من “الحَوْرِ بعد.الكَوْرِ”، وشكرا.
      بتوقيع أخيكم/ د.محمد بن عبدالله صل (أبي بشير المدني)، عافاه الله تعالى وشفاه شفاء لا يغادر سقما، ودمتم طيبين أخي العزيز!.

      1. أني أحيي في أخينا العزيز سرين امباكي جوب خضر هذه الغيرة على اللغة العربية، وعلى العلوم الشرعية، ثم على مدينة “طوبى المحروسة، إنها ظاهرة قد لا يلفت إلا أنظار النابهين أمثاله، حفظه الله تعالى ورعاه، لكن الإشكال كامن فيما هو أعمق قليلا، فكما قيل في المثل العربي:”الناس على قادتهم”، فقد انتشر في الآونة الأخيرة بمدينة “طوبى”، وخاصة في هذا العقد من الزمان، أن كثيرا من عيال الشيوخ عندنا (بنين، وبنات)، شرعوا ينتقلون من معاهدنا ومدارسنا العربية، إلى المدارس الفرنسية، بمدينة امباكي المجاورة، إلا الذين لا ليس لهم مستوى في اللغة الفرنسية، تمكنهم من هذا الانتقال، وشكرا لكم أخي على الإثارة، ونعوذ بالله من “الحَوْرِ بعد.الكَوْرِ”، وشكرا.
        بتوقيع أخيكم/ د.محمد بن عبدالله صل (أبي بشير المدني)، عافاه الله تعالى وشفاه شفاء لا يغادر سقما، ودمتم طيبين أخي العزيز!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى