Articles

بعد حرب غزة، سيصبح حماس حليفا أساسياً لحل الدولتين

د.بابكر صمب

تم تحديد حصيلة القتلى المروعة في حرب
غزة في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، على النحو التالي: في الجانب الفلسطيني 15 ألف قتيل، بينهم 6150 طفلاً و4000 امرأة، بالإضافة إلى 7000 مفقود بالتأكيد تحت الأنقاض. وإلى هؤلاء الضحايا العديدين، يجب أن نضيف أكثر من 200 شاب قتلوا في الضفة الغربية. أما إسرائيل فقد قدرت ضحايا هجوم 7 أكتوبر بـ 1200 واعترفت بمقتل 58 جنديا بينهم ضباط بالإضافة إلى 213 رهينة في أيدي “ميليشيا حماس”. وقد أُطلق على الهجوم المفاجئ والجريء الذي شنه جنود حماس اسم “طوفان الأقصى”. إنه يمثل تطوراً مهماً لأنه أزال الغموض عن أسطورة الدولة العبرية التي لا تقهر. وقد شهدت أجهزتها الاستخباراتية الداخلية والخارجية (الشاباك والموساد) تآكلاً خطيراً في سمعتها من حيث الكفاءة والأداء.
ويبدو أنهم استهانوا بالقدرة العملياتية لعناصر حماس، خاصة ضد الجيش اليهودي الذي يفترض أنه الأفضل تنظيما في الشرق الأوسط بسبب دعم الولايات المتحدة. وجاء رد فعل إسرائيل مجاوزا الحد مجهزا بأحدث الأسلحة ، وجاءت عمليات قصف جوي وعمليات برية عشوائية وغير مقيدة. وقد أتى هذا القصف العسكري الإسرائيلي بتدمير منازل المدنيين والمساجد والكنائس والمدارس وحتى المستشفيات. وهكذا أصبح قطاع غزة محاصراً، محروماً من الماء والكهرباء والوقود… فسكانه عطشى وجائعون تحت أنظار منظمات الإغاثة الإنسانية العاجزة، بما فيها الأمم المتحدة. لقد وُصفت هذه الحرب بأنها جريمة ضد الإنسانية، وجريمة حرب، وتطهير عرقي، وحتى إبادة جماعية. أسقطت إسرائيل أكثر من 45 ألف طنا من القنابل على غزة. ومن هنا جاء طلب الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية من قبل خمس دول، بما في ذلك جنوب أفريقيا واتحاد جزر القمر وجيبوتي. واكثر من ذلك قامت دولة مانديلا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع “الدولة العبرية” وأعربت عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني .
وماذا عن السنغال التي تتولى رئاسة لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف؟ ويحدد القرار 3375 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975، مهمة اللجنة المذكورة بعبارات واضحة، وهو ما يستحق الاستشهاد به. وهي تتألف من: “رصد التقدم المحرز في تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف في التبعية، دون تدخل خارجي، للاستقلال والسيادة الوطنية…” ومع ذلك اكتفت السنغال بإصدار بيان صحفي بدا وكأنه يدين عنف حماس دون ذكرها بالاسم، ولم يعبر عن التضامن أو الدعم لفلسطين. إلا أن السنغال في بيانها أكدت مجددا على ضرورة حل الدولتين وفقا لقرارات الأمم المتحدة. وكان من المنتظر أن تقوم بلادنا بأفضل مما قامت به جنوب أفريقيا. والواقع أن الإيديولوجية الصهيونية تشكل الأساس للحرب في إسرائيل التي يحكمها حزب الليكود المحافظ بزعامة بنيامين نتنياهو. وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 “أعلن أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”. لقد صدم التصريح الفاضح الذي أدلى به وزير الدفاع الإسرائيلي بعد الهجوم الذي وقع في 7 تشرين الأول/أكتوبر جميع الذين يناضلون من أجل المساواة والأخوة بين الأعراق. فهو يعتبر الفلسطينيين “بهائم” وسيعاملهم على هذا النحو.
ومع ذلك، كان اليهود ضحايا مشروع إبادة في أوروبا، بين عامي 1933 و1945. وأسفرت هذه الإبادة عن مقتل ستة ملايين شخص خلال هذه الفترة البغيضة من الجرائم المعادية للسامية والتي تسمى “المذبحة، أو المحرقة الموصوفة بالإبادة الجماعية”. فهل يمكن لهذه الجرائم ضد الإنسانية أن تفسر تواطؤ الولايات المتحدة والأوروبيين الذين يحاولون عبثاً التكفير عن خطيئة لها عواقب وخيمة؟ ومن هنا فقدوا الذاكرة في مواجهة الظلم الذي يعيشه الفلسطينيون منذ عام 1948، على الرغم من قرارات الأمم المتحدة الصريحة التي تدين الاحتلال الإسرائيلي. ويمكننا أن نذكر أهم قرارين صوت عليهما مجلس الأمن. هذان هما القراران رقم 242 بتاريخ 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1967 ورقم 338 بتاريخ 22 تشرين الأول (أكتوبر) 1973. وهما أساس أي حل عادل ودائم لمصلحة الطرفين ومصلحة المجتمع الدولي. ويجب أن تنتهي سياسة المعايير المزدوجة هذه. إن التعبئة المستمرة، في جميع أنحاء العالم، لكل العقول المحبة للحرية والسلام والعدالة تجاه الفلسطينيين يجب أن تتزايد من أجل التوصل إلى حل عادل يميل نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود الأراضي التي يعترف بها المجتمع الدولي.
ولذلك، ينبغي لإسرائيل أن تتخلى عن سياسة الاحتلال والاستيطان. مما يشكل ضمانة للتعايش السلمي بين دولة فلسطين ودولة إسرائيل. لقد أعلنت بريطانيا العظمى، نظراً لدورها التاريخي في فلسطين، مثل إسبانيا وبلجيكا، أن أمن دولة إسرائيل يكمن في بناء دولة فلسطينية مستقلة. وهذا تطور ملحوظ. وقد أوضح الأميركيون والأوروبيون لإسرائيل عدم موافقتهم على إمكانية ترحيل سكان غزة ورغبتها في وضع غزة تحت إدارتها المباشرة
وبفضل وساطة قطر ومصر والولايات المتحدة، أسفرت محادثات الدوحة عن اتفاق هدنة لمدة أربعة أيام، استمرت من 24 إلى 27 نوفمبر/تشرين الثاني، سمحت بإطلاق سراح رهائن إسرائيليين وجنسيات أخرى، وعدد كبير من الفلسطينيين . وتعتبر هذه الهدنة خطوة مهمة نحو هدنات أخرى أطول أمدا من أجل التوصل إلى وقف نهائي لإطلاق النار. هذه هي الرغبة الراجحة. ولكن من يستطيع إقناع نتنياهو بالتخلي عن هدفه الرئيسي المتمثل في القضاء التام على حماس في قطاع غزة؟ إن الواقع على الأرض يجب أن يدفع إسرائيل ومؤيديها إلى إدراك أن حماس تشكل ضرورة أساسية في البحث عن حل الدولتين، تماماً مثل السلطة الفلسطينية. خاصة أنها أظهرت مسؤولية احترام بنود الاتفاق بطريقة إنسانية واضحة . إن الفلسطينيين المحررين في غزة والضفة الغربية يحيون مقاومة حماس وصمودها، الأمر الذي يستحق الإعجاب. وفي الواقع، فإن حماس هي حركة فلسطينية مسلحة تناضل من أجل السيادة الفلسطينية، وليست جماعة إرهابية كما تدعي الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية. لذلك فحماس تفرض الاحترام. لذا، أصبحت في سياق هذه الحرب، جهة فاعلة يجب أخذها بعين الاعتبار في منظور السلام العالمي العادل والدائم، من أجل حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.
الهدف الرئيسي لنتنياهو هو القضاء المستحيل على حماس، التي أصبحت جبهة الرفض والمقاومة التي تجرأت على تحدي إسرائيل حتى في أراضيها المحصنة.
سيتعين على حركة المقاومة والنضال من أجل تحرير فلسطين أن تلعب دورًا مهمًا سواء من أجل إعادة توحيد الضفة الغربية وغزة أو خلال المفاوضات المستقبلية لحل الدولتين، دولة فلسطينية وإسرائيلية كل على حدة ،وقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الاثنين 27 نوفمبر/تشرين الثاني، أن “تمديد الهدنة (يومين) هو بارقة أمل وإنسانية” لإسكات الأسلحة وفتح مفاوضات جادة من أجل تسوية عادلة ونزيهة. حل دائم لهذا الصراع المستمر منذ 75 عاما.

أستاذ في قسم اللغة العربية بجامعة شيخ أنت جوب بدكار UCAD
سفير السنغال الأسبق لدى مصر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى