المشهد السياسي السنغالي ..وماذا بعد الحكم المتوازن لقضية سونكو -نيانغ ..؟
أ.فاضل غيي
إرتاح المواطنون بعد صدور الحكم أمس على زعيم المعارضة السنغالية عثمان سونكو في قضية التشهير ، طبعا هذه القضية حركت الشارع السنغالي في الأشهر القلائل الماضية ، بسبب اعتقاد أنصار المعارض ومؤيديه بأنها ليست قضائية بل سياسية بامتياز ،وأن وراء الأكمة ما وراءها ، قضية يحاول النظام الحاكم إلصاق تهمة التشهير لعثمان سونكو وإدانته ولو مع وقف التنفيذ لعرقلته عن الترشح لرئاسيات 2024 , وكانت المواجهات عنيفة بين رجال الأمن و المعارض سونكو في كل المواعيد التي حددت ثم أجلت لمحاكمته ، وبينهم وبين أنصار زعيم المعارضة الذين يواجهون الشرطة والدرك في شوارع العاصمة وفي الأقاليم ، أما أعضاء الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه وزير السياحة مام امبي نيانغ الطرف المدني فرأوا أن من حق نيانغ الدفاع عن عرضه بعد أن اتهم باختلاس مليارات قدرت ب 29 مليار فرنك ورأوا أن القضية قضائية بحتة لا علاقة لها بالسياسة ، وكان المراقبون مشفقين على أمن البلاد بعد بداية المحاكمة لما لاحظوا من أخذ ورد وجدل حول حيثيات الحكم مما دفع فريق الدفاع إلى الخروج من قاعة المحاكمة ، لكن المفاجأة كانت مطمئنة بعد أن أعلن القضاء” شهرين سجن مع وقف التنفيذ ضد السيد عثمان سونكو في قضية التشهير ، و٢٠٠ مليون فرنك تعويض لصالح الوزير مام امبي نيانغ” وجاء في تصريح محاميه الفرنسي قوله :” نحن انتصرنا ، لكن الأهم أن القاضي أصدر حكما متوازنا أنقذ البلاد من دوامة العنف “
وندعو القضاء السنغالي والحزب الحاكم والمعارضة ، وكل المواطنين إلى تغليب العقل على العاطفة ، وتوطين أنفسهم على تجنب المواجهات و تصفية الحسابات حفاظا على أمن البلاد واستقرارها ، ودرءا للكراهية والعنف والانتقام .
إن السنغال دولة ذات تاريخ حافل بالوعي السياسي والديمقراطية ، عرفت أنظمة سياسية عبر هذا التاريخ واجهتها معارضة سياسية قوية إنتقدت سياساتها ونافستها في وضع برامج ومشاريع تنموية للمجتمع السنغالي ،فالتنافس السياسي والديمقراطية له جذور قديمة في هذه البلاد .
ولا أذهب معكم بعيدا لنتغلغل في عمق التاريخ للحديث عن دولة الأئمة التي كانت من أبرز رموزها الشيخ سليمان بال ، والشيخ عبد القادر كن ،وكيف كان حكمهم رشيدا لتبنيهم مبدأ الشورى ، والعيش في ظل ديمقراطية ناضجة عادلة .. أفضل بكثير من هذه الديمقراطية الغربية المستوردة ، وحتى في عهد الاستعمار الفرنسي عرفت السنغال مواجهات ومنافسات في المجال السياسي ،بين بليز جانج ونغالاندو جوف ، وبين لوبول سنغور ولمين غي ، وبعد الاستقلال سنة ١٩٦٠ ، حدثت أزمة سياسية نتجت عنها نزاعات حامية الوطيس بين مامادو جاه وسنغور بعد اتهام سلطة سنغور لرئيس المجلس ممادو جاه بمحاولة الانقلاب ،سجن بعده “جاه “مع مجموعة من أنصاره سنوات طويلة ، كما عاش المشهد السياسي السنغالي تنازعا وشغبا سياسيا بين عبد الله واد وسنغور ، وبين عبد جوف وواد سنوات طويلة ..لكن كل هذه المعارك السياسية في تاريخ بلادنا أنتجت التداول السياسي عام 2000 ,
والتداول الثاني في 2012 .
وكانت كل هذه النزاعات والخصومات بين السلطات والمعارضة تنتهي إلى الحوار ،وفي بعض الأحيان إلى تشكيل حكومات وطنية إئتلافية تضم وزراء من النظام وآخرين من المعارضة .. والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا غاب الحوار عن المشهد السياسي ؟؟
السنغال بلد السلام ،والسنغاليون مسالمون وهذه السمة يجب على معسكر نظام الرئيس سال ومعسكر المعارضة السياسية الحفاظ عليها ،لذلك كله تنفس المواطنون والمقيمون في البلاد الصعداء وارتاحوا لما صدر حكم التهدئة الذي أزال الخوف وأعاد الأمن إلى الشارع السنغالي .