
تدشين جامع «دار السلام»
بتمويل من فاعل الخير السنغالي عبد الله جاه
مام مور امباكي حمدي
للمساجد أدوار كثيرة، وأعمال جليلة ، من تعليم المسلمين وإرشادهم، إلى تربيتهم وهدايتهم وتوحيدهم، وقد حثَّ الإسلام على بناء المساجد، ورغَّب المسلمين فيه؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ بَنَى لله مَسْجِدًا؛ بَنَى اللَّهُ لَهُ بيتا فِي الْجَنَّةِ».
ومن آيات شدة اهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمساجد أن أقام «مسجد قباء » وهو في طريق الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، كما كان «بناء مسجد» من أول ما قام به بعد وصوله إلى هذه يثرب ، صلى الله عليه وسلم.
وقد كان مولانا الشيخُ الخديم -رضي الله عنه- كثيرَ الاهتمام بالمساجد، شديدَ الحرص على رفعها وبنائها، وكان -رضي الله عنه- يبني في منازلهِ مساجدَ للمناجاة وذكر الله -تعالى-، ويدعوه -تعالى- أن يجعل له بيوتَه كلَّها مساجدَ؛ يقول -رضي الله عنه-:
وَاجْعَلْ بُيُوتِي كُلَّهَا مَسَاجِدَا =@= يَا نَافِيًا مَنْ لَا يَكُونُ سَاجِدَا
وسن العبد الخديم للمريدين سنة بناء المساجد؛ فبنى -رضي الله عنه- «مسجد جربل» في تسعة أعوام، وكان أوَّلَ مسجدٍ في غرب أفريقيا بهذا الشكل والهندسة الجميلين، وجمع ملايين في حياته لبناء «مسجد طوبى»، وأقامه المريدون بعده -رضي الله عنه-، واجتهدوا في خدمة المساجد ببنائها وإقامتها، وعمارتها وصيانتها؛ فبنوا في السنغال من الجوامع ما لا يعد ولا يحصى، وتَضُم اليومَ مدينةُ «طوبى»، عاصمة «الطريقة المريدية»، أكثر من سبعمائة (700) مسجد، ومن بينها أزيد من مئة وخمسين (150) مسجد جامع!

وفي يوم الجمعة السادس من ذي القعدة سنةَ 1444هـ/ الموافق للسادس والعشرين من شهر مايو سنة 2023م، افتتح جامع «دار السلام» وهي أول قرية بناها مؤسس «الطريقة المريدية» بالسنغال، مولانا الشيخ أحمد بمب امباكي -رضي الله عنه-، عام 1304هـ/1886م، ثم أهداها إلى مريده وحبيبه وأخيه مام شيخ أنتَ امباكي.
وقد انبرى لتجديد المسجد السيدُ عبد الله جه بإذن من الشيخ أبو امباكي خليفةِ الشيخ محمد المأمون -جزاهما الله خيرا-؛ ليكون عزة للإسلام والمسلمين، ورمزا لتحقق الأمنية التي لأجلها بنى مولانا الشيخ الخديم -رضي الله عنه- «دار السلام» و«طوبى»، وقال عنهما -رضي الله عنه-: «إن السبب في كونهما أَحَبَّ إليَّ مما سواهما، خلوص نيتي في بنائهما، ما رجعتُ فيهما لأصل سابق، ولا لارتياد مزرع ولا مرعى، وإنما هي لعبادة الله وحده، عن إذن منه تعالى واختيار».
ودعا لدار السلام وأهلها فقال -رضي الله عنه-:
اجْعَلْ سَلَامَةً تَدُومُ يَا سَلَامْ =@= لِيَ وَلِلْعِيَالِ فِي دَارِ السَّلَامْ
كانت صلاة الجمعة بإمامة الشيخ محمد الفاضل امباكي بن الشيخ عبد القادر، وقد حضر الافتتاح من المسلمين جمع غفير، ومن الأعيان عدد وفير، وكان برئاسة مولانا الشيخ محمد المنتقى امباكي الخليفة العام للطريقة المريدية، والذي قال للمريدين في كلمته، بعد كلام له جميل:
«… فلنحمد الله حمدا كثيرا، موحدين له تعالى، ومكتفين بالشيخ [رضي الله تعالى عنه] وسيلة بيننا وبين ربنا، مديمين لذلك، بلا تردد ولا شك!
ولنضاعف جهودنا قدر الإمكان، وكما سبق أن قلتُ، فليكن همُّنا كله اتباعَ أوامر الشيخ [رضي الله تعالى عنه]، عازمين على عبادة الله تعالى كما أمر بها، ومديمين على خدمة الشيخ لوجه الله تعالى، حتى نلقاه إن شاء الله تعالى…».
فركّز -حفظه الله ورعاه- في خطابه، رغم قصره، على أمرين اثنين هما التوحيد والخدمة؛ وهما شرطان أساسان في إيمان المريد وإرادة المؤمن؛ فبالأول يصح الإيمان وبالثاني يتحقق صدق الإرادة، فكانت دعوتُه، حفظه الله ورعاه، دعوةً إلى الأصالة وإلى التمسك بالثوابت والمهمة العظمى التي بتحقيقها فقط، نحصل على مرضاة الله تعالى.
وجماع ما سلف، أن خطاب الشيخ الخليفة -حفظه الله ورعاه- عبارة عن تلويح إلى «الهوية الحقيقة» للمريدين، وله صلة وثيقة بالعولمة وتحدياتها الراهنة، وإن عدم فهم هذا السياق يؤدي إلى خراب المعنى الذي يقف عليه هذا الخطاب الروحاني النوراني الذي طلحه منضود وظله ممدود.
حفظ الله تعالى الشيخَ الخليفة وبارك في عمره، وفي «دار السلام» وأهلها، آمين يا رب:
وَاغْفِرْ لِمَنْ بَنَوْا بِنَاءَهَا الرَّفِيعْ =@= وَاغْفِرْ لِمَنْ أَمَرَهُمْ بِهِ جَمِيعْ
وَلِجَمِيعِ مَنْ أَعَانَهُمْ عَلَى =@= بِنَائِهَا الَّذِي بِفَضْلِكَ اعْتَلَى