باب الكعبة المشرفة
أحمد صالح حلبي
يطوف المسلمون حول الكعبة المشرفة سبعة أشواط تحية للمسجد الحرام ، ويتجهون صوبها في صلواتهم فهي قبلتهم ، لكن الكثيرين منهم ينظرون صوب بابها الواقع في الجهة الشرقية ، ولا يعرفون تاريخه ، ومن هنا أردت أن أتناول الحديث عن باب الكعبة المشرفة ، الذي يشير المؤرخون إلى أنه في بنائها لم تكن تحتوي على باب أو سقف، بل كانت عبارة عن جدران تم رفعها، ويعد أول من وضع باباً على الكعبة فيما رجحه المؤرخون، هو الملك “تبع”، قبل البعثة النبوية بفترة طويلة، وهذا ما ذكره ابن هشام في سيرته.
ومما يؤكد ذلك ، ما ذكره الأزرقي في أخبار مكة عن ابن جرير قال: “كان تبع فيما زعموا أول من كسا البيت وأوصى به ولاته من جرهم، أمرهم بتطهيره وجعل له باباً ومفتاحاً”.
وظل هذا الباب الذي عمله “تبع” من الخشب في الكعبة المشرفة طوال العهد الجاهلي، وحتى عهد بداية النبوة والعهد الإسلامي، ولم يغير حتى وقت عبدالله بن الزبير، حيث صنع باباً طوله أحد عشر ذرعاً.
ويذكر المؤرخون أنه بعد تغيير الباب في عام 64 بعد بقائه لفترة وطيلة وتآكله في فترة عبدالله بن الزبير، عاد الحجاج بن يوسف ليعيد الباب لنفس الارتفاع 6 أذرع، وفي عام 1045 غير الباب، وجعل فيه من الحلي الفضية ما يصل وزنه إلى قرابة 200 رطل وطلي بالذهب وهو أول باب تدخل فيه الحلية، وقد حدث ذلك في عهد مراد الرابع وبقي هذا الباب حتى عام 1356.
وذكر في تاريخ الكعبة أن ” هذا الباب الأخير الذي عمله السلطان مراد خان هو الباب الموجود على الكعبة المشرفة إلى العصر الحاضر ” .
وفي عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود ـ يرحمه الله ـ تم وضع باب جديد عام 1363هـ ، وقام بصنعه من حسابه الخاص، بعد أن علم أن الباب الموجود قد أخذ في الاختلال لقدم صنعه، بحسب ما ذكرت دارة الملك عبد العزيز في إحدى إصداراتها التاريخية الموثقة، واستغرق العمل في صناعة الباب الذي أمر به الملك عبدالعزيز – يرحمه الله – ثلاث سنوات .
وقد صنعت قاعدته من الحديد الصلب وتمَّ تثبيت الخشب الجاوي المصفح بالفضة المطلية بالذهب على مصراعيه، وأضيف إلى ذلك مجموعة من الأشرطة والفراشات النحاسية المزخرفة، كما تكونت واجهة الباب آنذاك من مستطيل محاط بأشكال زخرفية تنتهي بورقة نباتية مقوسة تحتوي على سباعية البتلات ويتكرر هذا النمط في الشريط بشكلٍ كامل. صُمم للواجهة عقد نصف دائري تعلوه منطقة مستطيلة الشكل وتحتوي على أربعة أشكال شبه مستطيلة مليئة بالكتابات والنقوشات والزخارف، وفي كلّ جزء من أجزائها فرع نباتي ينتهي بأوراق نباتية متعددة الفصوص بالإضافة إلى وردة خماسية الشكل، كما صنع من الأعلى الأرابسك ووضع عقد يتخلله أشرطة نحاسية مذهبة رأسية الوضع، وتحتوي الزخارف على وردة سباعية البتلات ونجمة سباعية الزوايا وبوريدات خماسية البتلات يُوجد وسطها سرة بارزة تحتوي على أربعة وريقات ووردة رباعيى البتلات، وتمَّ تكرار هذا النمط في 20 شريطاً أفقياً على الباب.
وأمر الملك خالد بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بصُنع باب للكعبة المشرفة من الذهب حيث بلغ مقدار الذهب المستخدم فيه للبابين حوالي 280 كيلو جرام عيار 99.99 بتكلفة اجمالية بلغت 13 مليونا و420 ألف ريال عدا كمية الذهب. واستغرق العمل منذ بدء العمل التنفيذي فيه في غرة ذي الحجة عام 1398هـ اثني عشر شهرًا ، وصنع له قفل جديد يشبه إلى حدٍ كبير القفل القديم في المواصفات ، وتمت صياغة الباب في مكة المكرمة على يد شيخ الصاغة المشهور أحمد بن إبراهيم بن يوسف بدر.
ويقع باب الكعبة في الجهة الشرقية منها ويرتفع عن الأرض من الشاذروان حوالي 222سم، ويبلغ طوله حوالي 318سم، وعرضه 171سم، وعمق ما يقارب نصف متر، وفي القديم كان للكعبة المشرفة فتحة حتى يدخل الناس إليها، ثمَّ صنع لها باب حُظي باهتمام وعناية عدد كبير من الصناع والحرفيين والأمراء على مر التاريخ .
ومن أشهر أبواب الكعبة باب صنعة الجواد وزير صاحب الموصل عام 550هـ، حيث تمَّ تركيبه في عام 551هـ وكُتِبَ عليه اسم الخليفة المقتفي العباسي، وكان يتميز بحلية جميلة. باب صنعة الملك المظفر صاحب اليمن عندما حج عام 659هـ، وكان مزيَّن بالفضة ووصل وزن الفضة فيه حوالي 60 رطلاً. باب صنعة الملك الناصر محمد بن قلاوون، وقد وضعه على الكعبة بعد خلع باب المظفر وكان مصنوعاً من السنط الأحمر ومزخرفاً بالفضة. باب صنعه الملك الناصر حسن عام 761هـ، وكان مصنوعاً من خشب الساج ومكتوباً عليه اسم الملك الناصر محمد بن قلاوون واسم حفيده الأشرف شعبان واسم الملك المؤيد.
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com