Culture

رمضان لا ترحل ..!

بروفيسور عبد العزيز كيبي

هذا هو رمضان الفضيل يودعنا ويرحل ولا نريد فراقه، كما كان مولانا الشيخ الحاج مالك سي يتأسف عند ارتحاله:
أيا حـبِـيـبي قـالوا أنت مُرْتَـحِـل **** وَمِن صَنيعي ذَمٌّ حـين تَرْتَحِـلُ
هذا لأن رمضان يفتح لنا مجالا فسيحا وعميقا حول رسالته، حيث يُسلط الضوء على إمكانياته في التنمية الفكرية والروحية من خلال مراجعة تعاليم “الكتاب”، وتطبيقها على الحياة الحديثة، وكشف هدايته لمن يبحث عن الحق والحقيقة. فيقول الشيخ :
وَخَـصَّه الله بِالْقُـرآن جـاء هُـدًى **** وبَيـِّناتٍ لِمَا في الـدِّين مُشْتَكِلُ
و يردد معه نجله الشيخ أبوبكر في مَمَرَّات جنان الروح المضيئة بأشعة القرآن، لإحياء ليلة القدر التي فيها يُفْرَق كل أمر حكيم، راجيا رحمة الله، من خلال قوله جل وعلا : أمرًا من عندنا، إنا كنا مرسلين، رحمة من ربك، إنه هو السميع العليم”. فيقول :
شـهــر الإلــه أتــانـا مـن أيـاديـه **** يُغـري العبادَ إلى نَـفْـعٍ يُـناديه
هذا الذي أُُنزل القرءانُ فِيه هُدًى **** للـناس سَـيِّدنا الـمُختار حَاويه.
والشيخ الحاج عبد العزيز سي الدباغ بدوره، في هذا الجو الروحاني وبأسلوبه المتميز، ينبه العقول ويُشَبِّعُ القلوب في تلك الجولة الروحانية، بين نفحات السُّوَر، من ظلال التِّين إلى حصن المُعوذتين مع الملائكة والروح :
بـسورة الـتيـن وسـورة الـعَـلَقْ **** والـقَـدْرِ والْـبَـيِّـنَةِ فَالِـقَ الْفَـلَـق
وقُــريْـٍـش رَبَّــنـا وَالْــمـاعُــون **** وَ كَـوْثـر يا ربَّـنـا والـكَـافِــرون
وَالـنَّـصر والْـمَـسـد والإخْـلاص **** مِـن الْـبَـلايـا يَـسِّـرن خَـلاصـي
بِسورةِ الـنَّـاس وسـورةِ الْـفَـلق **** عَـبْـدَكَ هَـذا فَاكْـفَـهِ شَـرَّ الْخَلْقِ
وحُرمة الشهـر العـظـيـم الْـقَـدْرِ **** ولَـيـلـةٍ خَـيْـرٌ مِـن ألْــف شَـهـر
وَاقْـبـل لَـنا فيه جَـميعَ الطَّاعاتِ **** تَــفَـضُّـلًا يَـا ربَّـنـا وَالـدَّعْــواتِ.
هذا هو رمضان، شهر القرءان. والقرآن كلام الله ، وحقُّه الأزلي الذي أنزله بالحق. إنه رسالة خالدة وعالمية شاملة للكون. القرآن نور وهدى يضيء سبيل السلام بأشعته، لمن اتبع تعاليمه ، مُنَزِّل الفرقان. إنه نَفَس، تَحيا به أرواحُنا، حياة لا فناء بعدها. إنه غذاءٌ لنفوسنا، وبلسم لقلوبُنا .
ها نحن وَدَّعنا رمضان، وتبقى معنا دروسه. له موعد سنوي ، يزورنا فيه ليُلهِمنا كيف نكون مسلمين متخلقين بموارد الإيمان والإحسان، بدل أناس مجردين بلا روح ولا شعور . نحن بالفعل بشر بهذا الهيكل ولكن كيف نكون أناسا متصفين بالأوصاف الحميدة الطيبة في علاقاتنا مع الآخر، مع الفقراء و المحتاجين، ومظلومي الأرض ،
رمضان يُوفِّق بيننا كبشر وبين الإنسانية باعتبارنا “خليفة الله”، من خلال تعليمه إيانا التعاطف والتسامح والتضامن والعدالة، بشعورنا بالكرامة الأصيلة، وحرصنا على المحافظة عليها وعلى كرامة البشرية بجملتها. وعلى هذا، هل تعني نهاية رمضان نهاية رسالته الروحية وتوقف هذه الإنسانية التي تخَلَّقْنَا بها طوال هذا الشهر؟ إذا كان الأمر كذلك، إن أخلعنا رداء الإنسانية فور استهلال شوال، وتخلصنا من الأوصاف الحميدة التي تَحلَّيْنا بها خلاله، وعُدنا إلى غفلتنا العادية وإلى جفاف أرواحنا، سيكون مؤسفًا لأنه علامة الفشل والسقوط إلى الحضيض بل العودة إلى أسفل السافلين.
غمرنا رمضان في بيئة من السلام باطنا، تبنا إلى التواب الرحيم واستغفرنا ذنوبنا بخشوع وتواضع. اِمْتَنَعْنا عن الفسوق والعصيان، وعن نشر الأخبار الكاذبة، وحتى الأخبار الصادقة التي لا فائدة لها في تعزيز السلام والتماسك الاجتماعي. تحولنا عن النميمة، والسخرية، وعن العيوب الساترة للقلوب، وحديث السوء وأعمال السوء، وتجنبنا جميع الفخاخ التي ينسجها الشيطان والنفس والهوى ليصطادوا بها ذوي الإرادات الضعيفة. وتَقَرَّبْنا إلى الله من خلال الأعمال الصالحة، وفقا لما توحي به الآية 177 من سورة البقرة، في شأن البِرِّ، ساعين إلي الغاية المنشودة وهي التقوى، طالبين كل أنواع الخير والبركة التي يتضمنها، كما يتجلى في هذه الأبيات للشيخ الخليفة أبي بكر نجل مولانا الحاج مالك، تاب عليهما مالك الأكوان :
شفـى كل قلبٍ ذِي سـليم تَعَبَّدا * من الله ضيف مُكَرَّم شاع إذْ بَدى هو الزائر الآتي لنا كلَّ رحمة* وخيـرٍ وسَعـدٍ والمُـنى كـذا الهُـدى
إلى أن قال:
نجا كل مرء صائـم وهـو قـائم **** وحَاز من الرحْـمان عَـفْـوًا مُؤبَّدا.
وهذا رمضان يرتحل، لكن تبقى الإنسانية، لذا دَعُونا نبقى مع روح هذا الشهر بقرآنه وإحسانه، بالعبادة الصالحة والمعاملة مع الكون بنوعية الإنسانية وخلافة الله في الأرض، بروح الكرامة (ولقد كرمنا بني آدم) والإصلاح بين الناس دون الفساد (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) . هذه الروح يجب أن تستمر على مدار السنة، رغم بكائنا مع مولانا الحاج مالك رضِي عنه المالك، على ترحيله :
واهًا وَواهًا لَِشهرٍ رامضٍ لـذُنوـــــــبٍ أَوْ دُعِي رَمضانًا نِعْمَ من عَدلُوا.
والله ولي التوفيق.

سلام على السنغال وعلى أفريقيا.
سلام على البشرية جمعاء.
دعاء خاص لأهل فلسطين وغزة تحت احتلال إسرائيل الهمجي.
اللهم انصرهم على عدوهم، عدو الإنسانية قاطبة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى