actualite

جزيرة كناري لا تزال مقبرة لأبناء السنغال … في القصة ذكريات من سنة 2020م”

للكاتبة السنغالية أميرة فال

،كان صمب انيانغ يتحدّث مع أمّه كمب غاي عن جائحة”كورونا فيروس” والأيام الشّديدة التّي عاشتها بلاد “تيرانغا” آنذاك، و أثناء الحديث لزِمتْ كمب غاي الصمت كالبَكماء لتفكر في آلاف الشّباب الذين سقطوا ضحاياالهجرة غير الشّرعية.
اندهش صمب انيانغ من حال أمّه ، فبدأ يسألها ويقول :
“ماما” ما بك؟
هل حدث لك شيئٌ ؟
ماما تكلمي معي!
فطفقت تقول متأسفة ومتحزّنة وشفتاها مرتجفتان والدموع تسيل على خديها:
آه آه وا أبناءنا الذين أصبحت جزيرة كناري مقبرة لهم !
مود انيانغ: متى أصبح البحر مقبرة لبني آدم يا ماما؟
كمب غاي: بنىّ ، هؤلاء الشباب كانوا أبناءنا وآمالنا، ضاقت بهم أرض الوطن التي صارت غابة وحشية لا أمن فيها ولا سلام ؛ فهربوا منها باحثين عن الاستقرار وعن حياة أفضل وذلك لضمان لقمة عيش لأسرهم التي كانت تسقط أزهارها من أجل الجوع والفقر الشديد.
مود انيانغ: غريب! كيف يفضل الإنسان موطن قدمه ومسقط رأسه على دول أجنبية.
حقا، ثمّة سبب وراء فرارهم ، وأين كانت الحكومة؟
وماذا كانت ردّة فعلها تجاه تلك الظاهرة؟
اليوم ، نحن في سنة 2023م وما زلنا نعيش هذه الظاهرة المدمّرة، وسؤالك ذاك ياولد جدير بالإجابة ، لأن الدول التي يهرب منها شبابنا يطرح سكانها السؤال نفسه فلاغرو!
بقوارب خشبية غير آمنة تكاد أن تنشق أو تغرق إذا هبّت عليها العواصف الهوجاء أو تلاطمت حولها الأمواج المُزبِدة ويتراوح عدد ركابِها بين مئة وأكثر من ذكور وإناثٍ وكبارٍ وصغارٍ قادمين من مناطق شتّى داخل سنغال يتوجهون إلى إسبانيا.

هؤلاء الشباب

شباب خُدعوا وخُيّبَ أملهم ولا حول ولا قوة لهم إلا الهجرة ،إذ لا نجاة عند البقاء من هذين: اعتقال أو استعباد من طرف الحكومة.
شباب، حينما كانوا في المدارس كانوا متحمسين ومتفائلين لمستقبل بارز ، مستعدين لتضحية النّفس والنّفيس من أجل خدمة الدّولة ، ولعلكم تعتادون داخل الفصول أن تسمعوا هذه العبارات:
أريد أن أكون طبيبا ماهرا وسأخدم وطني كي يتخلّص من مرض السرطان وداء السكر.
أحلم أن أكون جنديا ، أحمي بلدي من أيد الأشرار.
أتمنّى أن أكون وزيرا وسوف أعمل بجدّ لتطوير وطني.
أريد أن أكون محاميا، وسوف أبذل قصارى جهدي للقضاء على الرّشوة في المجتمع وتحقيق العدالة للجميع.
أنا أحلم أن أكون معلما نشيطا يمحو الأمّية في المجتمع ، لأن المجتمع الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة فهو متخلف. وكانوا يسمون المعلم جنديَّ المعرفة حيث يكون رجلا طموحا ونشيطا وذا هيبة وفي كل يوم الجمعة بعد الدروس اليومية، كان يتحدّث معهم في ظرف ثلاثين دقيقة حول الوطن والوطنيّة والواجبات المنوطة بعواتقهم تجاه الأرض التي احتضنهم منذ نعومة أظفارهم بصوت جهوري وكلمات صادقة مع الحنان لتلاميذه والحبّ الخالص لوطنه ويقول:
ياشباب الغد، الوطن لايُخانُ ، الوطن شيء نفيس لدينا .
يا أبنائي نحن على استعداد دائم للموت دفاعا عن مصالح الوطن، وحرام علينا أن نتآمر مع الأعداء ضد الوطن، ولو كنّا ضعفاء كجناح بعوضة أمامهم ، سنبقى صامدين شامخين ولن نستسلم أبدًا لخبزهم.
يا أمل البلد، الوطن قدره العلوّ والمجد والكرم لا لشيء آخر وسنستمر نحفظه حتى آخر أنفاسنا .
وفي الصباح الباكر حينما يذهبون إلى المدرسة يمرّون بمركز الشرطة أو برجال الإطفاء يرفعون علم البلاد فيقف كل المارين اجلالا واحتراما لراية البلد ففي ذلك سترى في وجوههم الابتسامة ويتذكرون نصيحة المعلم وينظرونها بعين العطف والودّ وكأنهم يهمهمون ويقولون ” عندما نكبر نحميك ونخدمك ولا نفضل أي دولة عليك ، أنت أغلى كلّ شيء في الكون”.
ويستمرّ الحلم إلى الجامعة.
وقد فرح جميع أسرهم بحصولهم على الشهادة الثانوية ، ويبدو أن الحلم الكبير يكاد يقترب والأمهات معتزّات بدخولهم للجامعة حينما يقلن:
ولدي البكر طالب في كلية الطب بجامعة شيخ أنت ديوب.
ابني طالب في كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة غاستون برزي .
بعد الشهادات كُشف الغطاء وباتت الأمور واضحة. وأدركوا أنْ ليس للشهادات الجامعية العليا والدراسات الأكاديمية الطويلة أية قيمة، بل الأيادي الطويلة هي الطريقة الوحيدة لسدِّ الحاجة لا غير.
بعد الشهادات أدركوا تماما أن زعماء الدولة يستخدمونهم لسدّ الثغرات ،الحكومة باسم المسابقات لغرض جلب دريهمات الشباب والمصانع الكبرى تحت مظلة التدريب العملي.
تلاشت جميع أحلام الطفولة بين عشيّة وضحاها وآلاف من شباب السنغاليين ماتوا في البحر والحكومة تبقى مكتوفة الأيدي وتتصرف كأن لم يحدث شيء.
سكان قرية امبكين في لوغا وفاس بوي في تياس وغانجول في سانت لوي وبارنجي في دكار ، لايزالون في حالة الحداد لأبنائهم الذين ابتلعهم بحار اسبانيا.
هؤلاء ضحوا بحياتهم ليحصل بابا وماما على لقمة عيش ، خرجوا من أوكارهم المألوفة إلى ديار الغربة علما بأن المكوث في الوطن والجيوب خاوية وبطون أهاليهم تحترق بنار الجوع وصمة عار على جبينهم وفضيحة كبرى عليهم. وبناء على هذا المنطق اتّخذوا ” البرشلونة أو البرزخ” شعارا لهم.
أيّها القارئ العزيز
بعد مشاهدة قطعة من هذا المسرح ،أعرف حتما أنك شعرت بخيبة أمل هؤلاء الشباب ، وأظن أنك لا تنتظر أية ردّة فعل منهم غير هذه، لأنهم شرايينهم تقطعت إربا إربا وحُرِموا التّمتع بالعيش تحت كنف الأسرة ، وأُجبِروا على الهجرة رغما عنهم.
السفينة” سنغال” تنزلق نحو الركود ، بلاد تتشكل أغلبية سكانها من شباب لكن شباب بلا أمل في وطنه ، ومن المؤكد أن مستقبل هذا البلد غير آمن، إذ الشباب ينهار واحدا تلو الآخر.
أيتها الحكومة الفاشلة ، بعد الاعتراف بعجزكم عن حل هذه الظاهرة ، دعونا نُريح بالنا وافسحوا لنا مجال التلفزيون والراديو والقنوات الاجتماعية لنبكي أبناءنا لعل في البكاء الجهوري من يخفف النار المتأججة في داخلنا.
وأخيرا ، إن دعوة الشباب إلى التخلّي عن القوارب الخشبية من دون إيجاد فرص عمل لهم ولا تقديم دعم مادي أعتبرها سخرية واستهزاء.
تعازينا الحارة لأهالي الموتى .
باب إبراهيم غي فلترقد بسلام ولينوّر القرآن قبرك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى