السنغال بعين صحفي سعودي( ٢)
أحمد صالح حلبي
تناولت في الأسبوع الماضي الحديث عن بدايات رحلتي إلى جمهورية السنغال بدءاً من مغادرتي لمطار الملك عبدالعزيز بجدة ووصولا إلى مطار شار ديجول بباريس ثم مطار داكار واطلاعي على بعض من ملامح حياة الشعب السنغالي وأوضحت أنه شعب يسعى للتطوير والتحديث متمسكا بعاداته وقيمه الإسلامية الأصيلة .
واليوم سأقف للحديث عن مطار شار ديجول بباريس ليس لكونه مطاراً عالمياً ضخماً متعدد الصالات ومتوفرة به خطوط مواصلات داخلية تجعل الغريب عنه تائها بين ممراته وطرقه الداخلية والخارجية .
ولن يكون حديثي عنه كمطار يستقبل العديد من الطائرات من شتى بقاع العالم على مدار الساعة بل الحديث عنه سيكون حول احترام الفرنسيين للقوانين والأنظمة الصادرة خاصة فيما يتعلق بالتدخين داخل المطار وهو ما يعني أن فرنسا رغم كونها دولة أوروبية منفتحة ثقافيا واجتماعيا إلا أنها ترى أن في التدخين مضرة على الآخرين ولذلك تمنعه بالأماكن العامة على عكسنا كشعوب عربية ندرك تماما بان التدخين مضر ونرى ونقرأ العديد من اللوحات التي تمنعه سواء داخل مطاراتنا أو خارجها لكننا لا نأبه لها حتى أن البعض منا يتناول السجائر داخل محطات البنزين رغم خطورة ذلك عليه وعلى الآخرين .
وان كان التدخين ممنوعا داخل المطارات الفرنسية كما علمت ذلك من أحد الأخوة الفرنسيين من أصول عربية فان الغريب يجد من يرشده ويوصله إلى مبتغاه وهذا ما حدث لي فرغم أني لا أجيد اللغة الفرنسية إلا أنني وجدت من يرشدني إلى مبتغاي .
وبين الرغبة في الوصول إلى ماتريد فانك تجد لدى الفرنسيين نصحا وإرشادا لك خاصة في الطعام فان بادرت إلى طلب طبق لحم فان أول ما تسمعه هل أنت مسلم ؟ .
وإذا جاءت إجابتك بنعم فإنهم يوضحون لك بأن هذا النوع من اللحم المطبوخ على هذه الطريقة هو لحم خنزير وينصحونك بطلب طبق آخر من اللحم أو طلب سمك أو دجاج وهو مايعني احترامهم للآخرين ومشاعرهم الدينية لعلمهم ان المسلمين لا يأكلون لحم الخنزير وهم يوضحون لهم ذلك من باب النصح والإرشاد واحترام المشاعر وعدم الغش .
ولن أسرد في الحديث عن الفرنسيين واحترامهم لمشاعر الآخرين فقد لايصدقني البعض لذلك أقول إن من رأى خير ممن سمع .
وانتقل هنا للحديث عن السنغال مجددا وأقول ان كانت رحلتي جاءت بدعوة شخصية ولا تحمل الصفة الرسمية لأي مطبوعة سعودية فان هذا ما جعلني أنتقل بحرية أكثر للتعرف على عادات وتقاليد الشعب السنغالي سواء داخل الأحياء الشعبية أو تلك الحديثة على أطراف داكار .
فعلى بعد نحو ثلاثين كيلو متراً من العاصمة السنغالية داكار تعيش مجموعة من الأسر السنغالية على مايرزقهم به البحر من خيرات فبعضهم يقتات من صيد السمك وآخرون لايبحثون عن السمك وأشكاله لكنهم يقتاتون من ماء البحر الذي يستخرجون منه الملح بعد عملية تجفيف تستمر أياما حيث يتم وضع الملح بأكياس بالطريقة التقليدية ومن ثم تصديره للدول المجاورة .
وفي عملية استخراج الملح التي لا تحتاج سوى لقارب صغير يعمل كافة أفراد الأسرة الواحدة موزعين في مهمات ومسؤوليات متعددة .
ولا يعيب الفرد إن كان طالبا جامعيا أو موظفا أن يعمل مع أسرته فما تجنيه من مال يكون عونا لهم على متطلبات الحياة .
وحينما تحدثت مع مرافقي عن حياة هذه الأسر رد قائلا : إنهم أناس يرون في عملهم هذا الذي ورثوه جيلا بعد جيل مهنة لا يمكن هجرانها مهما كانت الأسباب .
وأدركت ذلك حينما تحدثت مع أحد الشباب وهو مهندس مدني يعمل في شركة فرنسية بمدينة نيس الفرنسية وقد أخبرني بأنه يعمل خلال إجازته السنوية مع أفراد أسرته في استخراج الملح رغبة منه في اكتساب المزيد من الخبرة في مهنة آبائه وأجداده .
وأمام هذه الكلمة تذكرت حالا كيف كنا وكيف أصبحنا فحمدت الله على ذلك وتساءلت لماذا نحن كأبناء نهجر صناعات آبائنا ونتوجه للبحث عن الوظائف المريحة ونترك الآخرين يقومون بمهننا ؟
لقد كان في آبائنا رحمهم الله البقال ، والنجار ، والسمكري ، والحلواني ، والخياط ، و000 و 0000 وغيرهم الكثير لكننا فضلنا أن نهجر هذه المهن ونبحث عن مهن مريحة وتركنا الآخرين يعملون بها لنصبح دون مهن تقليدية.
فهل في العمل الشريف عيب ؟
إن بمقدورنا أن نبني أنفسنا ونستغل أوقات فراغنا بما يعود علينا بالنفع والفائدة من خلال تمسكنا بمهن أبائنا وأجدادنا رحمهم الله فصنعة في اليد أمان من الفقر .